بعيداً عن دمشق، في مدينة بانياس، صيف عام 1964، حيث لا زالت ذكرى سليمان المرشد حيّة في الأذهان، حصل صدام طائفي ما بين المرشديين والعلويين النصيريين من جانب، وأهل والسنّة من جانب آخر، واستطاع الحرس القومي(الشبيحة) إخماد الفتنة(2)
ولكن تفجّر التمرّد في مدينة حماة، وكان اوّل صِدام ما بين السلطة الحاكمة في دمشق وجماعة الإخوان المسلمين، ولأوّل مرّة في تاريخ سوريا منذ الاستقلال. حيث بدأ سكّان حماه يسمعون هتافات لم تكن سوريا معتادة عليها في غابر تاريخها. منها هذا البيت من الشعر : آمنتُ بالبعثِ ربّاً لا شريك لهُ = وبالعروبة ديناُ بعد وجداني
وهتاف آخر يقول: يلعن يومك يا حطين = والخاين صلاح الدين,
في وجه هذه الهتافات، كتب فتى لا يتعدّى سنه الحادية عشر من العمر، على لا فتة، الآية القرآنية الكريمة:<< ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون>>(3)
أوقفت المخابرات ذلك الفتى، وخرجت مظاهرة بقيادة الإخوان المسلمين تجوب شوارع المدينة مطالبةً بإخلاء سبيله. ووعد محافظ حماة بإخلاء سبيله، وحيث اعتاد العلويون على أن يخلفوا بوعودهم، فإنهم سرّحوا عددا من مدرّسي التربية الإسلامية، ثمّ خرجت مظاهرات أقوى في كل أنحاء المدينة تطالب بإيقاف الهتافات ضدّ الدين وإطلاق سراح الفتى الموقوف وإعادة مدرّسي التربية الإسلامية لعملهم، فتدخّلت المخابرات بالقوة لإيقافها، ففشلت، وحينئذٍ تدخّل الجيش بضغطٍ من صلاح جديد على أمين الحافظ، فَضُرِبت الجوامع بالمدافع لأول مرة منذ زحف المغول (4).
(1)أنظر سامي الجندي، البعث، ص. 138.
(2) Cf. B.VERNIER, loc-cit, p.139.
(3) قرآن كريم، سورة 5، الآية 48.
(4) هذه الأحداث هي تلخيص لخطبة ألقاها المهندس مروان حديد، في مسجد الروضة بدمشق عام 1974، وهذا لا يتناقض مع ما كتبه سامي الجندي عن هذه الأحداث في كتابه البعث ص. 145- 147. وانظر أيضاً سخافة سرد هذه الأحداث عند مصطفى طلاس في مرآة حياته، الجزء الثاني، صفحات 485-488.