وإذا علمنا أن موتها هذا بمثابة منفذ على الفرات الذي هو أشبه ما يكون بدهليز، تنفذ خلاله طرق المواصلات التجارية من أقصى المغرب، ومصر، والشام، والجزيرة.. وكان قد مر معنا في المصادر أن المنصور حينما اعتزم بناء بغداد واختار موقعها، قال: لتكونن أعمر مدينة في الأرض، ثم لأبنين بعدها أربع مدن لاتخرب، واحدة منهن أبداً، فبنى " الرافقة "، ولم يسمها، وبنى ملطية، وبنى المصيصة، وبنى المنصورة بالسند.
وذكر اليعقوبي، أن لهم في الفرات نهر عيسى العظيم، الذي يأخذ من معظم الفرات، تدخل فيه السفن العظام التي تأتي من الرقّة، ويحمل فيها الدقيق، والتجارات من الشام.. ولقد كان من بين الحوافز التي حدت بالخليفة المنصور لبناء الرافقة، وغيرها ذلك البرنامج الجديد الذي أوجدته ضرورة إقامة المدن المحصنة، إذ إن هذا الخليفة أحس بأن الأمويين ارتكبوا خطأ فاحشاً لأنهم لم يتخذوا لأنفسهم مدينةً محصنة تحصيناً قوياً تستطيع أن تقاوم الأعداء لأطول مدة ممكنة، ورغب في إصلاح هذا الخطأ ببناء بغداد، ثم ولنفس السبب بنى " الرافقة " وهي أشبه ما تكون بقلعة قوية بالقرب من الرقّة عند مجاري الفرات العليا، ووضع فيها حامية من الجند الخرسانيين، ودعم نفس الخليفة حصون الكوفة، والبصيرة الدفاعية بمال جمعه من مواطني هاتين المدينتين، وقد بلغت الرقّة أوجها في عصر الخليفة هارون الرشيد، إذ كانت قبل عام ( 180 هـ 796 م ) مصيفاً للخليفة، ومنها تنطلق غزواته الصائفة لحرب الروم، ولقد اتسعت، ولم تعد بلدانها القديمة البيضاء، والسوداء، والرافقة، وواسط كافية لاستيعاب سكانها فشيّد الرشيد بالرقّة " الوسطى " وهي توسع الرافقة، واتصال الرقتين، فشملت جميع المنطقة السهلية الواقعة عند ملتقى الفرات مع البليخ بما فيها من روابٍ، على هذا السهل، كما أنَّ نهر الفرات بتغيير مجراه قد ذهب بجميع معالم المدينة الواقعة في الجهة الشامية المقابلة، والمعروفة " بواسطة الرقّة ـ أو رقّة واسط " ومع ذلك فقد قدرت مساحة الأنقاض الباقية في مدينة الرقّة الجزرية بخمسين كيلو متراً مربعاً.
في عصر الرشيد
..
كان ازدهار الرقّة في عصر الرشيد، امتداداً للازدهار الذي أسّسه المنصور وللاستقرار السياسي الذي رافقها خلا ل حكم المهدي والهادي، فلما اتخذ الرشيد من الرقّة مصيفاً له كانت تُرافقه مواكب الدنيا حين يفد إليها، ولقد أمر الرشيد بإنشاء كل ما يلزم فيها من وسائل الراحة، والترف، كميادين سباق الخيل، وملاعب الصولجان، وحقول الصيد، وموانئ السفن، والحراقات، والمتنزهات الواسعة، والحدائق المزهرة على ضفتي الفرات، والرحاب الفسيحة، فأصبحت من أجمل مصائف الدنيا.. والظاهر أنَّ الرشيد أراد إتمام الانقلاب الخطر الذي كان يفكر في إعداده ضد البرامكة، فجعل من الرقّة عاصمة دائمة له سنة ( 180 هـ 796 م) وشيّد فيها قصر الخلافة المعروف بـ " قصر السلام " وعدّة قصور، ومنها: " قصر الأبيض " بحيث يمكن أن لايعود إلى بغداد إلا لضرورة ملزمة، كما اتخذ الأمراء، والوزراء، والقواد، ومنهم البرامكة قصوراً لهم بالرقّة يقيمون فيها إلى جانب الخليفة، ونحن إذا تتبعنا سيرة الرشيد في أسفاره، وحجّه، وغزوه، وأحصينا ذلك، لوجدنا أن المدة التي أقامها طوال خلافته في الرقّة أطول من المدة التي كان يقيمها في بغداد.. وفي سياق الحديث عن قصر " السلام" عندما يقيم في الرقّة، قال "الجود" : كان مقر بلاط الرشيد " قصر الخلد" حين يكون في بغداد، و" قصر السلام " حين يقيم في الرقّة، وكلا القصرين من أفخم قصور الدنيا في ذلك العهد، وأكبرها سعةً وجمالاً، وسار الرشيد في إدارته على نهج قويم، وأعاد إلى الخلافة رونقها الذي كان على عهد جده المنصور، وسمّى الناس أيامه " أيام العروس" لنضارتها، وكثرة خيرها، وخصبها وكانت دولته من أحسن الدول، وأكثر وقاراً، وأكثرها رونقاً،وأوسعها رقعة.
وجبى الرشيد معظم الدنيا، وكان أحد عماله صاحب مصر، بل لقد كان عصره ذروة الازدهار في تاريخ الدولة الإسلامية التي كانت الرقّة فيها عاصمة دائمة مدة 13 سنة( من سنة 180 هـ 796 م ) ـ ( 193 هـ 808 م ) وعلى هذا نستطيع أن نقف على مدى الازدهار الذي كانت تتمتع به الرقّة في هذه الحقبة.. والرشيد على كثرة بذله المأثور، خلف من المال ما لم يخلّفه أحد مثله، مذ كانت الدنيا، وعلى الرغم مما أنفق، ذلك فان الرشيد ترك في بيت المال عند وفاته تسعماية ألف ألف ونيّفاً ( 900000000 ) حملتها زبيدة من الرقّة إلى بغداد عند وفاته، وفي ذلك العصر بلغت الرقّة أوج عصرها الذهبي، إذ كان الرشيد يقول: ( الدنيا أربعة منازل، دمشق، والرقّة، والرّي، وسمرقند)، وكانت زبيدة تقول لمنصور النمري: قل شعراً تُحبب فيه بغداد إليّ فإنني أختار الرافقة عليها، فقال منصور شعراً يُحبب فيه بغداد إليها فأعطته ألفي دينار، وقال شيخ الربوة الدمشقي: الرقّة من أنزه بقاع الدنيا، وقد أكثر الشعراء في ذكرها، ووصفها، والتغنّي بمحاسنها، وعظمتها،
قال ربيعة الرقيّ:
حبّذا الرقّة دار وبلد بلد ساكنه ممن تُحب
ما رأينا بلدةً تعدلها لا ولا أسمعنا عنها أحد
إنّها بريّة بحريّة سورها بحر وسور في الجدد
تسمعٌ الصلصل في أشجارها هدد البر ومكاء غرّد
لم تضمن بلدةً ما ضمنت من جمالٍ من قريشٍ وأسد
وقال أبو نُواس:
رجعت إلى العراق برغم انفي وخلفت الجزيرة والشآما
على شطط البليخ وساكنيه سلام متيّم لقي الحماما
وقال مسلم بن الوليد:
وصرف رصافيه خمرة تميت الهموم وتبدي السرارا
ألم تر أنّي بأرض الشام أطعت الهوى أو شربت القعارا
لقد كنتُ من حب خمر البليخ أن أجعل الشام أهلاً ودارا
مركز فكري رفيع
تمتعت الرقّة في القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي، بمركز فكري رفيع كان فيها العديد من العلماء، ومنهم: الإمام محمد بن حسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة، ومن المؤسسين الأوائل للمذهب الحنفي، وله مناظرات مشهورة مع الإمام الشافعي بالرقّة، وكان بها أيضاً الكسائي، وحين خرجا مع الرشيد إلى الري وتوفيا، قال الرشيد: اليوم دفنت اللغة والفقه في ( ربنوية) وهي إحدى قرى الري سنة 189 هـ 804 م، وهذا مايشير إلى أهمية الرقّة، ومكانتها بين الأقاليم العربية الإسلامية في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي، ما رثى به أحد الشعراء المصريين أحمد بن طولون، حيث يقول:
أنت الأمير على الشام وثغره والرقتين وما حواه المشرق
واليك مصر والحجاز وبرقة كل إليك مع المدى يتشوّق
ظلت الرقّة مدينة كبرى من أمهات المدن العربية الإسلامية حتى أواسط القرن الرابع الهجري، حيث أخذ نجمها الساطع في الأفول، وانتابها بعض الجمود، ثم التحوّل إلى مدينة عادية، ومع ذلك لم تفقد بريقها كله.
إن الصورة الشعرية التي تركها لنا الشاعر أبو بكر الصنوبري المتوفي سنة ( 334 هـ 945 م) خير شاهد على ازدهار الرقّة في هذا القرن، ومن مليح شعره في وصف الرقتين:
أما الرياض فقد بدت ألوانها صاغت فنون حليها أفنانها
رقّت مفانيها ورق نسيمها وبدت محاسنها وطاب زمانها
هذا خزاماها وذا قيصومها هذا شقائقها وذا حوذانها
تبكي عليها عينُ كل سحابةٍ ما أن تمل من البكا أجفانها
ومدحها الأمير أبو فراس الحمداني، بقوله:
المجد بالرقّة مجموع والفضل مرئي ومسموع
وان بها كل عميم الندى يداه للجود ينابيع
وكل مبذول القرى بيته على علا العلياء مرفوع
القلاع المتنوعة
والآن لنعد إلى الآثار الموجودة في الرقّة، ولنتجول بها، ولنقتصر بجولتنا في " الرافقة " مدينة المنصور العظيمة، إذ يقتصر عليها وحدها وجود الآثار الظاهرة فوق سطح الأرض، ولنتفرس في أبوابها، وأسوارها، وأبراجها، ومسجدها الكبير، وساحتها، ورحابها، ولنجعل تطوافنا حول ما نراه من سورها الترابي المشيّد باللبن المجفّف، ولنسبر أغواره، وأساسياته، فنقف على القاعدة الصخرية، التي شيّد عليها، وأول ما يدهشنا فيه ملاحظة آثار اكسائه بالآجر الجميل من الداخل والخارج، واكساء جميع أبراج السور الخارجي والداخلي بالجص، والآجر أيضاً، والصورة التصميمية، جعل السور على شكل نعل الفرس، وهو ليس مزدوجاً من الناحية الجنوبية المطلة على الفرات، كما هو الأمر في جهاته الثلاث الباقية، بل أستعيض عن السور الخارجي في هذه الجهة بأبراج ضخمة قطر كل من البرجين الشرقي المجاور لباب بغداد، والغربي الذي زال سنة " 1908 " 60و15م " وبين هذين البرجين تقع أبراج السور الأخرى، بجانب بعضها البعض على مسافة "1500 م" كما قدر الأستاذ كرزويل أبعاد الرافقة، وتكون المسافة بين كل اثنين من تلك الأبراج "35 م" ملفّحة جميعها بالآجر والجص، ولايمكن تقدير ارتفاع كل منهما إلى ارتفاع بما يُضفي عليها، وهي تُناطح الجو، منظراً خلاباً تزيده السفن الشراعية، وهي تتثنى كالعرائس على صفحة الفرات الفضية بأشرعتها الزاهية بهاءً، وروعةً، وقد قال الصنوبري في هذا المشهد العبثي الغريب:
وياسفن الفرات بحيث تهوي هوى الطير بين الجهلتين
تُطارد مقبلات مدبرات على عجل تُطارد عسكرين
وإذن يُشكل سور الرافقة استدارةً تبدأ من باب بغداد الواقع في الجهة الشرقية تنحني إلى الشمال، ثم إلى الغرب، ثم إلى الجنوب، حتى تصل إلى الباب الغربي الذي زالت معالمه، وهو الباب المناظر لباب بغداد.
يكون السور في هذه الجهات الشرقية، والشمالية والغربية، مزدوجاً مؤلفاً من سورين، الداخلي أكثر ارتفاعاً من الخارجي، قصد منه سهولة الرمي لئلا يُصيب المرابطون على السور الداخلي جماعتهم المرابطين على السور الخارجي، وبين السورين يقع فصيل بعرض " 80و20م "، وسمك السور الداخلي " 80و5م" ، وسمك السور الخارجي " 5و4م " أما الخندق فان عرضه في الأعلى " 90و15م" ، وفي الأسفل "5و9م"، ويكون سور الرافقة كـ سور بغداد يأخذ في الضيق كلما ارتفع، كما أشارت المصادر إلى ذلك حول كيفية بناء سور بغداد، وبروز ذلك ظاهرياً، للمتأمل في بناء سور الرافقة، وأبراج السورين متقابلة مع بعضهما ومطلة على الفصيل المشترك بينهما، الذي يكون بمثابة شارع بين السورين، ويلاحظ أيضاً أن المسافة بين كل برجين من أبراج السور الصغير الخارجي تقارب من "20م " إلى " 35م" كما هي الحال في السور الداخلي، ما يشكل مراعاة في انسجام أبعاد المباني، ويمكن القول: إنَّ جميع هذه الأبراج تعلوها في الأصل قباب بيضاء جميلة أسندت إلى أعناق تزينها بعض الزخارف حسب فنون ذلك العصر، ويلاحظ أيضاً أنَّ السور الخارجي ينحدر على الخندق انحداراً مائلاً بعض الشيء، وقد بني بالجص والآجر، وبني ـ أيضاً ـ على شاكلة الحافة الثانية الخارجية للخندق، كما هو الأمر في سور بغداد تماماً، ولكن ما طرأ على الخندق من تبدل في بعض الأزمنة العباسية المتأخرة، بدل بعض معالمه الأصيلة، بعد إعادة نزح ما تراكم به من ترسبات الطين والجص الذي يحمله الفرات إلى الخندق، وتبدو آثار تلك الترسبات بعد استخراجها من باطنه تحيط بالخندق من الخارج، وترافق استدارته حول السور.
روائع أثرية.. وتعدّيات قائمة
!
ثمة سؤال يتبادر للذهن: ماهي القيمة الأثرية والفنية لآثار الرقّة؟ إذا علمنا أن هذه الروائع قد عاصرت الأزمنة الذهبية للدولة العربية في عصرها الذهبي، وعاصرت أزهى حقبة في تاريخنا.
قدرنا القيمة الفنية والمعنوية لهذه الآثار، فهي تكاد تكون النموذج الفريد الذي أبقت عليه عاديات الزمن من آثار عصر المنصور والرشيد، فهي ليست آثاراً فنية وحضارية فحسب، ولكنها آثار رافقت أمجاداً عسكرية لأمتنا العربية، وهناك ظاهرة تنفرد بها آثار الرقّة، بالنسبة للآثار الأخرى في بلاد الشام، ومصر، والمغرب، كون تلك الآثار هي المحطة الأولى التي انطلقت منها الأساليب الفنية، المعمارية، والروائع الخزفية، والزجاجية المصنوعة في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وعنها انتقلت الفنون العباسية إلى مصر، والمغرب فيما بعد.
وحفريات مدينة الرقّة، كانت من المشاريع التي تعقد عليها المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية أكبر الآمال، لأن هذه المنطقة تضم أكبر مجموعة من الأطلال الإسلامية بين كل مناطق الشرق الأدنى، ولأن التنقيب فيها كفيل بإظهار كثير من مخلفات العصر العباسي، التي يقل وجودها في بلاد الشام، والتي يحتمل أن تحتوي على ما يشبع رغباتنا في معرفة فنون بناء، ونحت وتصوير ذلك الزمن، وإكمال ما أظهرته حفريات سامراء في العراق، كما أن المنطقة اليوم بحاجة إلى حملة واسعة من أعمال التنقيب، والكشف، والترميم، وهذه الأعمال الواسعة تتطلب أموالاً باهظة إضافةً إلى أنَّ الفوائد العلمية والمادية ستكون بالغة الأهمية، إذا ما عرفنا أن البلدة الجديدة آخذةً في التوسع داخل منطقة الآثار، وأن المساكن الجديدة المتواضعة تزحف باتجاه سور الرافقة مما سيؤدي إلى هدمه تماما، أدركنا ضرورة التحرك السريع لحماية تلك الروائع الأثرية.
إن التعدّيات مستمرة منذ العهد العثماني على الآثار في مدينة الرقّة، وعلى سور الرافقة بصورةٍ خاصة، وحتى يومنا هذا، ولايمكن اعتبار الطريقة المتبعة حالياً للمحافظة عليها ضامناً أكيداً للإبقاء عليها، مع العلم أن إهمال تلك الآثار جريمة يُحاسب عليها الضمير الحي، لذا كانت دراسة إنشاء شارع الكورنيش داخل السور، وخارجه تخفيفاً من التعديات عليه، كما أن الاهتمام بأشجار السرو حول السور من الداخل تزيد أيضاً في حمايته،
وتبعث فيه حياةً جديدة في هذا الأثر الرائع، وتشعر الأهالي بأنّ التراب لم يَعد مهملاً كما في أيام زمان.
المسجد الجامع بالرافقة
..
ومن أهم الأماكن الأثرية الهامة التي لا تزال تُواجه تحديات الزمن، ومنها " المسجد الجامع" الذي بناه أبو جعفر المنصور سنة ( 155 هـ 771م) وأنشأه من الطوب " اللبن "، ويُظن أنَّ الرشيد كان قد هدم أجزاءً كبيرةً من الجامع، وأعاد بناءه بالآجر شأنه في ذلك، شأن جميع المنشآت العمرانية التي تعود إلى زمن المنصور في بغداد، والبصرة، والكوفة .. حيث كان الرشيد قد أعاد بناءها بالآجر من جديد، الأمر الذي جعلنا نشاهد أن مادة الآجر استعملت فيها البوائك، والدعامات، بل الأعمدة لحمل الأقواس، ويشكل الرواق الجنوبي الكبير حرم المسجد الذي تقوم جنوبه القناطر الباقية في يومنا، وعددها إحدى عشر قنطرة.
أما منارة المسجد الجامع الباقية، فهي اسطوانة الشكل، يبلغ ارتفاعها عشرين متراً تقريباً ويسترعي الانتباه فيها رصف آجرها المتقن، حيث تبدو وكأنها عمود صنع بقالبٍ، وتقع على مقربة من زاوية الرواقين الشرقي والشمالي، وهي تقوم على قاعدة مربعة الشكل، ومن المعتقد أن المنارة يعود إنشاؤها إلى نور الدين زنكي.. إذ أن منارات المساجد في هذا العهد، اسطوانية الشكل، كما هي الحال عليه اليوم في جعبرـ وهي قلعة أثرية تقع غرب مدينة الرقّة على بعد " 50 " كم عن ضفة نهر الفرات اليسرى، بينما أشكال المنارات في العصر العباسي الأول هي غالباً ما تكون حلزونية، كما هو الحال في مسجد " سامراء " في العراق، ومسجد " أحمد بن طولون " في مصر، إذ يرى الأثريون أنهما قد بُنيا على غِرار هذا المسجد لذا يمكن القول إن المنارة الأصلية للمسجد قد زالت، وان مكان وجودها في الزاوية الشمالية الغربية للرواقين الشمالي والغربي بإزاء المنارة الحالية إلى الغرب منها، وبقي من المسجد إلى عهدنا بقية ضئيلة من سوره الخارجي، حتى أعيد ترميمه من جديد، وهذا ما حد قدر الإمكان من التعدّيات عليه .
والزائر اليوم للمسجد الجامع يرى الاهتمام الذي لحق بهذا الأثر الهام، بالإضافة لمنارته الاسطوانية، وواجهة الحرم التي هي بارتفاع ما يقرب من عشرة أمتار، وبإحدى عشرة قنطرة، ودوّن على القنطرة الوسطى، وبخط النسخ، ما يشير إلى أن ترميم المسجد تمّ أيام "نور الدين محمود زنكي" في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي .
المسجد الحميدي الكبير
الجامع الكبير، أو مسجد الحميدي، كما هو متعارف عليه، وهو أقدم وأكبر مساجد مدينة الرقة، ويعود إلى زمن السلطان العثماني عبد الحميد لذلك أطلق عليه اسم الحميدي الكبير، بل وان المنطقة المحيطة به أخذت منه هذا الاسم، وكان ملحقاً به المدرسة الرشيدية، وهي مدرسة دينية صغيرة لا زالت غرفها الأساسية موجودة حتى يومنا هذا.
كان يؤم المسجد أغلب أهالي الرقّة في شهر رمضان لأداء صلاة التراويح، وكذلك للاستماع إلى دروس العلم والشريعة التي كان يلقيها الأئمة المتعاقبين عليه، والمفتين الذين هم في الغالب كانوا من الخطباء والمدرسين فيه، ناهيك عن علماء دمشق، وحلب، وحتى من مصر في زمن الوحدة.
كما كان المسجد ملاذاً للقادمين إلى الرقّة من محافظات ومناطق أخرى، وشهر رمضان كان مناسبةً ليصطحب أهالي الرقة ضيوف المسجد إلى منازلهم في أوقات الإفطار، وان كانوا كثيرين فهم يتقاسمونهم، وقد جدّد بناء المسجد على مراحل، في النصف الثاني من القرن الماضي، إلا أنّه وأمام أهمية هذا المسجد لم نجد أي اهتمام يذكر به لا سيما بترميمه وتحسينه والاحتفاظ بما تبقى من أطلاله الأولى، مثل: مئذنته القرميدية الاسطوانية الشكل، وغرف المدرسة الرشيدية.
بقي أن نقول، إنّ الرقّة واحة للراحة، يقصدها السيّاح من كل بقاع الدنيا، للتمتع بمائها، وخضرتها، وآثارها القيمة، ودعوة من القلب لزيارة هذه البقعة من الوطن الحبيب، للتعرف عليها عن كثب.
لقد حاول النصيريون سحق الشخصية الرقّاوية العظيمة بالاضافة الى الهوية الاسلامية التي تتبع مذهب أهل السنّة والجماعة فاعتمدت على سياسة التجهيل والافقار ومن ثم سياسة محو الشخصية بحجة التنوير والتثقيف ومراجعة التاريخ وتصحيحه واعتمدت على الترغيب والترهيب والدجل والخرافات لقد حاول النصيريون ربط شعب مدينة الرقّة بولاية المعتوه الفقيه المتمتع بنساء فارس ليكون محركهم الاساسي ولكن هيهات انتفض الرقاويون في وجه هذه الهجمية الغادرة فعلموا مايخبىء لهم تحت عمائم شيوخ قم والنجف من غدر وخسّة وحقد على تاريخ الرقّة وشعبها ورموزها .
نعم لقد أطلق النصيريون الحاقدون يد الغدر الايرانية في مدينتنا الحبيبة وكافة المناطق الشرقية مستفيدين من تعمد التجهيل وشراء الذمم في محاولة لمسح وتغيير هوية الرقّة تماماً كما فعلوا بالاحواز المظلومة ..كانوا يظنون أنهم نجحوا في تحويل الرقة الى ولاية ايرانية بخزعبلات تدعو الى الحقد والغدر برموز أمة محمد وقرآن محمد وصحابة محمد بن عبد الله النبيّ الأميّ صلى الله عليه وسلم .
كانوا يحاولون تحويل أبناء الرقة الى روبرتات يتم استدعاءها وقت الحاجة ليدمروا بلدهم ويقتلوا أبناء وطنهم
كانوا يظنون أنه يمكن تطبيق مافعلوه ببلدة الفوعة المسالمة حيث حولوا ابناءها الى قتلة وسفاحين تجركهم الهمجية والفتاوي التكفيرية الشيعية وماحقد وجرائم أبناء الفوعة وبعض القرى الشيعية كبصرى الشام في درعا الا باشراف ايراني مباشر .
ولنا في الحوثيين الحفاة وانشاءهم دولة ضمن الدولة مثل حزب نصر الله في الضاحية الجنوبية وهاهم شيعة البحرين والكويت قومون بشق الصف الواحد وتبديد مقدرات اوطانهم وابتزازها سياسية واجتماعياً بتفتيت النسيج الوطني ويبقى العراق الجريح حيث تواطء شيعة العراق التكفيريين مع الغرب الحاقد وقدم جواسيسهم على الدبابات الأمريكية والاسرائيلية وقتلوا مليوني عراقي مقابل تجويع وافقار وتدمير العراق بوهب خيراته لأسيادهم في ايران والبيت الأبيض .
لقد كانت النصيرية والشيعة التكفيرية الاثني عشرية دوماً عوناً جنديّاً مخلصاً لأعداء الامة
منذ عصر الغزوات فالانتدابات فعصر الخيانات
والله المستعان
انتهى