لميس فرحات
لم
يتوقع مارك زوكربيرج عندما اخترع الفايسبوك كساحة للتواصل الاجتماعي أن
يهدد هذا التواصل عروش أنظمة حكمت العالم العربي بالحديد والنار.
فسحة التواصل هذه أعادت تشكيل ذاتها بوحي من ممارسات القمع والديكتاتورية، فتحولت إلى ساحة نزال مستتر شهدت أولى الخطوات نحو الحرية.
الفايسبوك
احتضن ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، بعد أن أحكمت الدولة
قبضتها على الإعلام الرسمي وشدت الخناق على الإعلام الخاص الذي مُنع من
ممارسة دوره في ايصال الحقيقة.
الساحة الاجتماعية تحولت مهداً لربيع
عربي انضمت إليه سوريا منذ الخامس عشر من شهر آذار، لكن خلافاً عن باقي
الدول، بقيت سوريا أسيرة التعتيم الإعلامي ولم تجد حتى الآن سوى الفايسبوك
متنفساً لها.
سوريا كسرت القيد وأسمعت العالم صوت ثورة الشعب الذي قال
لا للظلم والقهر والاستبداد. هذا ما نعرفه كمشاهدين لمقاطع الفيديو التي
يلتقطها شهود بكاميرات هواتفهم النقالة، وما تنقله مواقع الانترنت ومجموعات
الفايسبوك.
أما أجهزة الإعلام الرسمي، فكأنها في سوريا أخرى. الراديو
خصص الأثير الإذاعي لاستقبال اتصالات كلها على لازمة واحدة "عاشت سوريا
الأسد، هؤلاء المندسين، منحبك، مؤامرات خارجية، سوريا بشار وبس".
قناة
"الدنيا" والتلفزيون السوري الرسمي اكتسبا ميزة خارقة وهي إعادة خلق
الواقع، إذ يخيل للمشاهد أنه تنقل عبر الزمن، فبعد أن يتابع مقطع فيديو
نشره أحد الثوار على فايسبوك تظهر فيه شوارع حماة مكتظة بالسوريين
المطالبين بإسقاط النظام، تطالعه قناة الدنيا بتقرير ومقابلات مع السكان في
الشارع نفسه يتجولون سعداء تحت أشعة الشمس البراقة لا زخات الرصاص المميت.
بات
المشاهد أمام صورتين أو "سوريتين"، سورية النظام وسورية الشعب. ويبقى
الفايسبوك بقعة ضوء وحيدة على حقيقة ما يجري هناك. فالإعلام الرسمي لم يعد
الشاهد الوحيد، سواء أكان شاهد زور أو شاهد حق. ولو كان الفايسبوك موجوداً
من قبل، لما برزت شخصيات دخلت التاريخ العربي من بوابة ترويج أخبار تخدم
السلطة مبنية على تحريف الوقائع وتلفيق انتصارات مزعومة.
المذيع أحمد
سعيد مدير إذاعة صوت العرب المصرية كان يذيع أخبار وبيانات مضللة بشأن حرب
العام 1967 ليوهم الشعب المصري والعربي بانتصارات كاذبة. ومثله وزير
الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف الذي اعتاد على إلقاء خطب الانتصار،
وتحقير العدو الذي "لن تنتصر علوجه على دولة العراق" فيما كانت الحقيقة عكس
ذلك كلياً. ولو كان الفايسبوك موجوداً آنذاك، لما تمكن هؤلاء وغيرهم من
تشويه الحقيقة وحقن الناس بالأكاذيب.
تحول هذه الساحة الاجتماعية
الافتراضية إلى وسيلة إعلامية تنقل نبض الشارع جعل الجمهور مشاركاً فعالاً
لا متلقياً عاجزاً، فمجموعات الانترنت تسعى إلى حشد الناس وتكوين رأي عام
جامع وموحد بعيداً عن الأضاليل والأكاذيب.
على صفحة "مجموعة الثورة السورية" تفترش الحقيقة ساحة الفايسبوك حيث تنشر آخر الأخبار والمتابعات التي تنقل أحداث الثورة السورية.
"دير
الزور تنتفض عن بكرة أبيها.. خروج مظاهرات تطالب بإسقاط النظام.. مظاهرة
حاشدة في حي المفتي بمدينة الحسكة تطالب بالإفراج عن المعتقلين ورحيل
النظام.. توجه قوات من الجيش إلى حزارين والدار الكبيرة والفطيرة وسفوهن
وكفرعويد غرب كفرنبل مع تحليق للطائرات"، كلها أخبار يشارك السوريون بصنعها
وبنشرها لتصل للعالم بعيداً عن كم الأفواه وتحريف الحقيقة.
هدف هذه
المجموعة وغيرها ليس إسقاط النظام فقط، إنما إنشاء مجتمع حر وديموقراطي،
وتكوين رأي عام لخلق استراتيجية للثورة السورية يتشارك السوريون جميعهم
بصنعها وصياغتها وإبداء آرائهم من دون الخوف من الاعتقال والترهيب.
ويطلب
مسؤولو المجموعة من المشاركين ايصال مقاطع الفيديو لأكبر عدد ممكن من
القنوات الاخبارية والمنظمات الحقوقية العالمية وأي شخص بإمكانه إظهارها
للعالم، وقد نشرت عناوين الكثير من هذه الجهات لتحث السوريين على المساعدة
في نقل ما يجري تحت عنوان "دماء الشهداء أمانة في أعناقكم".
"الشباب
الفايسبوكي" يخوض ثورته على الساحة الافتراضية، لكن النتيجة حقيقة وعلى أرض
الواقع. إنهم يشاركون في إيصال الصوت السوري في ظل التعتيم الشديد ورفع
معنويات الثوار ليواجهوا محاولات الإحباط والتضليل.
ولأنها ثورة شعب
سلمية، فعلى أبواب رمضان تدخل الثورة السورية منعطفاً جديداً يجمع بين
الواجب الوطني والإنساني. فعشية شهر الصوم، يتنادى الثوار على صفحات
الفايسبوك لمساعدة أهاليهم المحاصرين في سوريا، وذلك عبر نشر دعوات تحث
السوريين بتقديم المساعدات المالية والعينية لدعم صمودهم في وجه النظام
الذي يمنع دخول أبسط الحاجات الغذائية والطبية إلى قراهم ومدنهم.
أما
الشعارات التي منع السوريون من كتابتها على الجدران والتي عوقب عليها أطفال
بقلع أظافرهم، فوجدت مكانها على حوائط التفاعل الاجتماعي في مجموعات
الفايسبوك. "حلب ما بتركع إلا لله.. يا شهيد ويا مجروح دمك هدر ما بيروح..
الموت ولا المذلة" هتافات مكتوبة إنما صوت مردديها يدوي في الشوارع ضد
الظلم والقتل.
شعارات الثورة تبقى هي صوت الشعب، فالأغنية التي ألفها
ابراهيم قاشوش بعنوان "يللا ارحل يا بشار" واقتلعت حنجرته ثمناً لتردادها
تحولت إلى نشيد تصدح به أصوات الثوار وتكتظ به صفحات الفايسبوك، إلى جانب
أغنية "يا حيف" التي تعبر عن واقع الثورة السورية بصوت سميح شقير، وغيرها
من الأغنيات الوطنية والأهازيج.
مقطع واحد من مشارك على صفحة الثورة
السورية على أحد صفحات الفايسبوك ينقل الواقع السوري اليوم بدقة ووضوح أكثر
من أي قناة عربية أو سورية لأنه "فقط في سوريا"!
فقط في سوريا إذا مات المرء وهو يصرخ طلباً للحرية، فهو إمَّا خائن أو عميل أو مندس، أو في أحسن الأحوال مغرَّر به.
فقط في سوريا الصورة تكذب والدماء تكذب والشعب يكذب ووسائل الإعلام كلها تكذب.. وحده النظام لا يكذب.
فقط في سوريا يُقتل المواطن برصاصة دفع ثمنها، ثم يتم تضليله بإعلام يدفع نفقاته، ثم تتم رشوته بضرائب دفعها من جيبه.
فقط في سوريا لا يشعر الناس بالطمأنينة والأمن إلا بعد اختفاء رجال الأمن.
فايسبوك
الثورة السورية يتحدى كم الأفواه وأبواق النظام ورصاص القنص ليقتنص فرصة
افتراضية للتعبير عن الرأي وخوض المعركة الفعلية من أجل الحرية.
يتوقع مارك زوكربيرج عندما اخترع الفايسبوك كساحة للتواصل الاجتماعي أن
يهدد هذا التواصل عروش أنظمة حكمت العالم العربي بالحديد والنار.
فسحة التواصل هذه أعادت تشكيل ذاتها بوحي من ممارسات القمع والديكتاتورية، فتحولت إلى ساحة نزال مستتر شهدت أولى الخطوات نحو الحرية.
الفايسبوك
احتضن ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، بعد أن أحكمت الدولة
قبضتها على الإعلام الرسمي وشدت الخناق على الإعلام الخاص الذي مُنع من
ممارسة دوره في ايصال الحقيقة.
الساحة الاجتماعية تحولت مهداً لربيع
عربي انضمت إليه سوريا منذ الخامس عشر من شهر آذار، لكن خلافاً عن باقي
الدول، بقيت سوريا أسيرة التعتيم الإعلامي ولم تجد حتى الآن سوى الفايسبوك
متنفساً لها.
سوريا كسرت القيد وأسمعت العالم صوت ثورة الشعب الذي قال
لا للظلم والقهر والاستبداد. هذا ما نعرفه كمشاهدين لمقاطع الفيديو التي
يلتقطها شهود بكاميرات هواتفهم النقالة، وما تنقله مواقع الانترنت ومجموعات
الفايسبوك.
أما أجهزة الإعلام الرسمي، فكأنها في سوريا أخرى. الراديو
خصص الأثير الإذاعي لاستقبال اتصالات كلها على لازمة واحدة "عاشت سوريا
الأسد، هؤلاء المندسين، منحبك، مؤامرات خارجية، سوريا بشار وبس".
قناة
"الدنيا" والتلفزيون السوري الرسمي اكتسبا ميزة خارقة وهي إعادة خلق
الواقع، إذ يخيل للمشاهد أنه تنقل عبر الزمن، فبعد أن يتابع مقطع فيديو
نشره أحد الثوار على فايسبوك تظهر فيه شوارع حماة مكتظة بالسوريين
المطالبين بإسقاط النظام، تطالعه قناة الدنيا بتقرير ومقابلات مع السكان في
الشارع نفسه يتجولون سعداء تحت أشعة الشمس البراقة لا زخات الرصاص المميت.
بات
المشاهد أمام صورتين أو "سوريتين"، سورية النظام وسورية الشعب. ويبقى
الفايسبوك بقعة ضوء وحيدة على حقيقة ما يجري هناك. فالإعلام الرسمي لم يعد
الشاهد الوحيد، سواء أكان شاهد زور أو شاهد حق. ولو كان الفايسبوك موجوداً
من قبل، لما برزت شخصيات دخلت التاريخ العربي من بوابة ترويج أخبار تخدم
السلطة مبنية على تحريف الوقائع وتلفيق انتصارات مزعومة.
المذيع أحمد
سعيد مدير إذاعة صوت العرب المصرية كان يذيع أخبار وبيانات مضللة بشأن حرب
العام 1967 ليوهم الشعب المصري والعربي بانتصارات كاذبة. ومثله وزير
الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف الذي اعتاد على إلقاء خطب الانتصار،
وتحقير العدو الذي "لن تنتصر علوجه على دولة العراق" فيما كانت الحقيقة عكس
ذلك كلياً. ولو كان الفايسبوك موجوداً آنذاك، لما تمكن هؤلاء وغيرهم من
تشويه الحقيقة وحقن الناس بالأكاذيب.
تحول هذه الساحة الاجتماعية
الافتراضية إلى وسيلة إعلامية تنقل نبض الشارع جعل الجمهور مشاركاً فعالاً
لا متلقياً عاجزاً، فمجموعات الانترنت تسعى إلى حشد الناس وتكوين رأي عام
جامع وموحد بعيداً عن الأضاليل والأكاذيب.
على صفحة "مجموعة الثورة السورية" تفترش الحقيقة ساحة الفايسبوك حيث تنشر آخر الأخبار والمتابعات التي تنقل أحداث الثورة السورية.
"دير
الزور تنتفض عن بكرة أبيها.. خروج مظاهرات تطالب بإسقاط النظام.. مظاهرة
حاشدة في حي المفتي بمدينة الحسكة تطالب بالإفراج عن المعتقلين ورحيل
النظام.. توجه قوات من الجيش إلى حزارين والدار الكبيرة والفطيرة وسفوهن
وكفرعويد غرب كفرنبل مع تحليق للطائرات"، كلها أخبار يشارك السوريون بصنعها
وبنشرها لتصل للعالم بعيداً عن كم الأفواه وتحريف الحقيقة.
هدف هذه
المجموعة وغيرها ليس إسقاط النظام فقط، إنما إنشاء مجتمع حر وديموقراطي،
وتكوين رأي عام لخلق استراتيجية للثورة السورية يتشارك السوريون جميعهم
بصنعها وصياغتها وإبداء آرائهم من دون الخوف من الاعتقال والترهيب.
ويطلب
مسؤولو المجموعة من المشاركين ايصال مقاطع الفيديو لأكبر عدد ممكن من
القنوات الاخبارية والمنظمات الحقوقية العالمية وأي شخص بإمكانه إظهارها
للعالم، وقد نشرت عناوين الكثير من هذه الجهات لتحث السوريين على المساعدة
في نقل ما يجري تحت عنوان "دماء الشهداء أمانة في أعناقكم".
"الشباب
الفايسبوكي" يخوض ثورته على الساحة الافتراضية، لكن النتيجة حقيقة وعلى أرض
الواقع. إنهم يشاركون في إيصال الصوت السوري في ظل التعتيم الشديد ورفع
معنويات الثوار ليواجهوا محاولات الإحباط والتضليل.
ولأنها ثورة شعب
سلمية، فعلى أبواب رمضان تدخل الثورة السورية منعطفاً جديداً يجمع بين
الواجب الوطني والإنساني. فعشية شهر الصوم، يتنادى الثوار على صفحات
الفايسبوك لمساعدة أهاليهم المحاصرين في سوريا، وذلك عبر نشر دعوات تحث
السوريين بتقديم المساعدات المالية والعينية لدعم صمودهم في وجه النظام
الذي يمنع دخول أبسط الحاجات الغذائية والطبية إلى قراهم ومدنهم.
أما
الشعارات التي منع السوريون من كتابتها على الجدران والتي عوقب عليها أطفال
بقلع أظافرهم، فوجدت مكانها على حوائط التفاعل الاجتماعي في مجموعات
الفايسبوك. "حلب ما بتركع إلا لله.. يا شهيد ويا مجروح دمك هدر ما بيروح..
الموت ولا المذلة" هتافات مكتوبة إنما صوت مردديها يدوي في الشوارع ضد
الظلم والقتل.
شعارات الثورة تبقى هي صوت الشعب، فالأغنية التي ألفها
ابراهيم قاشوش بعنوان "يللا ارحل يا بشار" واقتلعت حنجرته ثمناً لتردادها
تحولت إلى نشيد تصدح به أصوات الثوار وتكتظ به صفحات الفايسبوك، إلى جانب
أغنية "يا حيف" التي تعبر عن واقع الثورة السورية بصوت سميح شقير، وغيرها
من الأغنيات الوطنية والأهازيج.
مقطع واحد من مشارك على صفحة الثورة
السورية على أحد صفحات الفايسبوك ينقل الواقع السوري اليوم بدقة ووضوح أكثر
من أي قناة عربية أو سورية لأنه "فقط في سوريا"!
فقط في سوريا إذا مات المرء وهو يصرخ طلباً للحرية، فهو إمَّا خائن أو عميل أو مندس، أو في أحسن الأحوال مغرَّر به.
فقط في سوريا الصورة تكذب والدماء تكذب والشعب يكذب ووسائل الإعلام كلها تكذب.. وحده النظام لا يكذب.
فقط في سوريا يُقتل المواطن برصاصة دفع ثمنها، ثم يتم تضليله بإعلام يدفع نفقاته، ثم تتم رشوته بضرائب دفعها من جيبه.
فقط في سوريا لا يشعر الناس بالطمأنينة والأمن إلا بعد اختفاء رجال الأمن.
فايسبوك
الثورة السورية يتحدى كم الأفواه وأبواق النظام ورصاص القنص ليقتنص فرصة
افتراضية للتعبير عن الرأي وخوض المعركة الفعلية من أجل الحرية.