الثورة التي تشهدها سوريا منذ أربعة أشهر ضد نظام
حكم آل الأسد ليست مجرد ثورة ضد نظام مستبد ولكنها أبعد من ذلك؛ لذلك
وجدنا إيران وحليفها المقرب حزب الله يرمون بثقلهم بقوة وراء الأسد
ويدافعون عنه ويكيلون الاتهامات للثوار بالعمالة رغم أنهم وقفوا بجانب
ثورات أخرى بعضها شديد الطائفية مثل البحرين, والجميع يعلم ان نظام الحكم
في البحرين والأوضاع الاقتصادية والسياسية فيه أفضل بكثير من سوريا التي
تعاني من أزمات اقتصادية وحكم بوليسي منذ عشرات السنين يتعرض فيه الشعب
للمراقبة ولا يسمح لأحد أن يوجه كلمة نقد للرئيس وحاشيته وإلا كان مصيره
الاختفاء وليس مجرد السجن, ولكن لأن نظام الأسد النصيري هو شوكة في جنب
حكومات أهل السنة في المنطقة كما هو النظام الإيراني وحليفه حزب الله فهم
يدعمونه للنهاية..



كل ما يقال عن وجود لعناصر من حزب الله أو للحرس الثوري لقمع المتظاهرين
في سوريا والمال والسلاح الذي يقدم من طهران لنظام بشار أقل بكثير مما
سيحدث مع استمرار المظاهرات وانتشارها واقترابها من تحقيق أهدافها فإيران
لن تسمح لحليفها الاول في المنطقة التي تريد السيطرة عليها ويزداد العداء
لها فيها يوما بعد يوم بسبب ممارساتها الطائفية التوسعية, لن تسمح بسقوطه
دون أن تفعل أقصى ما يمكنها لحمايته؛ لذا من المنتظر أن يزداد الدعم
الإيراني بشتى أنواعه للأسد كما من المتوقع أن تحدث مجازر عنيفة ضد
المدنيين السوريين على أيدي المليشيات الشيعية..إيران تعلم أن دول المنطقة
ترتاب في سياستها والتي تسعى من خلالها للسيطرة على الحكم في عدة دول مثل
لبنان والعراق والبحرين وبالتالي فقدانها لحليف مثل الاسد سيؤدي إلى ضعف
موقفها وتحديد قدرتها على المناورة والاختراق للحدود العربية.



كما ان وصول نظام معادي لها في سوريا سيكلفها الكثير وهي لا تنسى ماذا
فعله بها صدام وكيف تمكن من تحجيم طموحاتها لفترة طويلة, في نفس الوقت فإن
حزب الله الذي يعتمد على سوريا كممر للحصول على السلاح والمال من إيران ومن
غيرها, كما يعتمد على النفوذ السوري في لبنان لكي يكتسب قوة غير حقيقية
مكنته من تشكيل الحكومة الجديدة رغم خسارته للانتخابات الاخيرة.



كما مكنته من الاحتفاظ بسلاحه متحديا رغبة الأغلبية, بل وصل به الامر أن
يورط البلاد في حروب مع الكيان الصهيوني دون استعداد حقيقي لها, وهو ما
يجري الآن كنوع من تخفيف الضغط على النظام السوري, حيث شن الحزب, الذي لم
يطلق رصاصة تجاه الكيان الصهيوني منذ سنوات راضيا بأن يقف متفرجا عليه من
خلف صفوف القوات الدولية, الآن يسعى الحزب لاستفزاز الكيان بحجة أنه يريد
سرقة الغاز والنفط اللبناني, والسؤال هل هذه السرقة وليدة اليوم؟ ولماذا في
هذا التوقيت بالتحديد يتم الإعلان عنها مع تصعيد في لهجة التهديد؟ هل
الحزب يخطط لحرب جديدة ضد الكيان يدفع ثمنها المدنيون اللبنانيون كالعادة
وتكون طوق النجاة لنظام الاسد؟..



لقد صعد الغرب من لهجته ضد النظام السوري مؤخرا, مؤكدا على فقدانه
الشرعية وفي هذا إشارة إلى استعداد الغرب للتعامل مع بديل محتمل وان الاسد
لم يعد القادر على حماية مصالح الغرب مع تزايد الاحتجاجات ضده..إن الاسبوع
الماضي الذي خرج فيه أكثر من مليون ونصف المليون سوري إلى الشوارع مطالبين
بإسقاط النظام كان رسالة بالغة الاهمية مفادها بأن الشعب تجاوز الخوف وعقدة
حماة التي كان يراهن عليها النظام وحلفاؤه, فرغم مقتل المئات واعتقال
الآلاف جاء اتساع نطاق الاحتجاجات ليؤكد على أنها لن تتوقف حتى تصل إلى
هدفها المنشود وهو إسقاط النظام.



كما جاء الرفض لجميع "التنازلات" الوهمية التي يقدمها النظام مثل قانون
الاحزاب والإعلام وتغيير بعض المحافظين والعفو عن بعض المعتقلين, ليصب في
نفس الاتجاه..بشار لم يكتف بتقديم "تنازلات" للداخل فقط ولكنه بدأ في
استدرار عطف الخارج مشيرا إلى إمكانية التعاون مع أمريكا في الملف العراقي,
وهي سياسة مفضوحة للنجاة بجرائمه على حساب ما كان يسميه إعلاميا بـ
"المقاومة والممانعة".. سقوط النظام السوري سيكون أكبر معول هدم للمخطط
الشيعي التوسعي في المنطقة الذي يعتمد على عدة عوامل من أهمها وجود حليف
عربي بالاهمية التاريخية والجغرافية والسياسية لسوريا.