السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التغيير من أجل أستقرار سوريا
العنوان أعلاه هو عنوان كتاب للخبير الاقتصادي المصري الدكتور حازم الببلاوي، كتبه منذ سنوات طويلة، لكنه فرض نفسه عندما كنت أفكر في عنوان للأفكار الواردة في هذا المقال، ولم أجد أنسب منه للتعبير عنها بدقة واختصار. وأنا هنا أستميح الدكتور العذر في نقل بعض فقرات من الكتاب بعد قليل، لأنها تلخص بدقة شيئا مما أريد طرحه والإشارة إليه.
ثمة مقولة متداولة في الأوساط الأكاديمية في الغرب تقول إن (الثابت الوحيد في هذه الدنيا هو حقيقةً التغير والتغيير). فالتغيير سنة من سنن الحياة البشرية، لا يمكن من دون وجوده استمرارها، فضلا عن تطور الحياة نفسها. من هنا، فإن الحاجة للتغيير أمر طبيعي جدا ابتداء، بغض النظر عن أي ملابسات سياسية معينة، أو عن أي ظروف دولية طارئة. فكيف إذا كانت الأوضاع كما هي عليه في سوريا اليوم؟
لكن من الضرورة بمكان أن ندرك دلالات مفهومي التغيير والاستقرار بشكلها الشامل. وكما يقول الدكتور الببلاوي: «فالتغيير ليس مناقضا للاستقرار، بل قد يكون من أهم مقوماته. والاستقرار ليس معناه الجمود وعدم التغيير، بل معناه التلاؤم بين الظروف والأوضاع والنظم والقواعد. وكما أن الظروف والأوضاع في تغير مستمر، فكذا ينبغي أن تكون النظم والقواعد. وعدم مسايرتها لتطور هذه الظروف والأوضاع يولد المصادمات والانفجارات، وبالتالي يهدد أساس الاستقرار. فالاستقرار يتطلب توازنا مستمرا بين ظروف الحياة من ناحية والنظم والقواعد من ناحية أخرى، وهو توازن لا يتحقق إلا بمتابعة هذه التطورات وأحيانا الإسراع بها وليس بالوقوف أمامها، وقل إنه توازن متحرك أقرب إلى توازن راكب الدراجة يستمر طالما كان متحركا إلى الأمام، ويختل وقد يسقط من فوق دراجته إذا توقف عن السير».
بشيء من التأمل المنهجي والتفكير، نلمح في هذه الكلمات رؤية استراتيجية كان يجدر بصانع القرار السياسي السوري أن يفهمها. لكن هذا لم يحصل للأسف.
لم يمتلك الفكر السياسي القدرة على فهم ضرورة التلاؤم في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة بين الظروف والأوضاع والنظم والقواعد.
لم ينتبه إلى أن الظروف والأوضاع في تغير مستمر، وأن النظم والقواعد يجب أن تتغير معها بشكل جذري وشامل.
ضاعت الرؤية السياسية بشكل نهائي، فلم تدرك أن عدم مسايرتها لتطور هذه الظروف والأوضاع يولد المصادمات والانفجارات وبالتالي يهدد أساس الاستقرار.
لم تكن هناك أي درجة من المعرفة بضرورة وجود توازن حساس لا يتحقق إلا بمتابعة التطورات، وأحيانا الإسراع بتغيير النظم والقواعد التي تتعامل معها وليس بالوقوف أمام التطورات المذكورة فيما يشبه محاولة لإيقاف التاريخ.
يمثل المذكور أعلاه قمة سوء الفهم للعلاقة بين التغيير والاستقرار، وهو يفسر الوقوع في عقلية الإنكار أولا عندما يتعلق الأمر بحقيقة الثورة السورية، ثم البطء القاتل في التفاعل معها والاستجابة لمطالبها، وفي محاولة استيعابها بشكل إيجابي عميق وجذري من خلال التغيير الكامل للأنظمة والسياسات والقوانين والهياكل والمناهج.
قد يعود الأمر إلى افتقاد الفكر السياسي المتقدم الذي نتحدث عنه على أعلى المستويات، وقد تنتج المشكلة عن وجود مستشارين يحملون فكرا تقليديا حول العلاقة بين التغيير والاستقرار لا يستطيعون الانفكاك منه. وقد يكون السبب في غلبة أصحاب التوجه الأمني المتحجر على صناعة القرار السياسي.
لكن النتيجة في نهاية المطاف واحدة، وتتمثل في ما رأيناه خلال الأشهر الأربعة الماضية ونراه اليوم على أرض الواقع.
هناك أمر آخر يجب الحديث فيه بصراحة وشفافية في هذا المجال، فسوء الفهم المذكور لا يتعلق فقط بالمنظومة السياسية وأهلها، وإنما يمكن أن تقع فيه بعض شرائح الشعب نفسها.
فرغم الشعور العام الطاغي بالحاجة إلى التغيير في كل مجال وعلى كل صعيد عند الغالبية العظمى، فإن هناك فيما يبدو درجة من (التوجس) الخفي عند بعض الشرائح. لهذا، يحرص هؤلاء أحيانا على نوع من الاستقرار، تم الاعتياد عليه، رغم أن فيه من عوامل الاهتراء والخلخلة ما يؤكد بأنه سائر إلى الانفجار إذا ما بقيت الأحوال على ما هي عليه، ورغم أن الاستقرار الذي يفكرون به هو في حقيقته استقرار زائف ومتوهم.
من هنا يأتي حديث الدكتور الببلاوي عن «أن التغيير قد يكون مطلوبا من أجل الاستقرار، وأن عدم التغيير، أو بالأحرى مقاومة متطلبات التغيير، كثيرا ما كانت من أسباب تهديد الاستقرار». ومن هنا تأتي خطورة أن يصبح أحيانا «تدخل الأفراد معرقلا أو معوقا للتغيير، بالإصرار على إبقاء نظم أو مؤسسات لم تعد مناسبة، أو بفرض قواعد وتنظيمات غير مواتية». ومن هنا أخيرا، تأتي حساسية الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه المثقفون وكل من يساهم في تشكيل الرأي العام، حين يدركون طبيعة العلاقة الصحيحة بين التغيير والاستقرار، بحيث يصب نشاطهم وعطاؤهم في الدعوة إلى التغيير بالمعنى الذي نتحدث عنه، وفي اقتراح مداخله وأطره وأساليبه، وفي تهيئة الرأي العام للمطالبة به وقبوله. وهو ما عمل عليه منذ زمن رموز المعارضة السورية، ومارسه منذ أيام جملة من المثقفين والفنانين السوريين حين خرجوا في تظاهرة معبرة تطالب بالتغيير.
بالمقابل، تظهر خطورة الدور السلبي الذي يمكن أن يلعبه صناع الرأي العام، سواء كانوا كتابا أو صحافيين أو علماء دين أو أكاديميين، عندما يرفعون سيوف الإرهاب الفكري والإيديولوجي في وجه التغيير، وفي وجه الدعاة إليه، وفي وجه صناعه. وأمثال هؤلاء لا يمارسون فقط انتحارا ذاتيا بدعوى المحافظة على الاستقرار، وإنما يهددون أهم أسس ومقومات الاستقرار والسلم الاجتماعي والثقافي والأمني والاقتصادي والسياسي على المستوى الاستراتيجي، وهم غارقون في تفكيرهم التكتيكي القصير المدى.
الواضح أن الغالبية العظمى من الشعب السوري سبقت الآخرين في فهم المعادلة الحساسة التي نتحدث عنها حول التغيير والاستقرار، والثورة السورية مصممة على السير في طريقها لتحقيق أهدافها كما يظهر يوما بعد يوم.
وهذا كله إن كان يعني شيئا، فإنما يعني أنه لم يعد هناك مجال اليوم للخوف من التغيير في سورية، أو للنظر إليه على أنه قد يهدد الاستقرار، وهو يعني أن الأوان قد آن لمشاركة الجميع على تحقيقه دون حذر مبالغ فيه، وبعيدا عن الحسابات التقليدية؛ لأنه أصبح المدخل الأكيد وربما الوحيد إلى الاستقرار الحقيقي الذي يبحث عنه الجميع.
التغيير من أجل أستقرار سوريا
العنوان أعلاه هو عنوان كتاب للخبير الاقتصادي المصري الدكتور حازم الببلاوي، كتبه منذ سنوات طويلة، لكنه فرض نفسه عندما كنت أفكر في عنوان للأفكار الواردة في هذا المقال، ولم أجد أنسب منه للتعبير عنها بدقة واختصار. وأنا هنا أستميح الدكتور العذر في نقل بعض فقرات من الكتاب بعد قليل، لأنها تلخص بدقة شيئا مما أريد طرحه والإشارة إليه.
ثمة مقولة متداولة في الأوساط الأكاديمية في الغرب تقول إن (الثابت الوحيد في هذه الدنيا هو حقيقةً التغير والتغيير). فالتغيير سنة من سنن الحياة البشرية، لا يمكن من دون وجوده استمرارها، فضلا عن تطور الحياة نفسها. من هنا، فإن الحاجة للتغيير أمر طبيعي جدا ابتداء، بغض النظر عن أي ملابسات سياسية معينة، أو عن أي ظروف دولية طارئة. فكيف إذا كانت الأوضاع كما هي عليه في سوريا اليوم؟
لكن من الضرورة بمكان أن ندرك دلالات مفهومي التغيير والاستقرار بشكلها الشامل. وكما يقول الدكتور الببلاوي: «فالتغيير ليس مناقضا للاستقرار، بل قد يكون من أهم مقوماته. والاستقرار ليس معناه الجمود وعدم التغيير، بل معناه التلاؤم بين الظروف والأوضاع والنظم والقواعد. وكما أن الظروف والأوضاع في تغير مستمر، فكذا ينبغي أن تكون النظم والقواعد. وعدم مسايرتها لتطور هذه الظروف والأوضاع يولد المصادمات والانفجارات، وبالتالي يهدد أساس الاستقرار. فالاستقرار يتطلب توازنا مستمرا بين ظروف الحياة من ناحية والنظم والقواعد من ناحية أخرى، وهو توازن لا يتحقق إلا بمتابعة هذه التطورات وأحيانا الإسراع بها وليس بالوقوف أمامها، وقل إنه توازن متحرك أقرب إلى توازن راكب الدراجة يستمر طالما كان متحركا إلى الأمام، ويختل وقد يسقط من فوق دراجته إذا توقف عن السير».
بشيء من التأمل المنهجي والتفكير، نلمح في هذه الكلمات رؤية استراتيجية كان يجدر بصانع القرار السياسي السوري أن يفهمها. لكن هذا لم يحصل للأسف.
لم يمتلك الفكر السياسي القدرة على فهم ضرورة التلاؤم في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة بين الظروف والأوضاع والنظم والقواعد.
لم ينتبه إلى أن الظروف والأوضاع في تغير مستمر، وأن النظم والقواعد يجب أن تتغير معها بشكل جذري وشامل.
ضاعت الرؤية السياسية بشكل نهائي، فلم تدرك أن عدم مسايرتها لتطور هذه الظروف والأوضاع يولد المصادمات والانفجارات وبالتالي يهدد أساس الاستقرار.
لم تكن هناك أي درجة من المعرفة بضرورة وجود توازن حساس لا يتحقق إلا بمتابعة التطورات، وأحيانا الإسراع بتغيير النظم والقواعد التي تتعامل معها وليس بالوقوف أمام التطورات المذكورة فيما يشبه محاولة لإيقاف التاريخ.
يمثل المذكور أعلاه قمة سوء الفهم للعلاقة بين التغيير والاستقرار، وهو يفسر الوقوع في عقلية الإنكار أولا عندما يتعلق الأمر بحقيقة الثورة السورية، ثم البطء القاتل في التفاعل معها والاستجابة لمطالبها، وفي محاولة استيعابها بشكل إيجابي عميق وجذري من خلال التغيير الكامل للأنظمة والسياسات والقوانين والهياكل والمناهج.
قد يعود الأمر إلى افتقاد الفكر السياسي المتقدم الذي نتحدث عنه على أعلى المستويات، وقد تنتج المشكلة عن وجود مستشارين يحملون فكرا تقليديا حول العلاقة بين التغيير والاستقرار لا يستطيعون الانفكاك منه. وقد يكون السبب في غلبة أصحاب التوجه الأمني المتحجر على صناعة القرار السياسي.
لكن النتيجة في نهاية المطاف واحدة، وتتمثل في ما رأيناه خلال الأشهر الأربعة الماضية ونراه اليوم على أرض الواقع.
هناك أمر آخر يجب الحديث فيه بصراحة وشفافية في هذا المجال، فسوء الفهم المذكور لا يتعلق فقط بالمنظومة السياسية وأهلها، وإنما يمكن أن تقع فيه بعض شرائح الشعب نفسها.
فرغم الشعور العام الطاغي بالحاجة إلى التغيير في كل مجال وعلى كل صعيد عند الغالبية العظمى، فإن هناك فيما يبدو درجة من (التوجس) الخفي عند بعض الشرائح. لهذا، يحرص هؤلاء أحيانا على نوع من الاستقرار، تم الاعتياد عليه، رغم أن فيه من عوامل الاهتراء والخلخلة ما يؤكد بأنه سائر إلى الانفجار إذا ما بقيت الأحوال على ما هي عليه، ورغم أن الاستقرار الذي يفكرون به هو في حقيقته استقرار زائف ومتوهم.
من هنا يأتي حديث الدكتور الببلاوي عن «أن التغيير قد يكون مطلوبا من أجل الاستقرار، وأن عدم التغيير، أو بالأحرى مقاومة متطلبات التغيير، كثيرا ما كانت من أسباب تهديد الاستقرار». ومن هنا تأتي خطورة أن يصبح أحيانا «تدخل الأفراد معرقلا أو معوقا للتغيير، بالإصرار على إبقاء نظم أو مؤسسات لم تعد مناسبة، أو بفرض قواعد وتنظيمات غير مواتية». ومن هنا أخيرا، تأتي حساسية الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه المثقفون وكل من يساهم في تشكيل الرأي العام، حين يدركون طبيعة العلاقة الصحيحة بين التغيير والاستقرار، بحيث يصب نشاطهم وعطاؤهم في الدعوة إلى التغيير بالمعنى الذي نتحدث عنه، وفي اقتراح مداخله وأطره وأساليبه، وفي تهيئة الرأي العام للمطالبة به وقبوله. وهو ما عمل عليه منذ زمن رموز المعارضة السورية، ومارسه منذ أيام جملة من المثقفين والفنانين السوريين حين خرجوا في تظاهرة معبرة تطالب بالتغيير.
بالمقابل، تظهر خطورة الدور السلبي الذي يمكن أن يلعبه صناع الرأي العام، سواء كانوا كتابا أو صحافيين أو علماء دين أو أكاديميين، عندما يرفعون سيوف الإرهاب الفكري والإيديولوجي في وجه التغيير، وفي وجه الدعاة إليه، وفي وجه صناعه. وأمثال هؤلاء لا يمارسون فقط انتحارا ذاتيا بدعوى المحافظة على الاستقرار، وإنما يهددون أهم أسس ومقومات الاستقرار والسلم الاجتماعي والثقافي والأمني والاقتصادي والسياسي على المستوى الاستراتيجي، وهم غارقون في تفكيرهم التكتيكي القصير المدى.
الواضح أن الغالبية العظمى من الشعب السوري سبقت الآخرين في فهم المعادلة الحساسة التي نتحدث عنها حول التغيير والاستقرار، والثورة السورية مصممة على السير في طريقها لتحقيق أهدافها كما يظهر يوما بعد يوم.
وهذا كله إن كان يعني شيئا، فإنما يعني أنه لم يعد هناك مجال اليوم للخوف من التغيير في سورية، أو للنظر إليه على أنه قد يهدد الاستقرار، وهو يعني أن الأوان قد آن لمشاركة الجميع على تحقيقه دون حذر مبالغ فيه، وبعيدا عن الحسابات التقليدية؛ لأنه أصبح المدخل الأكيد وربما الوحيد إلى الاستقرار الحقيقي الذي يبحث عنه الجميع.
عدل سابقا من قبل fares.jawad في الأربعاء يوليو 27, 2011 11:30 pm عدل 1 مرات