رمضان: هِبَةُ الله للثورة
مجاهد مأمون ديرانية
النظام الحاكم في سوريا يملك كل أسباب القوة، يملك أجهزةَ أمن لا يوجد مثلها في بلد في الدنيا، ويملك من المجرمين -من عناصر تلك الأجهزة ومن عصابات القتل وكتائب العدوان- ما لا يَعُدّه العادّون، ويملك المال والسلاح والعلاقات والاتصالات والتحالفات، ويملك مع ذلك كله جرأةً على الإجرام لا حدود لها واستهانةً بكل الأعراف والأخلاق والقوانين التي تواضع عليها الناس.
في وجه هذا النظام الآثم المجرم قامت ثُلّةٌ من الأحرار الأخيار ترجو ما بدا لأكثر الناس تفاؤلاً ضرباً من ضروب المستحيل: قامت لإسقاط النظام وإخراج سوريا من عصر الاستبداد واستعباد العباد إلى عصر الكرامة وحرية العباد. قامت هذه الثلة وليس في أيدي أبطالها شيء سوى أغصان الزيتون، فسُرعان ما كافأها الله الذي اعتمدت عليه، لم تعتمد على سواه، كافأها بأن وهبها سلاحاً لا قِبَلَ للنظام به ولا قدرةَ له على حربه... وهبها يوم الجمعة!
قبل عشر ساعات -من اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمات- أتمَّت ثورة الحرية في سوريا أسبوعَها التاسع عشر ودخلت في الأسبوع العشرين. لقد كسبت تسعةَ عشرَ يوماً من أيام الجمعة المباركة، تسعَ عشرةَ محطةً من محطات الثورة، تسع عشرة درجة قفزت الثورة عليها من درجة إلى أخرى، فكم قطعت في هذه القفزات؟ قطعت مسافةً يعجز عن تصوّر مداها الخيال!
بدأت الثورة يوم الثلاثاء الخامس عشر من آذار بمئة وخمسين من الأحرار والحرائر ساروا في مظاهرة بوسط دمشق، أولئك صاروا جزءاً من الأسطورة لأنهم بدؤوا كل شيء! بعدهم بثلاثة أيام، يوم الجمعة الثامن عشر من آذار، خرج بضعة آلاف من المتظاهرين في درعا وبانياس وحمص وحلب ودمشق، لقد تضاعف حجم الانتفاضة عشرين مرة أو ثلاثين... شكراً ليوم الجمعة.
وما زالت جموعُ الثائرين في ازدياد جمعةً بعد جمعة، فما أمسى علينا مساء جمعة أحفاد خالد إلا وقد صاروا مليوناً ونصف مليون في أقل تقدير. لقد خرج أولَ ما خرج في هذه الثورة مئةٌ وخمسون، فصار اليومَ كلُّ ثائر منهم عشرةَ آلاف ثائر... لقد تضاعفت الثورةُ عشرةَ آلاف ضعف في تسعة عشر أسبوعاً، في تسع عشرة جمعة من الجمعات المباركات. شكراً لك يا ربَّنا على أن وهبتنا يوم الجمعة!
لكن الله أكرم من ذلك، لم يَهَبْنا يوم الجمعة فحسب، بل مَنَّ علينا الآن برمضان. ها قد صنعنا بك ما صنعنا -يا أيها النظام- وبلغنا من العدد ما بلغنا في تسعَ عشرةَ جمعة، فماذا تظننا نصنع بك في ثلاثين يوماً من رمضان، كلُّ يومٍ منها يومُ جمعة أو يزيد؟ أحسب أنك كنت تتنازل عن نصف ملكك -يا نظام الإجرام- لمن يخلّصك من يوم الجمعة، وما أراك إلا مستعداً للتنازل عن نصفه الآخر خلاصاً من رمضان!
فإنا نُطَمئنك: ها قد أتى رمضان، وإنّا قد عزمنا على أن نخلّصك من النصفين جميعاً؛ إنّا إلى النصر سائرون بإذن الله وأنت إلى حتفك تسير، فلن يَهِلّ علينا هلال العيد بإذن الله إلا وقد صرنا الآسرين وأنت الأسير.
شكراً لك يا ربَّنا على أن وهبتنا رمضان.