الجرائم السبع الكبرى
في عرف النظام السوري
مجاهد مأمون ديرانية
الناس كلهم في كل مكان في الدنيا يتفقون على تعريف واضح للجرائم التي يعاقب عليها القانون، كالاعتداء على الحياة بالقتل أو على الأملاك والأموال بالسرقة، إلى غير ذلك مما يعرفه عامة الناس وخاصتهم ولا يحتاج إلى بيان.
لكن سوريا ليست كأي مكان والنظام السوري ليس كأي نظام، إنه النظام الفريد الذي لا يوجد له مثيل على ظهر الكوكب، لذلك لم يكن من اللائق أن يستنسخ قوانينَ الأمم، بل استثمر عبقريتَه الفذة في اختراع قائمة خاصة، هي النسخةُ الأسديّة البعثية من قوائم الجرائم. وإليكم الجرائم السبع الكبرى التي تتضمنها هذه القائمة (مرتبةً من الأدنى إلى الأعلى):
(7) أقل الجرائم شأناً هي انتماؤك إلى مدينة تسبب إزعاجاً للنظام. هذه الجريمة كافية لاعتقالك في المطار بمجرد وصولك إلى البلاد وسحلك إلى السجن لتُمضي فيه بعض الوقت تكفيراً عن انتمائك المشبوه، أو لملاحقتك واعتقالك من المسكن الطلابي في الجامعة التي تدرس فيها إذا كنت تدرس في جامعة بعيدة عن منطقتك (هذا ما حصل مع طلاب إدلب في جامعة حلب ومع طلاب درعا في جامعة دمشق)، ولا يُستبعَد أن تُفصَل من الكلية أو تعتقل طوال موسم الامتحانات، لأنك موبوء بحكم الانتماء ولا تستحق الدراسة ولا النجاح.
(6) الانسحاب من حزب الدولة المقدَّس، حزب البعث العظيم! لو تبرأت من أسرتك وعشيرتك فلا مشكلةَ في الأمر، ولو تنكرت لسوريّتك وعروبتك فأنت حر، حتى لو ارتددتَ عن دينك فلن يعبأ بك أحد، أما الحزب الأقدس فإن الانسحاب منه جريمة تستحق أقسى العقوبات، ولا سيما إذا كان انسحابك على الملأ أو عن طريق الفضائيات، والعقوبةُ المنطقية -في عرف النظام السوري- لهذه الجريمة المنكَرة هي التنكيل والتشهير (كما حصل مع المنسحبين من داعل والرستن)، أو التعذيب حتى الموت (كما حصل مع بطل تلكلخ رحمه الله).
(5) خياطة الأعلام السورية وحملها. من الجرائم الكبيرة في سوريا أن يحمل السوريُّ علمَ بلاده! يمكنه -إن شاء- أن يحمله باليد اليسرى إذا حمل باليمنى صورةَ الرئيس، فيكون العلم وصيفاً لثالث الثالوث الأعظم (الله، سوريا، فخامته)! أما حمل العلم منفرداً فإنها جريمة قد ترقى إلى مرتبة الخيانة، وهي تستحق الاعتقال والسحل والتعذيب، وربما القتل. في خربة غزالة اعتقلت المخابرات الخيّاط البطل أنس الشرع بتهمة ارتكاب جريمة من العيار الثقيل، لقد خاط علماً سورياً طويلاً! وفي حماة أطلق عناصر النظام النار على الشاب البطل محمد الأسطة واعتقلوه، ويقول أصحابه العارفون إن جريمته هي أنه اقترح على أهل حماة رسم علم بشري بأجسامهم، وقد نفّذوا هذه “الجريمة” في ساحة العاصي في جمعة أحفاد خالد قبل بضعة أيام.
(4) من الجرائم البشعة التي يرتكبها كثير من المجرمين في سوريا أن يكون الواحد منهم أخاً أو أباً لمجرم مطلوب للعدالة. “المجرم” المطلوب قد يكون ارتكب أياً من الجرائم التي تُعدّدها هذه المقالة، ولا سيما الجريمة رقم (1) التي ستأتي بعد قليل، ولأنه “مجرم شرير” فمن واجب أجهزة الأمن أن تقبض عليه لحماية البلاد من إجرامه ودفع خطره عن المواطنين الآمنين، فإذا فشلت في العثور عليه فإن كل أقاربه يصبحون مجرمين بالضرورة، الأقرب فالأقرب، وعقوبة هذه الجريمة الفظيعة (أبوّة أو أخوّة مجرم هارب) تتفاوت بين السجن والإعدام. إن لم تصدقوني فاسألوا جدران سجن تدمر تُنْبئكم كم فتىً وشيخاً أمضوا فيه العشر من السنين والعشرين جزاءً لارتكابهم هذه الجريمة البشعة، أو اسألوا صحراء تدمر كم انطوى رملُها على جثث وعظام لمجرمين من هذا النوع.
(3) إسعاف الجرحى في سوريا جريمة من العيار الثقيل، ولا سيما إذا قام بها الأطباء والممرضون. هؤلاء المغفلون يظنون أنهم درسوا الطب والتمريض لإسعاف الجرحى، لذلك تراهم يبذلون جهدهم في علاج المصابين من “المجرمين” الذين يزعجون النظام فيطلق عليهم الرصاص للتخلص من إزعاجهم، وبدلاً من أن يمارس أولئك “المجرمون” من الأطباء دورهم الوطني في الإجهاز على “المجرمين” من الجرحى فإنهم يحاولون إسعافهم! وهذه بحد ذاتها جريمة من الجرائم الثلاث الكبرى في سوريا، ومن يرتكبها يستحق الاعتقال والتعذيب وتكسير الأيدي والأرجل، وربما القتل جزاء على جريمته النكراء. هل سمعتم بالدكتور موفق الرفاعي (برزة) والدكتور عدنان حجازي (التل) والدكتور حازم الجندلي (حمص)، والدكتور تيسير الزعبي، ابن درعا الذي يضيق عن سرد مآثره وبطولاته المجلدُ الكبير، فكّ الله أسره وردّه إلى أولاده وأهله سالماً معافى… وغيرهم عشرات من المسعفين والأطباء الوطنيين الصادقين المجاهدين بطبّهم وبأنفسهم؟ إن لم تسمعوا بهم فابحثوا عنهم وقبلوا رؤوسهم يا أيها الثائرون الأحرار.
(2) تصوير المظاهرات هي ثانية أكبر الجرائم في سوريا. هؤلاء “المجرمون” المصوّرون يعمدون إلى شرذمة من الناس لا هَمَّ لهم إلا إغاظة النظام وتكدير صفوه، فيصورون جرائمهم (مظاهراتهم وهتافاتهم) ويرسلون المصوَّرات إلى الشبكات والفضائيات! هذه الجريمة الفظيعة لا تسامُحَ فيها ولا شفاعةَ معها، وكل من ارتكبها فمصيره التنكيل والتعذيب، وصولاً إلى القتل. وما أكثرَ ما دفع الواحدُ من أولئك “المجرمين الخطرين” حياته ثمناً لصورة… أما سمعتم ببطل تلبيسة الشهيد أحمد ضَحّيك، وغيره من الشهداء الأبرار الذين سقطوا في درعا وحمص وسواهما من مناطق سوريا ثمناً لصورة، وآخرهم شهيد النبك البطل خالد بشلح رحمه الله؟
(1) والآن إلى الجريمة الكبرى التي تتصدّر كل الجرائم، إلى الجريمة التي فَشَتْ في سوريا مؤخراً حتى صارت هي الجريمة الأكثر شيوعاً ومقارَفَةً من المجرمين. ألم تعرفوها؟ إنها جريمة “طلب الحرية”، وهي التي صارت تزعج الأجهزة الأمنية في سوريا أكثر من أي جريمة أخرى. ألا ترونهم وقد صارت لازِمتُهم التي يفتتحون بها كل لقاء يجمعهم بأحرار البلاد: “بِدَّكْ حرية ولا”؟! تحس أن قائلهم يقولها -إذا قالها- وكأنه يلقي على المتهم أكبرَ التهم وأعظمَها في الوجود! حرية؟ تريد حرية؟ يا لطف الرحمن الرحيم، الناس يريدون الحرية! أيَّ جناية جَنَوا وأيَّ كبيرة يرتكبون! يريدون الحرية؟ إذن فليُقتَلوا جزاءً لهم على ارتكاب هذه الجريمة الفظيعة، فليُؤسروا، فليُعذَّبوا، فلتُقلَع أظافرهم، فلتُكوى أبدانُهم، فلْتُقطَع…! فلتُقتحم مدنهم وقراهم، فلتُقصف بيوتهم وتُهدم على رؤوسهم، لقد ارتكبوا الجريمة الكبرى: أرادوا الحرية!
هذه هي -يا سادة- قائمة الجرائم السبع الكبرى في سوريا. أعرفتم الآن لماذا ثار أهل سوريا أخيراً، وقرروا أن لا يعودوا إلى بيوتهم حتى يسقط النظام، ولو سقط منهم ألف شهيد أو مئة ألف شهيد؟ لقد عشنا هذه الحياة البائسة، حياة العبيد، أربعة عقود، ولو عشتموها يا أحرار الدنيا أربع سنين لما باليتم أن تضحّوا -لتتخلصوا منها- بمليون شهيد!
في عرف النظام السوري
مجاهد مأمون ديرانية
الناس كلهم في كل مكان في الدنيا يتفقون على تعريف واضح للجرائم التي يعاقب عليها القانون، كالاعتداء على الحياة بالقتل أو على الأملاك والأموال بالسرقة، إلى غير ذلك مما يعرفه عامة الناس وخاصتهم ولا يحتاج إلى بيان.
لكن سوريا ليست كأي مكان والنظام السوري ليس كأي نظام، إنه النظام الفريد الذي لا يوجد له مثيل على ظهر الكوكب، لذلك لم يكن من اللائق أن يستنسخ قوانينَ الأمم، بل استثمر عبقريتَه الفذة في اختراع قائمة خاصة، هي النسخةُ الأسديّة البعثية من قوائم الجرائم. وإليكم الجرائم السبع الكبرى التي تتضمنها هذه القائمة (مرتبةً من الأدنى إلى الأعلى):
(7) أقل الجرائم شأناً هي انتماؤك إلى مدينة تسبب إزعاجاً للنظام. هذه الجريمة كافية لاعتقالك في المطار بمجرد وصولك إلى البلاد وسحلك إلى السجن لتُمضي فيه بعض الوقت تكفيراً عن انتمائك المشبوه، أو لملاحقتك واعتقالك من المسكن الطلابي في الجامعة التي تدرس فيها إذا كنت تدرس في جامعة بعيدة عن منطقتك (هذا ما حصل مع طلاب إدلب في جامعة حلب ومع طلاب درعا في جامعة دمشق)، ولا يُستبعَد أن تُفصَل من الكلية أو تعتقل طوال موسم الامتحانات، لأنك موبوء بحكم الانتماء ولا تستحق الدراسة ولا النجاح.
(6) الانسحاب من حزب الدولة المقدَّس، حزب البعث العظيم! لو تبرأت من أسرتك وعشيرتك فلا مشكلةَ في الأمر، ولو تنكرت لسوريّتك وعروبتك فأنت حر، حتى لو ارتددتَ عن دينك فلن يعبأ بك أحد، أما الحزب الأقدس فإن الانسحاب منه جريمة تستحق أقسى العقوبات، ولا سيما إذا كان انسحابك على الملأ أو عن طريق الفضائيات، والعقوبةُ المنطقية -في عرف النظام السوري- لهذه الجريمة المنكَرة هي التنكيل والتشهير (كما حصل مع المنسحبين من داعل والرستن)، أو التعذيب حتى الموت (كما حصل مع بطل تلكلخ رحمه الله).
(5) خياطة الأعلام السورية وحملها. من الجرائم الكبيرة في سوريا أن يحمل السوريُّ علمَ بلاده! يمكنه -إن شاء- أن يحمله باليد اليسرى إذا حمل باليمنى صورةَ الرئيس، فيكون العلم وصيفاً لثالث الثالوث الأعظم (الله، سوريا، فخامته)! أما حمل العلم منفرداً فإنها جريمة قد ترقى إلى مرتبة الخيانة، وهي تستحق الاعتقال والسحل والتعذيب، وربما القتل. في خربة غزالة اعتقلت المخابرات الخيّاط البطل أنس الشرع بتهمة ارتكاب جريمة من العيار الثقيل، لقد خاط علماً سورياً طويلاً! وفي حماة أطلق عناصر النظام النار على الشاب البطل محمد الأسطة واعتقلوه، ويقول أصحابه العارفون إن جريمته هي أنه اقترح على أهل حماة رسم علم بشري بأجسامهم، وقد نفّذوا هذه “الجريمة” في ساحة العاصي في جمعة أحفاد خالد قبل بضعة أيام.
(4) من الجرائم البشعة التي يرتكبها كثير من المجرمين في سوريا أن يكون الواحد منهم أخاً أو أباً لمجرم مطلوب للعدالة. “المجرم” المطلوب قد يكون ارتكب أياً من الجرائم التي تُعدّدها هذه المقالة، ولا سيما الجريمة رقم (1) التي ستأتي بعد قليل، ولأنه “مجرم شرير” فمن واجب أجهزة الأمن أن تقبض عليه لحماية البلاد من إجرامه ودفع خطره عن المواطنين الآمنين، فإذا فشلت في العثور عليه فإن كل أقاربه يصبحون مجرمين بالضرورة، الأقرب فالأقرب، وعقوبة هذه الجريمة الفظيعة (أبوّة أو أخوّة مجرم هارب) تتفاوت بين السجن والإعدام. إن لم تصدقوني فاسألوا جدران سجن تدمر تُنْبئكم كم فتىً وشيخاً أمضوا فيه العشر من السنين والعشرين جزاءً لارتكابهم هذه الجريمة البشعة، أو اسألوا صحراء تدمر كم انطوى رملُها على جثث وعظام لمجرمين من هذا النوع.
(3) إسعاف الجرحى في سوريا جريمة من العيار الثقيل، ولا سيما إذا قام بها الأطباء والممرضون. هؤلاء المغفلون يظنون أنهم درسوا الطب والتمريض لإسعاف الجرحى، لذلك تراهم يبذلون جهدهم في علاج المصابين من “المجرمين” الذين يزعجون النظام فيطلق عليهم الرصاص للتخلص من إزعاجهم، وبدلاً من أن يمارس أولئك “المجرمون” من الأطباء دورهم الوطني في الإجهاز على “المجرمين” من الجرحى فإنهم يحاولون إسعافهم! وهذه بحد ذاتها جريمة من الجرائم الثلاث الكبرى في سوريا، ومن يرتكبها يستحق الاعتقال والتعذيب وتكسير الأيدي والأرجل، وربما القتل جزاء على جريمته النكراء. هل سمعتم بالدكتور موفق الرفاعي (برزة) والدكتور عدنان حجازي (التل) والدكتور حازم الجندلي (حمص)، والدكتور تيسير الزعبي، ابن درعا الذي يضيق عن سرد مآثره وبطولاته المجلدُ الكبير، فكّ الله أسره وردّه إلى أولاده وأهله سالماً معافى… وغيرهم عشرات من المسعفين والأطباء الوطنيين الصادقين المجاهدين بطبّهم وبأنفسهم؟ إن لم تسمعوا بهم فابحثوا عنهم وقبلوا رؤوسهم يا أيها الثائرون الأحرار.
(2) تصوير المظاهرات هي ثانية أكبر الجرائم في سوريا. هؤلاء “المجرمون” المصوّرون يعمدون إلى شرذمة من الناس لا هَمَّ لهم إلا إغاظة النظام وتكدير صفوه، فيصورون جرائمهم (مظاهراتهم وهتافاتهم) ويرسلون المصوَّرات إلى الشبكات والفضائيات! هذه الجريمة الفظيعة لا تسامُحَ فيها ولا شفاعةَ معها، وكل من ارتكبها فمصيره التنكيل والتعذيب، وصولاً إلى القتل. وما أكثرَ ما دفع الواحدُ من أولئك “المجرمين الخطرين” حياته ثمناً لصورة… أما سمعتم ببطل تلبيسة الشهيد أحمد ضَحّيك، وغيره من الشهداء الأبرار الذين سقطوا في درعا وحمص وسواهما من مناطق سوريا ثمناً لصورة، وآخرهم شهيد النبك البطل خالد بشلح رحمه الله؟
(1) والآن إلى الجريمة الكبرى التي تتصدّر كل الجرائم، إلى الجريمة التي فَشَتْ في سوريا مؤخراً حتى صارت هي الجريمة الأكثر شيوعاً ومقارَفَةً من المجرمين. ألم تعرفوها؟ إنها جريمة “طلب الحرية”، وهي التي صارت تزعج الأجهزة الأمنية في سوريا أكثر من أي جريمة أخرى. ألا ترونهم وقد صارت لازِمتُهم التي يفتتحون بها كل لقاء يجمعهم بأحرار البلاد: “بِدَّكْ حرية ولا”؟! تحس أن قائلهم يقولها -إذا قالها- وكأنه يلقي على المتهم أكبرَ التهم وأعظمَها في الوجود! حرية؟ تريد حرية؟ يا لطف الرحمن الرحيم، الناس يريدون الحرية! أيَّ جناية جَنَوا وأيَّ كبيرة يرتكبون! يريدون الحرية؟ إذن فليُقتَلوا جزاءً لهم على ارتكاب هذه الجريمة الفظيعة، فليُؤسروا، فليُعذَّبوا، فلتُقلَع أظافرهم، فلتُكوى أبدانُهم، فلْتُقطَع…! فلتُقتحم مدنهم وقراهم، فلتُقصف بيوتهم وتُهدم على رؤوسهم، لقد ارتكبوا الجريمة الكبرى: أرادوا الحرية!
هذه هي -يا سادة- قائمة الجرائم السبع الكبرى في سوريا. أعرفتم الآن لماذا ثار أهل سوريا أخيراً، وقرروا أن لا يعودوا إلى بيوتهم حتى يسقط النظام، ولو سقط منهم ألف شهيد أو مئة ألف شهيد؟ لقد عشنا هذه الحياة البائسة، حياة العبيد، أربعة عقود، ولو عشتموها يا أحرار الدنيا أربع سنين لما باليتم أن تضحّوا -لتتخلصوا منها- بمليون شهيد!