منذ بداية الحركة الاحتجاجية في سورية، عملت الديبلوماسية التركية على أكثر من جبهة، وإذا كانت الدعوة إلى الاصلاح العنوان الأساسي في مقاربة الأتراك للأزمة التي دخلت شهرها الرابع، فإن أنقرة تحاول احتضان بعض أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج على قاعدة تسوية الخلافات مع النظام.
ثمة عوامل متشابكة تتحكم في مسار المقاربة التركية للأزمة في سورية، فإلى جانب الحدود الطويلة المشتركة بين البلدين التي تصل الى 800 كلم، تتخوف انقرة من إثارة ملف أكراد سورية ومن لجوء حزب العمال الكردستاني الى عمليات داخل تركيا في حال تفاقم الوضع الأمني. ولعل الأهم في هواجس البيت التركي احتمال تعميم النموذج العراقي في سورية إذا سقط النظام، بكل ما يتضمنه من سيناريوات الفوضى والتقسيم. الى ذلك، فإن الحديث عن إقامة جدار أمني عازل أثار شهية المحللين حول الأهداف التركية من هذه الخطوة، ورغم التحولات التدريجية الطارئة على الموقف التركي لا تزال الدعوة الى الاصلاح هي الأقوى، وخصوصاً أن السياسية الخارجية لـ «حزب العدالة والتنمية» تفضل التعامل مع المأزق عبر استراتيجية «الديبلوماسية الناعمة» وتصفير الخلافات مع دول الجوار.
العلاقة بين البلدين تتعرض في هذه المرحلة الحرجة لتجارب مفصلية. في البداية لم يتقبل النظام السوري الدعوات التركية المتكررة إلى تسريع وتيرة الإصلاح، وإلى جانب ذلك أبدت دمشق امتعاضها من استضافة تركيا لمؤتمري المعارضة، الأول الذي عقده «الاخوان المسلمون» في أنقرة والثاني الذي جمع بعض المعارضين في انطاليا. بعض المعنيين في العلاقات التركية - السورية رأى أن أنقرة تسير وفق خطين، فمن جهة تبقي شعرة معاوية مع النظام وتشدد على الاصلاح، ومن جهة اخرى يبدو أنها تؤدي دور الوسيط بين رأس السلطة والمعارضة كاحتياط لأي تحول مفاجئ. ورغم ذلك تتبنى القيادة التركية معادلة أنها ليست ضد أي نظام ولا مع أي نظام، بل هي دائماً مع الشعوب وترى أنه بدل أن يُفرض التغيير من الخارج فليحصل من الداخل، مؤكدةً أنها لا تخشى تغيير النظام في سورية إذا تمّ.
أمّا عن السيناريوات المرتقبة في ظل انسداد الأفق وتدحرج الحركة الاحتجاجية، أشارت دراسة جديدة نشرها «المركز العربي للأبحاث» في قطر إلى عدد من الاحتمالات، الأول أن عامل الوقت سيكون العنصر الأساسي في المعادلة، وقد يستغلّه الرئيس بشار الأسد لسحق الاحتجاجات معتمداً على «الخيار الإيراني» في التعامل معها على أمل أن يفرض سياسة الأمر الواقع على الجميع داخلياً وخارجياً. وسيضع هذا الخيار تركيا في موقف حرج جداً. أمّا إذا رفض الأسد الأخذ بالنصيحة التركية وفشل في الوقت نفسه في قمع الاحتجاجات فإن ذلك سيعرضه لضغوطٍ داخلية وخارجية أشد. وسيكون الموقف التركي حينها منسجماً مع هذه الضغوط، واستخدام النظام السوري أوراقه في هذه الحال لتفجير المنطقة من لبنان إلى العراق ربما لا ينفعه بالضّرورة بل قد ينقلب عليه ويسرّع من آلية التخلّص منه. وفي ضوء هذه السيناريوات، برزت تلميحات إلى أن الأتراك دعوا دمشق الى مبدأ المناصفة بين السنّة والأقليات بمن فيهم العلويون في مجلس النواب، مع ارضاء حركة «الاخوان المسلمين» وتحميل ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري مسؤولية عمليات القمع وعرقلة الإصلاحات والتجاوب مع مطالب المحتجين، وبذلك يمكن إبراز بشار الأسد من جديد على أنه رجل اصلاح تعرض لضغط من الجهاز الذي يدير الحكم عنه وحال دون تنفيذ وعوده، أي ماهر الأسد ورجاله.
تركيا في المأزق السوري أمام احتمالات صعبة وخيارات أصعب، ورغم أن البعض توقع من الأتراك مزيداً من الضغط على القيادة السورية، فيما رأى آخرون أن تزايد الضغط التركي سيواكب تطورات الحركة الاحتجاجية وتصاعد لهجة المجتمع الدولي، تفضل أنقرة حتى اللحظة الاعتماد على «الاستراتيجية الناعمة» أو الذكية وتحاول بناء الجسور على أكثر من جبهة لاحتواء أي تحول قد يفضي الى سقوط النظام أو حتى تعديله.
المقاربة التركية للأزمة السورية، ملف حملته «الراي» إلى كل من الأكاديمي والكاتب السياسي الدكتور سامي نادر والخبير في الشؤون التركية ميشال نوفل:
سياسة استيعاب الأزمات
أكد نادر أن تركيا تعمل على مقاربة الأزمة السورية بهدوء، وليس هناك أي ازدواجية في التعامل مع هذا الملف، مشيراً إلى أن القراءة بين السطور تفضي الى كل الاحتمالات ومن بينها الخيار العسكري. وشدد على سعي «حزب العدالة والتنمية» الى تعميم تجربته في العالم العربي، بعدما حدد أبرز ركائزه ومن بينها تصفير الخلافات والتنمية الاقتصادية. ولفت الى أن إيران تعمل على اقناع النظام السوري بتجربتها في قمع «الثورة الخضراء» التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
• رأى البعض أن الموقف التركي حيال الأزمة السورية يتسم بالازدواجية. ما رأيك؟
- ليس هناك ازدواجية، بل ان أنقرة تسعى الى معالجة الأزمة السورية بهدوء، وفي الوقت نفسه يبدي الأتراك الكثير من الحزم حيال تعامل النظام مع الحركة الاحتجاجية، وسبق لهم دعوة الرئيس بشار الأسد الى البدء بعلمية الاصلاحية قبل اندلاع الثورة. الازدواجية في الموقف التركي اتضحت أكثر في ليبيا، اذ كانوا في البداية ضد تدخل الناتو حتى أصبحوا معه، وقالوا في السابق أنهم لا يريدون ضرب نظام القذافي، أما اليوم فقد قطعوا علاقاتهم مع ليبيا. مقاربة الاتراك للأزمة السورية تحددها معايير مختلفة، وموقفهم كان واضحاً منذ البداية، وسبق أن طالب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان السوريين بالانفتاح على مجموعات أبعدت من السلطة ودعا الى الاصلاح، لكن الحذر الذي يبديه الاتراك يتعلق بالارتدادات السورية على الساحة التركية، لذا ثمة هدوء في التعامل مع الملف السوري، خلافاً للحليف الايراني. ومن المهم الأخذ في الاعتبار أن الأتراك حتى اللحظة يراهنون على الحل السياسي ولكنهم في المقابل لا يستبعدون السيناريوات الأخرى.
• الأتراك دعوا مراراً الرئيس الأسد الى تسريع وتيرة الاصلاح ووقف العنف. لماذا لم تطلق أنقرة مبادرة عملية لاحتواء الأزمة السورية؟
- الأتراك حاولوا مراراً احتواء الأزمة السورية، وهذه المسألة تكشفها تصريحات القيادة التركية، فهم قالوا انهم لا يريدون حماه ثانية، وطالبوا بإجراء اصلاح عملي، حتى إنهم لم يستبعدوا الخيار العسكري، ورأوا ان النظام السوري يعمل على تقطيع الوقت، كل هذه المواقف تؤكد تصاعد اللهجة التركية في مقاربة الأحداث في سورية، ولكن أنقرة كما أشرت تتعامل مع الملف بهدوء، ويمكن أن تذهب الى أقصى الحدود في حال تفجر الوضع الأمني في شكل درامي في سورية. الموقف الفرنسي قبل بداية الحركة الاحتجاجية في سورية سعى الى الانفتاح على النظام، ولكن في المرحلة الراهنة حدث تحول جذري وخصوصاً بعد فشل الرهان الفرنسي على فك ارتباط دمشق مع طهران، ما يعني أن الفرنسيين عادوا الى مدرسة جاك شيراك في التعامل مع سورية، وربما قد تتجه انقرة الى السير على خطى الموقف الفرنسي وخصوصاً إذا تدهورت الأوضاع الأمنية.
• ما أبرز العوامل التي تحدد الموقف التركي من الأزمة السورية؟ ومما يخشى الأتراك في حال تدهور الوضع السوري؟
- الأتراك لديهم نموذج يريدون تعميمه قائم على ثلاث ركائز أساسية: الديموقراطية المنفتحة، التنمية الاقتصادية، وتصفير الخلافات مع دول الجوار عبر التفاوض السلمي الديموقراطي. هذه الثلاثية هي سر نجاح الاتراك وهم يحملون هذا المثلث لخدمة سياستهم الخارجية. الجواب التقليدي يقول ان الاتراك حذرون من أي خضة أمنية تؤدي الى إثارة المشكلة الكردية، ولا أعتقد انهم يتخوفون من الملف الكردي، على العكس فقد دخلوا في شراكة اقتصادية مهمة في اقليم كردستان. سياسة الاتراك الخارجية تخولهم استيعاب كل الازمات عبر المثلث الذي أشرت اليه، وهم يسعون الى تعميمه في العالم العربي والقوقاز.
• يرى البعض أن الموقف التركي حيال الأزمة السورية يتحرك ببطء شديد، ومن جهة أخرى ثمة مخاوف تركية من تدهور الأوضاع في سورية. ما رأيك؟
- تركيا مستعدة للتدخل العسكري، وسبق للرئيس التركي أن أكد أن كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع النظام السوري، وفي المقابل لا يمكن تركيا السير بمعزل عن موقف المجتمع الدولي، وتحديداً إذا تفاقم العنف واستمر النظام في قمع المظاهرات. في نهاية المطاف تركيا في حلف الناتو وهي شريك أساسي فيه.
•يعتمد النظام السوري على قمع الحركة الاحتجاجية أو كما يسميه البعض الخيار الايراني وفي المقابل يتجاهل النصائح التركية. هل ترى ان الخيار الايراني أثبت فاعليته؟
- حتى الآن الخيار الإيراني هو الثابت الوحيد بدليل ارتفاع عدد القتلى، والملاحظ أن الايرانيين يعملون على اقناع النظام بتجربتهم في قمع «الثورة الخضراء» التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية الايرانية، ويؤكدون للسوريين انهم نجحوا في قمعها، وعلى هذا الأساس تسعى سورية الى الاعتماد على هذا الخيار، ولا تتجاوب مع دعوة الاتراك لاجراء اصلاحات عملية. الى ذلك، ايران قلقة من الحضور التركي في المنطقة، وهذا القلق يعود الى الصراع التاريخي بين الدولتين، وأقصد الصراع بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، وهو يتمظهر اليوم بأسلوب مختلف واتضح في أحداث «اسطول الحرية»، فتركيا التي قادت هذا الأسطول استطاعت كسب الرأي العام الدولي، وأكدت ان سياسة الصواريخ التي تعتمد عليها ايران لم تقنع الرأي العام، ولكن ذلك لا يؤشر الى صراع مباشر باعتبار أن أنقرة تحدد آليات نفوذها في المنطقة بالاعتماد على البعد الاقتصادي والديموقراطية، في حين أن ايران تبني علاقاتها مع محيطها على قاعدة تصدير الثورة والفكر الايديولوجي الديني.
•ما السيناريوات التي قد يلجأ اليها الاتراك في حال انسداد أفق التسوية في الملف السوري؟
- تتموضع تركيا ضمن خطين متوازيين، خط الديبلوماسية وخط مجلس الأمن، ويجب الا ننسى ان الأتراك في الحلف الأطلسي، وقالوا انهم منفتحون على كل الاحتمالات ومن بينها الخيار العسكري.
الهدوء والتوازن
شدد نوفل على أن أنقرة لن تتخلى عن «استراتيجيتها الناعمة» في معالجة الأزمة السورية، لافتاً الى وجود عاملين يحددان موقف الاتراك هما الهدوء والتوازن. وأشار الى أن القيادة التركية تسعى الى التأقلم مع الأحداث الجارية في سورية وتطور علاقاتها مع المعارضة للحفاظ على المستقبل.
• ما المعادلة التي تحكم الموقف التركي حيال الأزمة السورية منذ بداية الحركة الاحتجاجية؟
- قبل مقاربة الموقف التركي من الأزمة السورية الراهنة، لا بد من التطرق الى الاطار الاستراتيجي الذي يحكم العلاقة بين البلدين، وفي طليعته البعد الأمني الذي أدى الى توقيع اتفاق أضنا وما تلاه من تطبيع تدريجي تبلور بزيارة الرئيس بشار الأسد لانقرة، وهي أول زيارة على هذا المستوى منذ أكثر من أربعين عاماً. أنقرة تنظر الى سورية من موقع بوابة العبور الى العالم العربي، ومع الأزمة السورية التي بدأت وتوسع حركة الاحتجاجات، حاولت تركيا وفي شكل أساسي عبر رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان دفع الرئيس الاسد في اتجاه تسريع عجلة الاصلاحات لتفادي الاضطراب في الداخل. الجانب التركي يقول ان القيادة السورية درست هذا الموضوع، ولكن الوعود لم تترجم عملياً رغم المحادثات الطويلة بين الأسد والرئيس التركي الذي طرح فكرة المساعدة عبر الاستفادة من التجربة التركية، القائمة على التعددية الحزبية والتحول الديموقراطي. مقاربة الاتراك للأزمة السورية تميزت بعاملين: الهدوء والتوازن وهذا ما نلحظه في العلاقة الوسطية التي يتعامل فيها الاتراك مع المعارضة السورية العلمانية منها والاسلامية، وقد تجلى ذلك في احتضان الاتراك لمؤتمر «الاخوان المسلمين» في أنقرة الذي أثار احتجاجات غير رسمية عكستها الصحافة السورية. العلاقة بين النظام السوري وتركيا محكومة بشعرة معاوية من دون أن يعني ذلك حدوث قطيعة، فالقيادة التركية في هذا المجال لا يمكن أن تخون مبادئها القائمة على الديموقراطية و«الديبلوماسية الناعمة»، ومن هنا يتحضر الاتراك لكل السيناريوات سواء إذا استمر النظام السوري او تبدل، ولهذا تسعى تركيا الى الانفتاح على المعارضة السورية بكل أطيافها. وفي رأيي ان الديبلوماسية التركية اجتازت الاختبار الأصعب في الأزمة السورية، فقد ابقت علاقتها بالنظام من دون أن تتخلى عن الحركة الشعبية.
• في حال تدهورت الأوضاع في سورية على المستوى الأمني، هل يمكن أنقرة الانتقال من «الديبلوماسية الناعمة» الى موقف أكثر صلابة وخصوصاً انها في حلف الناتو؟
- الاعتماد على «الديبلوماسية الناعمة» من ثوابت السياسة الخارجية التركية، وليس من الوارد أبداً وقوف تركيا الى جانب الخيار العسكري ضد سورية، وقد تلمسنا هذا الارباك في مقاربة أنقرة للملف الليبي، فقد حاولت أن تتميز عن موقف الحلف الاطلسي حتى اعلنت قطع علاقاتها مع النظام الليبي. بالنسبة الى سورية سيبقي الاتراك موقفهم أي أنهم لن يتخلوا عن خيارهم السلمي عبر الدعوة الى الاصلاح، لأن أي تطور امني دراماتيكي سينعكس على أمن المنطقة وامن تركيا وخصوصاً أن المنطقة الحدودية الممتدة بين البلدين تصل الى 800 كلم، وبسبب هذا العامل أقام الأتراك منطقة أمنية عازلة على طول الحدود. لم يكن الهدف من ذلك التدخل العسكري وإنما حماية الأمن في تركيا، وخوف انقرة من قيام حزب العمال الكردستاني بعمليات في الداخل كما كان الوضع قبل اتفاق اضنا. الى ذلك يتخوف الأتراك من تكرار التجربة العراقية في سورية، وهذه المسألة إذا حصلت سيكون لها ارتدادات، وبالتالي فإن حصول الاكراد على دولة مستقلة في اطار عراق مفكك يمكن أن يؤدي الى إثارة النزعة الاستقلالية لأكراد سورية وتركيا وهذا ما تخشاه أنقرة.
• كيف تقارب الموقف التركي من المعارضة السورية تحديداً بعد مؤتمر انطاليا؟
- يحاول الاتراك التأقلم مع التطورات الجارية في العالم العربي منذ انطلاق الحركات الاحتجاجية. على المستوى العملي لم يكونوا مجهزين لهذا التحول، رغم أن أحمد داود اوغلو توقع عملية تحول كبيرة في العالم العربي. الديبلوماسية التركية تطور علاقاتها مع المعارضة السورية لأنها تحاول الحفاظ على المستقبل إذا تغير الوضع، مع العلم بأن الاتراك نصحوا الرئيس الأسد بمحاورة المعارضة وارضاء الاكثرية السنية.
• ثمة وجهة نظر تقول ان «حزب العدالة والتنمية» يسعى إلى الترويج لـ «الاخوان المسلمين» عبر اشراكهم في السلطة، والمعروف أن الاخوان أجروا مراجعة نقدية العام 2004 تحت عنوان النظام المدني. الى أي مدى تحاول القيادة التركية تعميم تجربتها في سورية عبر الترويج لحركات إسلامية معتدلة تؤمن بالعملية السياسية؟
- علاقة انقرة مع حركة الاخوان في سورية لا تخرج عن الرؤية التركية لمسألة دعم التعددية السياسية، باعتبار الاخوان أحد المكونات الأساسية للمعارضة السورية، لكن هذا لا يعني ان انقرة تدعم الحكم الديني، وسبق للقيادة التركية ان حذرت الاخوان المسلمين في مصر ابان الثورة من عواقب تبني الدولة الدينية، وعلى هذا فإن نموذج الدولة المدنية في سورية أو مصر يتوافق مع النموذج العلماني التركي، وهذا التوجه ينطبق على علاقة «حزب العدالة والتنمية» بتجربة التحول الديموقراطي، فقد أجروا نوعاً من التوأمة بين العلمانية والإسلام ونجحوا في ذلك. الاتراك يعلمون بأن الحركات الإسلامية التي تؤمن بالعملية السياسية تحتاج الى مزيد من مراجعة مبادئها، وهم يشجعون الحركات الاسلامية المعتدلة على التماهي مع تجربتهم، مع الحفاظ على خط التوازن والاستقرار على صعيد التعامل مع بقية أطياف المعارضة في سورية.
ثمة عوامل متشابكة تتحكم في مسار المقاربة التركية للأزمة في سورية، فإلى جانب الحدود الطويلة المشتركة بين البلدين التي تصل الى 800 كلم، تتخوف انقرة من إثارة ملف أكراد سورية ومن لجوء حزب العمال الكردستاني الى عمليات داخل تركيا في حال تفاقم الوضع الأمني. ولعل الأهم في هواجس البيت التركي احتمال تعميم النموذج العراقي في سورية إذا سقط النظام، بكل ما يتضمنه من سيناريوات الفوضى والتقسيم. الى ذلك، فإن الحديث عن إقامة جدار أمني عازل أثار شهية المحللين حول الأهداف التركية من هذه الخطوة، ورغم التحولات التدريجية الطارئة على الموقف التركي لا تزال الدعوة الى الاصلاح هي الأقوى، وخصوصاً أن السياسية الخارجية لـ «حزب العدالة والتنمية» تفضل التعامل مع المأزق عبر استراتيجية «الديبلوماسية الناعمة» وتصفير الخلافات مع دول الجوار.
العلاقة بين البلدين تتعرض في هذه المرحلة الحرجة لتجارب مفصلية. في البداية لم يتقبل النظام السوري الدعوات التركية المتكررة إلى تسريع وتيرة الإصلاح، وإلى جانب ذلك أبدت دمشق امتعاضها من استضافة تركيا لمؤتمري المعارضة، الأول الذي عقده «الاخوان المسلمون» في أنقرة والثاني الذي جمع بعض المعارضين في انطاليا. بعض المعنيين في العلاقات التركية - السورية رأى أن أنقرة تسير وفق خطين، فمن جهة تبقي شعرة معاوية مع النظام وتشدد على الاصلاح، ومن جهة اخرى يبدو أنها تؤدي دور الوسيط بين رأس السلطة والمعارضة كاحتياط لأي تحول مفاجئ. ورغم ذلك تتبنى القيادة التركية معادلة أنها ليست ضد أي نظام ولا مع أي نظام، بل هي دائماً مع الشعوب وترى أنه بدل أن يُفرض التغيير من الخارج فليحصل من الداخل، مؤكدةً أنها لا تخشى تغيير النظام في سورية إذا تمّ.
أمّا عن السيناريوات المرتقبة في ظل انسداد الأفق وتدحرج الحركة الاحتجاجية، أشارت دراسة جديدة نشرها «المركز العربي للأبحاث» في قطر إلى عدد من الاحتمالات، الأول أن عامل الوقت سيكون العنصر الأساسي في المعادلة، وقد يستغلّه الرئيس بشار الأسد لسحق الاحتجاجات معتمداً على «الخيار الإيراني» في التعامل معها على أمل أن يفرض سياسة الأمر الواقع على الجميع داخلياً وخارجياً. وسيضع هذا الخيار تركيا في موقف حرج جداً. أمّا إذا رفض الأسد الأخذ بالنصيحة التركية وفشل في الوقت نفسه في قمع الاحتجاجات فإن ذلك سيعرضه لضغوطٍ داخلية وخارجية أشد. وسيكون الموقف التركي حينها منسجماً مع هذه الضغوط، واستخدام النظام السوري أوراقه في هذه الحال لتفجير المنطقة من لبنان إلى العراق ربما لا ينفعه بالضّرورة بل قد ينقلب عليه ويسرّع من آلية التخلّص منه. وفي ضوء هذه السيناريوات، برزت تلميحات إلى أن الأتراك دعوا دمشق الى مبدأ المناصفة بين السنّة والأقليات بمن فيهم العلويون في مجلس النواب، مع ارضاء حركة «الاخوان المسلمين» وتحميل ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري مسؤولية عمليات القمع وعرقلة الإصلاحات والتجاوب مع مطالب المحتجين، وبذلك يمكن إبراز بشار الأسد من جديد على أنه رجل اصلاح تعرض لضغط من الجهاز الذي يدير الحكم عنه وحال دون تنفيذ وعوده، أي ماهر الأسد ورجاله.
تركيا في المأزق السوري أمام احتمالات صعبة وخيارات أصعب، ورغم أن البعض توقع من الأتراك مزيداً من الضغط على القيادة السورية، فيما رأى آخرون أن تزايد الضغط التركي سيواكب تطورات الحركة الاحتجاجية وتصاعد لهجة المجتمع الدولي، تفضل أنقرة حتى اللحظة الاعتماد على «الاستراتيجية الناعمة» أو الذكية وتحاول بناء الجسور على أكثر من جبهة لاحتواء أي تحول قد يفضي الى سقوط النظام أو حتى تعديله.
المقاربة التركية للأزمة السورية، ملف حملته «الراي» إلى كل من الأكاديمي والكاتب السياسي الدكتور سامي نادر والخبير في الشؤون التركية ميشال نوفل:
سياسة استيعاب الأزمات
أكد نادر أن تركيا تعمل على مقاربة الأزمة السورية بهدوء، وليس هناك أي ازدواجية في التعامل مع هذا الملف، مشيراً إلى أن القراءة بين السطور تفضي الى كل الاحتمالات ومن بينها الخيار العسكري. وشدد على سعي «حزب العدالة والتنمية» الى تعميم تجربته في العالم العربي، بعدما حدد أبرز ركائزه ومن بينها تصفير الخلافات والتنمية الاقتصادية. ولفت الى أن إيران تعمل على اقناع النظام السوري بتجربتها في قمع «الثورة الخضراء» التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
• رأى البعض أن الموقف التركي حيال الأزمة السورية يتسم بالازدواجية. ما رأيك؟
- ليس هناك ازدواجية، بل ان أنقرة تسعى الى معالجة الأزمة السورية بهدوء، وفي الوقت نفسه يبدي الأتراك الكثير من الحزم حيال تعامل النظام مع الحركة الاحتجاجية، وسبق لهم دعوة الرئيس بشار الأسد الى البدء بعلمية الاصلاحية قبل اندلاع الثورة. الازدواجية في الموقف التركي اتضحت أكثر في ليبيا، اذ كانوا في البداية ضد تدخل الناتو حتى أصبحوا معه، وقالوا في السابق أنهم لا يريدون ضرب نظام القذافي، أما اليوم فقد قطعوا علاقاتهم مع ليبيا. مقاربة الاتراك للأزمة السورية تحددها معايير مختلفة، وموقفهم كان واضحاً منذ البداية، وسبق أن طالب رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان السوريين بالانفتاح على مجموعات أبعدت من السلطة ودعا الى الاصلاح، لكن الحذر الذي يبديه الاتراك يتعلق بالارتدادات السورية على الساحة التركية، لذا ثمة هدوء في التعامل مع الملف السوري، خلافاً للحليف الايراني. ومن المهم الأخذ في الاعتبار أن الأتراك حتى اللحظة يراهنون على الحل السياسي ولكنهم في المقابل لا يستبعدون السيناريوات الأخرى.
• الأتراك دعوا مراراً الرئيس الأسد الى تسريع وتيرة الاصلاح ووقف العنف. لماذا لم تطلق أنقرة مبادرة عملية لاحتواء الأزمة السورية؟
- الأتراك حاولوا مراراً احتواء الأزمة السورية، وهذه المسألة تكشفها تصريحات القيادة التركية، فهم قالوا انهم لا يريدون حماه ثانية، وطالبوا بإجراء اصلاح عملي، حتى إنهم لم يستبعدوا الخيار العسكري، ورأوا ان النظام السوري يعمل على تقطيع الوقت، كل هذه المواقف تؤكد تصاعد اللهجة التركية في مقاربة الأحداث في سورية، ولكن أنقرة كما أشرت تتعامل مع الملف بهدوء، ويمكن أن تذهب الى أقصى الحدود في حال تفجر الوضع الأمني في شكل درامي في سورية. الموقف الفرنسي قبل بداية الحركة الاحتجاجية في سورية سعى الى الانفتاح على النظام، ولكن في المرحلة الراهنة حدث تحول جذري وخصوصاً بعد فشل الرهان الفرنسي على فك ارتباط دمشق مع طهران، ما يعني أن الفرنسيين عادوا الى مدرسة جاك شيراك في التعامل مع سورية، وربما قد تتجه انقرة الى السير على خطى الموقف الفرنسي وخصوصاً إذا تدهورت الأوضاع الأمنية.
• ما أبرز العوامل التي تحدد الموقف التركي من الأزمة السورية؟ ومما يخشى الأتراك في حال تدهور الوضع السوري؟
- الأتراك لديهم نموذج يريدون تعميمه قائم على ثلاث ركائز أساسية: الديموقراطية المنفتحة، التنمية الاقتصادية، وتصفير الخلافات مع دول الجوار عبر التفاوض السلمي الديموقراطي. هذه الثلاثية هي سر نجاح الاتراك وهم يحملون هذا المثلث لخدمة سياستهم الخارجية. الجواب التقليدي يقول ان الاتراك حذرون من أي خضة أمنية تؤدي الى إثارة المشكلة الكردية، ولا أعتقد انهم يتخوفون من الملف الكردي، على العكس فقد دخلوا في شراكة اقتصادية مهمة في اقليم كردستان. سياسة الاتراك الخارجية تخولهم استيعاب كل الازمات عبر المثلث الذي أشرت اليه، وهم يسعون الى تعميمه في العالم العربي والقوقاز.
• يرى البعض أن الموقف التركي حيال الأزمة السورية يتحرك ببطء شديد، ومن جهة أخرى ثمة مخاوف تركية من تدهور الأوضاع في سورية. ما رأيك؟
- تركيا مستعدة للتدخل العسكري، وسبق للرئيس التركي أن أكد أن كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع النظام السوري، وفي المقابل لا يمكن تركيا السير بمعزل عن موقف المجتمع الدولي، وتحديداً إذا تفاقم العنف واستمر النظام في قمع المظاهرات. في نهاية المطاف تركيا في حلف الناتو وهي شريك أساسي فيه.
•يعتمد النظام السوري على قمع الحركة الاحتجاجية أو كما يسميه البعض الخيار الايراني وفي المقابل يتجاهل النصائح التركية. هل ترى ان الخيار الايراني أثبت فاعليته؟
- حتى الآن الخيار الإيراني هو الثابت الوحيد بدليل ارتفاع عدد القتلى، والملاحظ أن الايرانيين يعملون على اقناع النظام بتجربتهم في قمع «الثورة الخضراء» التي اندلعت عقب الانتخابات الرئاسية الايرانية، ويؤكدون للسوريين انهم نجحوا في قمعها، وعلى هذا الأساس تسعى سورية الى الاعتماد على هذا الخيار، ولا تتجاوب مع دعوة الاتراك لاجراء اصلاحات عملية. الى ذلك، ايران قلقة من الحضور التركي في المنطقة، وهذا القلق يعود الى الصراع التاريخي بين الدولتين، وأقصد الصراع بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، وهو يتمظهر اليوم بأسلوب مختلف واتضح في أحداث «اسطول الحرية»، فتركيا التي قادت هذا الأسطول استطاعت كسب الرأي العام الدولي، وأكدت ان سياسة الصواريخ التي تعتمد عليها ايران لم تقنع الرأي العام، ولكن ذلك لا يؤشر الى صراع مباشر باعتبار أن أنقرة تحدد آليات نفوذها في المنطقة بالاعتماد على البعد الاقتصادي والديموقراطية، في حين أن ايران تبني علاقاتها مع محيطها على قاعدة تصدير الثورة والفكر الايديولوجي الديني.
•ما السيناريوات التي قد يلجأ اليها الاتراك في حال انسداد أفق التسوية في الملف السوري؟
- تتموضع تركيا ضمن خطين متوازيين، خط الديبلوماسية وخط مجلس الأمن، ويجب الا ننسى ان الأتراك في الحلف الأطلسي، وقالوا انهم منفتحون على كل الاحتمالات ومن بينها الخيار العسكري.
الهدوء والتوازن
شدد نوفل على أن أنقرة لن تتخلى عن «استراتيجيتها الناعمة» في معالجة الأزمة السورية، لافتاً الى وجود عاملين يحددان موقف الاتراك هما الهدوء والتوازن. وأشار الى أن القيادة التركية تسعى الى التأقلم مع الأحداث الجارية في سورية وتطور علاقاتها مع المعارضة للحفاظ على المستقبل.
• ما المعادلة التي تحكم الموقف التركي حيال الأزمة السورية منذ بداية الحركة الاحتجاجية؟
- قبل مقاربة الموقف التركي من الأزمة السورية الراهنة، لا بد من التطرق الى الاطار الاستراتيجي الذي يحكم العلاقة بين البلدين، وفي طليعته البعد الأمني الذي أدى الى توقيع اتفاق أضنا وما تلاه من تطبيع تدريجي تبلور بزيارة الرئيس بشار الأسد لانقرة، وهي أول زيارة على هذا المستوى منذ أكثر من أربعين عاماً. أنقرة تنظر الى سورية من موقع بوابة العبور الى العالم العربي، ومع الأزمة السورية التي بدأت وتوسع حركة الاحتجاجات، حاولت تركيا وفي شكل أساسي عبر رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان دفع الرئيس الاسد في اتجاه تسريع عجلة الاصلاحات لتفادي الاضطراب في الداخل. الجانب التركي يقول ان القيادة السورية درست هذا الموضوع، ولكن الوعود لم تترجم عملياً رغم المحادثات الطويلة بين الأسد والرئيس التركي الذي طرح فكرة المساعدة عبر الاستفادة من التجربة التركية، القائمة على التعددية الحزبية والتحول الديموقراطي. مقاربة الاتراك للأزمة السورية تميزت بعاملين: الهدوء والتوازن وهذا ما نلحظه في العلاقة الوسطية التي يتعامل فيها الاتراك مع المعارضة السورية العلمانية منها والاسلامية، وقد تجلى ذلك في احتضان الاتراك لمؤتمر «الاخوان المسلمين» في أنقرة الذي أثار احتجاجات غير رسمية عكستها الصحافة السورية. العلاقة بين النظام السوري وتركيا محكومة بشعرة معاوية من دون أن يعني ذلك حدوث قطيعة، فالقيادة التركية في هذا المجال لا يمكن أن تخون مبادئها القائمة على الديموقراطية و«الديبلوماسية الناعمة»، ومن هنا يتحضر الاتراك لكل السيناريوات سواء إذا استمر النظام السوري او تبدل، ولهذا تسعى تركيا الى الانفتاح على المعارضة السورية بكل أطيافها. وفي رأيي ان الديبلوماسية التركية اجتازت الاختبار الأصعب في الأزمة السورية، فقد ابقت علاقتها بالنظام من دون أن تتخلى عن الحركة الشعبية.
• في حال تدهورت الأوضاع في سورية على المستوى الأمني، هل يمكن أنقرة الانتقال من «الديبلوماسية الناعمة» الى موقف أكثر صلابة وخصوصاً انها في حلف الناتو؟
- الاعتماد على «الديبلوماسية الناعمة» من ثوابت السياسة الخارجية التركية، وليس من الوارد أبداً وقوف تركيا الى جانب الخيار العسكري ضد سورية، وقد تلمسنا هذا الارباك في مقاربة أنقرة للملف الليبي، فقد حاولت أن تتميز عن موقف الحلف الاطلسي حتى اعلنت قطع علاقاتها مع النظام الليبي. بالنسبة الى سورية سيبقي الاتراك موقفهم أي أنهم لن يتخلوا عن خيارهم السلمي عبر الدعوة الى الاصلاح، لأن أي تطور امني دراماتيكي سينعكس على أمن المنطقة وامن تركيا وخصوصاً أن المنطقة الحدودية الممتدة بين البلدين تصل الى 800 كلم، وبسبب هذا العامل أقام الأتراك منطقة أمنية عازلة على طول الحدود. لم يكن الهدف من ذلك التدخل العسكري وإنما حماية الأمن في تركيا، وخوف انقرة من قيام حزب العمال الكردستاني بعمليات في الداخل كما كان الوضع قبل اتفاق اضنا. الى ذلك يتخوف الأتراك من تكرار التجربة العراقية في سورية، وهذه المسألة إذا حصلت سيكون لها ارتدادات، وبالتالي فإن حصول الاكراد على دولة مستقلة في اطار عراق مفكك يمكن أن يؤدي الى إثارة النزعة الاستقلالية لأكراد سورية وتركيا وهذا ما تخشاه أنقرة.
• كيف تقارب الموقف التركي من المعارضة السورية تحديداً بعد مؤتمر انطاليا؟
- يحاول الاتراك التأقلم مع التطورات الجارية في العالم العربي منذ انطلاق الحركات الاحتجاجية. على المستوى العملي لم يكونوا مجهزين لهذا التحول، رغم أن أحمد داود اوغلو توقع عملية تحول كبيرة في العالم العربي. الديبلوماسية التركية تطور علاقاتها مع المعارضة السورية لأنها تحاول الحفاظ على المستقبل إذا تغير الوضع، مع العلم بأن الاتراك نصحوا الرئيس الأسد بمحاورة المعارضة وارضاء الاكثرية السنية.
• ثمة وجهة نظر تقول ان «حزب العدالة والتنمية» يسعى إلى الترويج لـ «الاخوان المسلمين» عبر اشراكهم في السلطة، والمعروف أن الاخوان أجروا مراجعة نقدية العام 2004 تحت عنوان النظام المدني. الى أي مدى تحاول القيادة التركية تعميم تجربتها في سورية عبر الترويج لحركات إسلامية معتدلة تؤمن بالعملية السياسية؟
- علاقة انقرة مع حركة الاخوان في سورية لا تخرج عن الرؤية التركية لمسألة دعم التعددية السياسية، باعتبار الاخوان أحد المكونات الأساسية للمعارضة السورية، لكن هذا لا يعني ان انقرة تدعم الحكم الديني، وسبق للقيادة التركية ان حذرت الاخوان المسلمين في مصر ابان الثورة من عواقب تبني الدولة الدينية، وعلى هذا فإن نموذج الدولة المدنية في سورية أو مصر يتوافق مع النموذج العلماني التركي، وهذا التوجه ينطبق على علاقة «حزب العدالة والتنمية» بتجربة التحول الديموقراطي، فقد أجروا نوعاً من التوأمة بين العلمانية والإسلام ونجحوا في ذلك. الاتراك يعلمون بأن الحركات الإسلامية التي تؤمن بالعملية السياسية تحتاج الى مزيد من مراجعة مبادئها، وهم يشجعون الحركات الاسلامية المعتدلة على التماهي مع تجربتهم، مع الحفاظ على خط التوازن والاستقرار على صعيد التعامل مع بقية أطياف المعارضة في سورية.