أكد المراقب العام السابق لـ «الاخوان المسلمين» في سورية علي صدر الدين البيانوني أن مشروع «حكومة الظل» لم يكن مدرجا في جدول أعمال «مؤتمر الانقاذ الوطني»، مشيرا الى أن أنقرة «مرشحة» لقيادة العملية الديموقراطية في سورية، نافيا ما يتداوله بعض المراقبين عن اختيار الأتراك لـ «الاخوان المسلمين» كحليف مركزي لهم، مشددا على «أهمية المقاربة القطرية للأزمة السورية»، قائلا ان «الموقف القطري متقدّم على مواقف الحكومات العربية من الثورة الشعبية في سورية».
ورأى أن «الموقف الاميركي تحكمه عوامل عدة من بينها تحفظ اسرائيل عن تغيير النظام»، مؤكدا «حدوث انشقاقات في الجيش السوري في بلدة البوكمال ومحاولة النظام إثارة الفتنة الطائفية عبر تحريض السوريين بغية تحويل الثورة الوطنية حربا أهلية كما يحدث في حمص».
«الراي» اتصلت بالبيانوني بعد مشاركته في «مؤتمر الانقاذ الوطني» في تركيا وأجرت معه الحوار الاتي:

• توقع كثيرون خلال انعقاد مؤتمر المعارضة في اسطنبول خروج المؤتمرين بصيغة حكومة انقاذ وطني. ما الأسباب التي منعت تشكيل «حكومة ظل»؟ وهل يكشف المؤتمر عدم تنسيق بين المعارضة الداخلية والخارجية؟
- إن تشكيل حكومة ظل لم يكن مدرجا على جدول أعمال مؤتمر الإنقاذ الوطني، إنما كان مجرّد فكرة لدى بعض المشاركين لم تلق قبولا لأنها بحسب اعتقاد كثيرين سابقة لأوانها من ناحية، ولأنها تحتاج إلى مشاركة أوسع لكل أطياف المجتمع السوري ومكوناته من ناحية أخرى.
إن التنسيق بين المعارضة الداخلية والخارجية قائم، وكان مقررا أن يتم التواصل بين المؤتمر المنعقد في إسطنبول والمؤتمر الذي كان سينعقد بالتزامن معه في دمشق، لكن منع انعقاد مؤتمر دمشق، ومهاجمة الصالة التي كان سينعقد فيها، وسقوط 15 شهيدا خلال هذا الهجوم ادت إلى تأجيل انعقاد مؤتمر دمشق. ومع ذلك فقد شارك عدد من المعارضين في الداخل في مؤتمر إسطنبول بالصوت والصورة مثل السيدين مشعل التمّو وغسان النجار.
• انتقد البعض الحضور الكثيف لـ «الاخوان المسلمين» في المؤتمر. ما رأيك؟
- لا أعتقد أن حضور «الإخوان المسلمين» في المؤتمر كان كثيفا، وأظنه لم يتجاوز نسبة 15 في المئة من المشاركين. ولا يخفى أن «الإخوان المسلمين» خارج سورية يمثلون من الناحية العددية الثقل الأكبر في المعارضة السورية.
• ما طبيعة علاقة حركة «الاخوان» في سورية مع الاتراك؟
- لا شك أن لتركيا في ظل حكومة «العدالة والتنمية» دورها الإقليمي المتميز، ورغم أنها لم تنجح في الماضي في دفع النظام السوري الى طريق الإصلاح إلا أنها ما زالت مرشحة بفضل علاقاتها الوثيقة مع النظام السوري لأن تؤدي دوراً بنّاءً في خدمة مشروع التغيير الديموقراطي في سورية. علاقة المجتمع السوري بالمجتمع التركي وثيقة، تنطلق من قيم تاريخية وعقيدية وجغرافية، وجماعة الإخوان المسلمين في سورية تقيم علاقات تشاور وتنسيق مع عدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في تركية وفي بقية الدول العربية والإسلامية، ومن بين هذه الأحزاب والمنظمات «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركية.
• ما رأيك في ما يقوله العديد من المراقبين أن أنقرة حسمت خيارها واختارت «الاخوان المسلمين» في سورية حليفا مركزياً لها؟
- أعتقد أن هذا القول ليس دقيقا، الحكومة التركية منفتحة على النظام السوري وعلى القوى السياسية والمجتمعية السورية على السواء، وبالنسبة الى ما يشير إليه البعض عن انعقاد مؤتمرات المعارضة على الأراضي التركية، فإن هذه المؤتمرات لا تتم بتنسيق مع الحكومة التركية، لأن النظام العام والقانون في تركية يسمح بعقد هذه المؤتمرات من دون إذن مسبق.
• ما الشروط التي يمكن أن تجمع حركة «الاخوان المسلمين» مع «حزب العدالة والتنمية»؟ وهل أنتم قادرون على اجراء مراجعة نقدية شاملة على غرار الإسلام التركي؟
- أعتقد أن لجماعة «الإخوان المسلمين» خصوصيتها السورية الناشئة من طبيعة المجتمع السوري المختلفة عن طبيعة المجتمع التركي وخصوصيته التي تميّز حزب «العدالة والتنمية»، وقد قامت جماعة «الإخوان المسلمين» في سورية خلال العقد الماضي بالعديد من المراجعات، وأكدت دائما الأبعاد المستقبلية في رؤيتها ومواقفها. ويمكن تلمّس ذلك من ميثاق الشرف الوطني الذي أصدرته الجماعة في مايو العام 2001، والمشروع السياسي لسورية المستقبل الذي أصدرته في ديسمبر العام 2004، ومع ذلك فإن الجماعة تظل منفتحة على كل التجارب، ومستعدة للاستفادة من كل الخبرات في إطار مصلحة الدولة والمجتمع في سورية. ومن هذا المنطلق نتعاون مع كل القوى التي تشاركنا رؤيتنا وأهدافنا، ونقيم علاقات وثيقة مع معظم القوى الشعبية في المجتمع التركي، بينها حزب «العدالة والتنمية».
• هل ثمة تحفظات سياسية تبديها القيادة التركية تجاه حركة «الاخوان المسلمين»؟
- لا تتدخل القيادة التركية في أمور الجماعة، ولا نناقش أمورها معها، ولم نسمع منها أيّ تحفظات سياسية.
• كيف تقارب الموقف القطري من الأزمة السورية وخصوصا بعد اقفال السفارة القطرية في سورية؟
- لا شك أن الموقف القطري متقدّم على مواقف الحكومات العربية من الثورة الشعبية في سورية، والتي لا تزال في موقع المتفرّج على ما يجري من قمع للتظاهرات السلمية، وقتل للأبرياء، وإذلال للشعب السوري، وانتهاك لحقوقه وحرماته. وفي هذا السياق فإننا نعبّر عن امتناننا وتقديرنا للموقف القطري ولسمو أمير قطر، وندعو بقية الحكومات العربية إلى الانحياز للشعب السوري وثورته السلمية وقضيته العادلة، والوقوف إلى جانبه.
• الموقف الأميركي من الأزمة السورية يبدو متأرجحا. ما تفسيرك لذلك؟ وهل الادارة الاميركية غير قادرة على تحديد موقفها النهائي بسبب غياب البديل وانقسام المعارضة السورية؟
- لا يزال الموقف الأميركي من الثورة السورية يكتفي بإدانات خجولة للقمع الوحشي، ومطالبات لا معنى لها بالإصلاح، وفرض عقوبات رمزية على بعض المسؤولين السوريين ليس لها تأثير فعلي في النظام. أعتقد أن الموقف الأميركي تحكمه عوامل عدة، منها الموقف الإسرائيلي المتحفظ عن تغيير النظام، ومنها أن الولايات المتحدة تبحث عن بديل يحقق مصالحها ويضمن لها ما يضمنه النظام الحالي، رغم ما يبدو من خلافها معه. أعتقد أن مواقف الحكومات في المجتمع الدولي ينبغي أن تنبثق من إرادة الشعوب، والشعوب دائما تسعى إلى السلام والوئام والاستقرار. وقد أثبتت فكرة الاستقرار القائم على أنظمة القمع والاستبداد والفساد إخفاقها، وكانت سبباً في كثير من الكوارث على المستويين المحلّي والدولي. وأعتقد أن هذه الحقيقة هي التي يجب أن تحسم الموقف الدولي المتردّد.
• ما معلوماتك عن الاحداث التي تشهدها بلدة البوكمال؟ وهل صحيح أن هناك انشقاقات في الجيش السوري في البلدة كما حدث في جسر الشغور؟
- لقد كشفت أحداث البوكمال الأخيرة حقيقة ما كان يجري في المدن والبلدات السورية الأخرى. لقد تواردت الأنباء عن انشقاق عدد من الدبابات وطواقمها احتجاجاً على الأوامر بإطلاق النار على المحتجّين، كما جرى من قبل في درعا وبانياس والرستن وتلكلخ وغيرها، اي تظاهرات شعبية سلمية يحاول النظام قمعها بالقوة وبإطلاق النار على المتظاهرين، ثم باقتحام المدينة بالدبابات والعربات المصفحة. وهذا الذي يدفع بعض قوات الجيش إلى الانشقاق حتى لا تشارك في إطلاق النار على المتظاهرين. هذا يؤكد زيف مزاعم النظام عن وجود مندسّين وعصابات مسلحة. إن زجّ قوات الجيش السوري في معركة داخلية ضد الشعب هو خطوة حمقاء يتحمل النظام وحده مسؤوليتها والعواقب التي تنشأ منها.
• حـــمص شهدت أول حادث طائفي مطلع الاسبـــوع بين العلويين والسنّة. كيف تقـــاربون هذا التحــــول؟
- يحاول النظام منذ أيام الانتفاضة الشعبية الأولى إثارة الفتنة الطائفية، ويعمل على تحريض فئات الشعب بعضها على بعض، وتحويل هذه الثورة الوطنية حربا طائفية أهلية. لقد حاول ذلك في بانياس، وفي اللاذقية، وفي حمص، إلاّ أن وعي الشعب والقيمين على هذا الحراك الوطني فوّت عليه هذه الفرصة. ومعلوماتنا أن الذين يحاولون إشعال نار الفتنة الطائفية بين المواطنين هم مجموعات تابعة للنظام وأجهزته الأمنية، تقوم بالاعتداء على هذه الجهة وتلك لإشعال نار الفتنة.
• كيف تقوم «مؤتمر اللقاء التشاوري» برئاسة نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع؟ وهل تلقى «الاخوان المسلمون» دعوة للمشاركة في المؤتمر؟
- دعوات النظام السوري الى الحوار وعقده هذه اللقاءات التشاورية تفقد معناها في ظل إصراره على الحل الأمني، والقمع الوحشي، وإطلاق الرصاص الحيّ على المتظاهرين، ومحاصرة المدن واقتحامها بالدبابات، ما أدى إلى سقوط أكثر من ألفي شهيد، وإصابة الآلاف، واعتقال أكثر من 15 ألفاً. «الإخوان المسلمون» ما زالوا مشمولين بأحكام القانون الرقم 49 للعام 1980، الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء إلى الجماعة، وهم لم يدعوا أصلاً لهذا اللقاء.
• ما قراءتك للخطوة التي قام بها النظام السوري باعترافه بالدولة الفلسطينية؟
- من الواضح أن هذه الخطوة تأتي في سياق توظيف القضية الفلسطينية في خدمة موقف النظام من الأزمة الداخلية. لقد ظلت المتاجرة بالقضية الفلسطينية وبالمقاومة والممانعة العناوين التي يخفي وراءها النظام السوري سياساته الاستبدادية على المستوى الداخلي وسياساته المراوغة على المستوى الخارجي. وهذه الخطوة تعني ضمنا الاعتراف الرسمي بالدولة العبرية، والإقرار بحقها في بقية الأراضي المحتلة، وتأتي كذلك في سياق تصريحات رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد لصحيفة «نيويورك تايمز» في اول أيام الانتفاضة السورية، اذ قال إن لا استقرار في إسرائيل ما لم يكن هناك استقرار في سورية. كل ذلك يمثل رسائل إيجابية لإسرائيل من جانب النظام، بهدف الاستمرار في دعم بقائه في الحكم الذي بدأ يهتزّ تحت وطأة تنامي الثورة الشعبية في سورية.
• ما تفسيرك لزحمة المؤتمرات التي تعقدها المعارضة؟
- إن غياب الحياة السياسية في سورية منذ استيلاء حزب «البعث» على الحكم بالقوة، وتغييب كل القوى الوطنية عن العمل السياسي خلال 5 عقود، ألقى بالمجتمع السوري خارج الحضور السياسي الفاعل. تعتبر هذه المؤتمرات مبادرات سريعة من المجتمع السوري ليعيد تشكّله، وهي كلها تمثل خطوات على طريق تشكيل الهيئة الممثلة الجامعة لكل أبناء المجتمع السوري. أعتقد أن على المعارضة السورية التحرك السريع لإعادة تنظيم نفسها والحوار في ما بينها لبلورة إطار وطنيّ جامع. وأعتقد أن كل هذه المؤتمرات التي انعقدت حتى الآن تصب في هذا الاتجاه. الوضع الوطني الآن أشدّ حاجة إلى هذه الهيئة الجامعة. وأظن أن الوصول إليها بات قريبا بإذن الله.