تحول الأسد إلى حاكم مستبد

الأسد يعيش في عزلة وسط خشية من العدالة السورية أو الدولية

تناول الكاتب الأميركي نيل لوتشري تحول الرئيس السوري بشار الأسد من طبيب عيون هادئ إلى حاكم مستبد في الشرق الأوسط، وقال في مقال نشرته له صحيفة وول ستريت جورنال إن الدكتاتور السوري قتل المئات من المحتجين الثائرين الساعين إلى إسقاط نظامه.

وأشار لوتشري –وهو مدير مركز الدراسات الإسرائيلية في جامعة لندن- إلى أن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد كان اختار ولده الأكبر باسل كي يخلفه في الحكم، ولكن عندما توفي الوريث الذي وقع عليه الاختيار في حادث سيارة في 1994، تم استدعاء بشار إلى دمشق ليتم إعداده للرئاسة على عجل في ظل الاعتلال الصحي الذي كان يواجهه والده.

وعندما تسلم بشار السلطة إثر وفاة والده عام 2000، فإنه دعا إلى إصلاح اقتصادي وسياسي، فأجمع الرأي الغربي على أن الحاكم الجديد لسوريا سيقود البلاد ويأخذ بيدها بعيدا عن الأعراف التقليدية لحزب البعث، وتكون أقرب إلى النهج الغربي العصري.

وسرعان ما وعدت دمشق ببدء احترامها حقوق الإنسان وبالسماح لنوع من المعارضة للحزب الحاكم في البلاد، حتى بدأت الحكومة السورية تخفف من قوة علاقاتها بإيران وتتجه إلى أميركا لبناء علاقات سياسية واقتصادية، في ظل اعتبار الصراع الإسرائيلي السوري حافزا لمثل هذه الإصلاحات.

قلة الإنفاق
ولكن الأسد سرعان ما أدرك أنه لا يمكنه عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل مع الإبقاء على قوته السياسية في المنطقة، فوالده حافظ الأسد كان لعقود يبرر الإنفاق المرتفع على الدفاع في مقابل قلة الإنفاق على مجالات مثل الرعاية الصحية، لأسباب تتعلق بالصراع مع إسرائيل.

وهكذا أنفقت دمشق الكثير من ميزانية الدفاع لشراء ولاءات القوات المسلحة وللتمكن من إبقاء النظام في السلطة، وأما انتفاء العنصر الإسرائيلي من أنه يشكل تهديدا لسوريا فمعناه انتفاء التبريرات اللازمة للإنفاق الزائد على الدفاع.

وكما هو حال والده، فبشار الأسد رغب في عقد أي اتفاقية سلام مع إسرائيل في سيبل الحصول على حزمة من الأسلحة أو المساعدات الاقتصادية، والتي تمكنه من الاستمرار في إطعام جنوده وفي إبقاء نظامه بالسلطة.

لكن الأميركيين رفضوا مساعدة بشار، مما أدى إلى توقف اهتمامه بالسلام مع إسرائيل، لا بل أن الرئيس السوري الشاب بدأ يتجه شرقا حتى وجد الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين مستعدا لبيع كميات ضخمة من السلاح إلى سوريا بكل رضا وسعادة وبأسعار مخفضة في مقابل إتاحة المجال لمزيد من النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط.

وبهذا بدأت الأحوال السورية تسوء على المستويين الاقتصادي والسياسي بشكل كبير، فبدأ الأسد يهاجم إسرائيل بخطاباته ويقوي من علاقاته بالحليفة التقليدية إيران ومع حزب الله اللبناني.


الأسد اليوم
لا بل إن الأسد سرعان ما وجد ضالته في القضية الفلسطينية، فبات يشترط لأي اتفاقية سلام محتملة مع إسرائيل، ضرورة إيجاد حلول للقضية الفلسطينية أولا.

كما أنه بدأ يطور برنامجا نوويا بشكل سري على أمل أن يمتلك قوة موازية لتلك التي تتملكها إسرائيل، فما كان من الأخيرة إلا أن أغارت على المفاعل النووي السوري وحولته إلى دمار.

ولعل كل ما سبق ذكره يبرر تحول الأسد من طبيب عيون هادئ إلى حاكم مستبد، خاصة وأنه شعر بالدهشة لمشاهدته حركة معارضة سورية نشطة وفاعلة وثائرة بلا هوادة، إضافة إلى النزاعات الداخلية ضمن عائلة الأسد نفسها، وذلك من أجل السيطرة على القوى والمفاصل الرئيسية للجيش السوري.

كما أن وعود الأسد بالإصلاحات الاقتصادية تمت معارضتها من أقرب المقربين من حلفاء الأسد على المستوى الداخلي، ولكن كل ذلك لا يفسر التغيير الكبير في تصرفات الأسد، التي أصبحت قاسية جدا ضد أبناء وبنات الشعب السوري الثائر.

وربما الأسد لم يعد يعرف ما الذي يفعله أو ماذا يفعل، فهو بات متشبثا بالسلطة ومنعزلا عن أقرب المقربين من أنصاره ومؤيديه، لا لسبب يذكر، ولكن لأنه لم يعد في اليد من حيلة.

كما أن اللقاء الذي جمع بين فاروق الشرع -نائب الرئيس السوري- وبعض المعتدلين من المعارضة لم يأت أكله، بل إنه كشف عن مدى العزلة التي يعيشها الأسد بعيدا عن الواقع المرير الذي تشهده سوريا والعالم العربي.

وكلما ساءت الأحوال في سوريا –والقول للكاتب- كلما لعن الأسد شقيقه الأكبر ولعن معه السرعة الزائدة في الليلة الضبابية، والتي أدت إلى الحادث الأليم قرب دمشق الذي قضى فيه باسل الأسد.

فلو كان باسل الأسد لا يزال على قيد الحياة، فربما يكون الآن بشار الأسد طبيب عيون هادئا يعيش بسلام، ويقضي أوقاته في مؤتمرات صيفية طبية هادئة.

ولكن وعلى العكس من ذلك، فالأسد اليوم يجد نفسه وحيدا وقد فقد الثقة حتى بأقرب المقربين إليه من ضمن عائلته، وبحيث يبقى منبوذا مرتجفا وهو يحاول أن يتقي شر إجراءات العدالة على المستويين السوري والدولي في ظل القسوة التي استخدمها في محاولة قمع ثورة أبناء وبنات الشعب السوري