من فقه الجهاد (4)
هل للمسلم أن يسترق مسلما ؟ ومن هو المسلم المعصوم ؟
13 / 8 / 2016
أبو ياسر السوري
============
أولا : هل للمسلم أن يسترق مسلما .؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من الوقوف على مقدمات منطقية ، مرتب بعضها على بعض ، وهي التي تقودنا إلى النتيجة القائلة :" بأنه لا يجوز أن يضرب مسلم الرق على مسلم " .
1 - الأسر فرع عن الجهاد المشروع ، ولن يكون الجهاد مشروعا إلا إذا كان في سبيل الله، ولن يكون كذلك إلا إذا كان جهادا ضد الكفار الذين حادُّوا الله ورسوله وكذَّبُوا نبيَّه ولم يمتثلوا لتعاليمه .
2 - وقتال المسلم لا يجوز أن يكون " قتالا في سبيل الله " لأن الله حرم دماء المسلمين فيما بينهم ، وعصم بالإسلام دماءهم وأموالهم وأعراضهم . إلا بحقها ..
3 - وإذا ثبت أن قتال المسلم للسلم معصية كبرى ، إذن لا يترتب عليه ما يترتب على القتال ضد الكافرين من آثار الحرب ، ولا يبنى عليه ما يبنى على القتال المشروع من أحكام ، كجواز القتل والأسر والمنِّ والفداء والاسترقاق ، المترتب على قتال الكافرين امتثالا لأمر الله ..
وينتج عن هذه المقدمات بالضرورة :
" أنه لا يجوز لمسلم أن يحارب المسلمين ولا أن يسفك دماءهم ولا أن يسبي نساءهم ولا ذراريهم". وهذا حكم مجمع عليه لدى الفقهاء ، ومستنداته الشرعية أكثر من أن تحصى :
قال تعالى متوعدا من يسفك دم أخيه المسلم عمداً بأربعة قوارع ، خلوده في النار ، وتعرضه للغضب ، واللعن من الجبار ، وأن عذابا عظيما مُعدّاً له في الانتظار ، قال سبحانه وتعالى : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا*) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِى وَبِمَا جِئْتُ بِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ) ثم قرأ صلى الله عليه وسلم " إنما أنت مذكّر * لست عليهم بمصيطر * " حديث حسن صحيح .
وقوله " إلا بحقها " أي : لا يستباح دم مسلم إلا بحق كالقتل قصاصا ونحوه ، ولا يؤخذ ماله إلا بتغريمه قيمة ما أتلفه ، ولا يستباح عرضه إلا بعقد ونكاح صحيح .
والملاحظ أنه لم يذكر في هذا الحديث " عصمة أعراضهم " اكتفاء ببعض ما يقع عليه العدوان من حقوق البشر في العادة عن سائرها ، فذكر الدماء والأموال وسكت عن الأعراض ، التي أكد على حرمتها فيما بعد في أحاديث أخرى ، أهمها ما قاله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع ، فإنه عليه الصلاة والسلام وقف للناس فقال : أيها الناس أي يوم هذا ؟ وأي شهر هذا ؟ وأي بلد هذا ؟ فعرفهم بأنه يوم جمعة ، وأنه الشهر الحرام ، وأنه البلد الحرام .. ثم أخبرهم بأن دماءهم وأموالهم وأعراضهم حرام عليهم كحرمة يوم هذا في شهرهم هذا في بلدهم هذا .
ثانيا : من هو المسلم المعصوم دمه وماله وعرضه .؟
المسلم : من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فهو يدخل في عداد المسلمين بمجرد النطق بالشهادتين . ولا يجوز للمسلمين بعد نطقه بالشهادتين قتاله ولا قتله ولا يكون ماله غنيمة لهم ، ولا يحل لهم أسره ولا استرقاقه ، ولا سبى نسائه ولا ذراريه ..
وليس لنا أن نزعم أنه نطق بالشهادتين تقية أو خوفا على نفسه وماله وأهله ، فنحن مأمورون أن نحكم على الظاهر ، والله يتولى السرائر . وهذا ما يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق " وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " فهو وحده العالم بالسرائر .
والدليل على هذا أمران واضحان :
والدليل على هذا أمران واضحان :
1 – أنه صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بقبول إسلام المنافقين ، الذين أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، ومع ذلك قبل منهم ظاهرهم ، وكف عنهم . مع أن الله عرفه بهم وبأسمائهم واحدا ، واحدا ، وأعطى سرهم لصاحبه حذيفة بن اليمان . ولم يفضحهم ، ولا أمر بقتلهم . وإنما كان يدفع شرهم بالتي هي أحسن ، ويستغفر لهم ، ولما نزل قوله تعالى " اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ* " قال صلى الله عليه وسلم لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم .. وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على من مات منهم ، حتى نهاه الله تعالى عن الصلاة عليهم بقوله تعالى " وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ* وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ* "
2 – حدَّثَ أُسَامَةُ بْنَ زَيْدٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فقال : بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذلك . فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ؟ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ؟ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ؟ قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْم ) رواه البخاري . وفي رواية أوردها ابن بطال في شرحه للصحيح " فآلى أسامة على نفسه " أي أقسم يمينا " أن لا يقاتل مسلمًا أبدًا ، فلذلك قعد عن عليّ ، رضي الله عنه ، فى الجمل وصفين .
***
***
عدل سابقا من قبل أبو ياسر السوري في الأحد أغسطس 14, 2016 12:53 am عدل 1 مرات