تنظيم داعش وتلاعبهم بقوله تعالى " أو ما ملكت أيمانكم "
ولدي الحبيب ..
طلبت إليَّ الكتابة حول الآية الكريمة ( أو ما ملكت أيمانكم ) التي يستدل بها الدواعش على جواز سبي المسلمات وارتكابهم الزنا بهن تحت غطاء " الوطء بملك اليمين " وجوابي لك سيكون في مقالتين: 
أولاهما : هذه المقالة التي تهدم المرتكزات ، التي بنى عليها الدواعش استحلال فروج المسلمات المحصنات
والثانية : بيان أن الدواعش يتصرفون في هذه القضية على نحو مخالف لروح الشريعة ، ومسيء إلى الإسلام والمسلمين ..
المقالة الثانية
نقض داعش لمعاهدة إلغاء الرق الدولية مخالف لروح الشريعة ووبال على البشرية
22 / 7 / 2016
بقلم : أبو ياسر السوري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - رأينا في المقالة السابقة كيف اتخذ الدواعش من تكفيرهم للمسلمين مبررا لقتالهم، وأسرهم، واسترقاقهم، والتسري بنسائهم . وعلمنا أن تكفيرهم للناس بسبب الحكم بغير ما أنزل الله ، هو مردود عليهم ، لأنهم أخذوا الشعوب بذنب حكامهم ، فالآية وجهت الخطاب إلى حكام المسلمين ، ولم توجه إلى أفرادهم .  وقد رأينا أن الشعوب محكومة ، ومكرهة على قبول الحكم بغير ما أنزل الله . والمكره معذور ، لقوله تعالى : " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " وقوله تعالى : " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " وقوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".  
2 – وحين صار الدواعش إلى تكفير المسلمين والحكم عليهم بالردة ، استحلوا قتالهم وأسرهم وسبي نسائهم وذراريهم . ونظرا لعدم التمكين لهم في الأرض ، اكتفوا بقتل أسراهم من الرجال ، وأبقوا على حياة النساء تحت مسمى جواري وسبايا .. ليمارسوا معهن الوطء بملك اليمين .. وقد صدرت لهم يوتيوبات يتحدثون فيها عن والاتجار بالجواري في سوق النخاسة والعبيد .. وكأنَّ لسان حال الدواعش يقول : إنهم نقضوا معاهدة منع الرق العالمية ، وضربوا بها عرض الحائط . مخالفين في ذلك كل النصوص القرآنية ، التي تأمر بالوفاء بالعهود ، والمحافظة على المواثيق :
قال تعالى " فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم " وقال تعالى " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " وقال تعالى : " وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون " .
3 – إن الإخلال بمعاهدة إلغاء الرق الدولية ، هو ارتكاس أخلاقي ، ونقض لاتفاقٍ موافقٍ لروح الإسلام الحنيف .. وقد يفتح أبوابا لشر مستطير ، فيعرض المسلمين إلى الرق والسبي من جديد .. لأن أعداءنا لن يترددوا في معاملتنا بالمثل ، ويا لها من كارثة أن تعود البشرية إلى سلب الحرية بالحرب ، وأن يكون من رجالنا جراء ذلك - لا سمح الله - أرقاء يعملون في مناجم الأعداء ، ومن نسائنا جواري يستمتع بهن على أسرَّة اليهود والنصارى والمجوس .
4 – وإذا عاد العمل بنظام الرق إلى الوجود ، فسوف تخسر البشرية نعمة كانت فزالت ، ويكون الخاسر الأكبر بزوالها نحن المسلمين . لأننا سنحسن لمن في أيدينا من الأسرى ، وغيرنا يسيء، ولأن الإسلام سيدفعنا إلى تحرير الأسرى، وغيرنا لن يفعل شيئا من ذلك .
فالمسلم مدعو إلى تحرير الرقيق بالكفارات ، فإن حنث في يمينه كفر عنه بعتق رقبة ، وإن ظاهر من زوجته أعتق رقبة ، وإن أفطر بالجماع في نهار رمضان أعتق رقبة ، وإن قتل مؤمنا خطأ أعتق ... ثم إن المسلم مدعو إلى التقرب إلى الله بتحرير الرقاب ، لأن ذلك مما يثبت قدميه على الصراط " فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة *  فك رقبة * " ومن لطم عبده فليحرره تكفيرا لذنبه . وإليك بعض ما قاله صلى الله عليه وسلم في معاملة الرقيق :
- هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ , فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ , فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ , وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ , وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ ) رواه البخاري .
- ( مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ ) رواه البخاري
- ( مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) رواه مسلم
- روى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دَعَك أُذُن عَبْدٍ له على ذنب فعله ، ثم قال له بعد ذلك : تقدم واقرص أذني ، فامتنع العبد فألح عليه ، فبدأ يقرص بخفة ، فقال له : اقرص جيداً ، فإني لا أتحمل عذاب يوم القيامة ، فقال العبد : وكذلك يا سيدي : اليوم الذي تخشاه أنا أخشاه .
5 – ولو عادت البشرية إلى نظام الرق كرد فعل على تصرفات الدواعش وممارساتها في الحرب ، فلا يعلم حجم المأساة التي قد تنجم عن ذلك إلا الله سبحانه وتعالى .. فالأمم الأخرى لن تتعامل مع الأرقاء لديها بإحسان كما هي الحال عند المسلمين ، وإنما سيعاملونهم بمنتهى الوحشية والغلظة والقسوة والقهر والحرمان ..
فمن عادة الأمم الكافرة مع الأرقاء قديما ، أنهم لا يعاملونهم على أنهم بشر ، بل يعتبرونهم مجرد أشياء .. ليس لهم حقوق البشر.. فالعبيد لديهم كانوا يساقون للعمل في الحقول مصفدين في الأغلال لمنعهم من الفرار.. ولا يطعم الأرقاء إلا إبقاء على وجودهم من أجل العمل فقط ، ولا يساقون إلى العمل إلا مضروبين بالسياط .
والأرقاء عند غير المسلمين كانوا يعرضون في أسواق النخاسة عراة وعرايا ، رجالا ونساء .. فيا له من امتهان لكرامة الإنسان .!!
وكان العبيد يعذبون حتى الموت ، بل يرمون إلى الأسود في زنزانات مغلقة مع أسود جائعة تمزقهم بأنيابها ، ليستمتع السادة بمنظر العبيد وهم يمزقون أمامهم ، وتطحن عظامهم ..
والطامة الكبرى أن من ضرب عليه الرق لا يحرره منه إلا الموت .. وما أقساها من حياة تكتب على الأرقاء والسبايا على تلك الحال ..!!
:::::
أرأيتم كيف يمكن أن يؤول حال البشرية بسبب داعش إلى أسوأ صورة يتخيلها الإنسان .؟ أرأيتم كيف لا يفكر هؤلاء العابثون أبعد من أنوفهم ؟

ومن يكن الغراب له دليلا  :  يمر به على جيفِ الكلابِ