تنظيم داعش وتلاعبهم بقوله تعالى " أو ما ملكت أيمانكم "
ولدي الحبيب ..
طلبت إليَّ الكتابة حول الآية الكريمة ( أو ما ملكت أيمانكم ) التي يستدل بها الدواعش على جواز سبي المسلمات وارتكابهم الزنا بهن تحت غطاء " الوطء بملك اليمين " وجوابي لك سيكون في مقالتين:
أولاهما : هذه المقالة التي تهدم المرتكزات ، التي بنى عليها الدواعش استحلال فروج المسلمات المحصنات .
والثانية : بيان أن الدواعش يتصرفون في هذه القضية على نحو مخالف لروح الشريعة ، ومسيء إلى الإسلام والمسلمين ..
المقالة (الأولى ) :
داعش كفرت المسلمين لتستحل فروج المسلمات بدعوى ملك اليمين
بقلم : أبو ياسر السوري
19 / 7 / 2016
===============
هذه الجريمة الأخلاقية ، ما كان للدواعش ارتكابها ابتداء بدون مستند شرعي.. ولما لم يجدوا لفعلتهم ذلك المستند الشرعي، لفقوه لها واخترعوه ، وألبسوه ثوب الشرعية زورا وبهتانا ، لتبرير زناهم بالمحصنات الغافلات المؤمنات ، تحت شعار "أو ما ملكت أيمانكم" ..
ويمكن تلخيص مستندهم الشرعي المزعوم بما يلي :
1 – قام الدواعش بتكفير جميع المسلمين في الأرض ، واعتبروهم مرتدين عن الإسلام ، لأنهم – بزعمهم - يحكمون بغير ما أنزل الله ، والقرآن يقول " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ..
والدواعش مخطئون في هذا، لأن عامة المجتمع غير مخاطبين بهذه الآية ، فالمخاطب بها الحكام خاصة ، وعامة المسلمين غير مسؤولين عن ذنب غيرهم ، لأنهم محكومون ، مغلوبون على أمرهم، مكرهون ، والمكره معذور لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .. فلا ينبغي للدواعش تكفير عامة المسلمين بهذه الذريعة الواهية ، ولا يحل لهم بالتالي استباحة أعراضهم ، ولا أموالهم ، ولا دمائهم ..
2 – افتات الدواعش على المسلمين بإقامة البغدادي خليفة لهم ، وفرضوه على الناس دون مشورة أحد من أصحاب الحل والعقد في هذا الأمر الخطير .. وفي هذا افتيات على المسلمين وظلم لهم ، وهو رأي قلة قليلة من أتباع البغدادي ، الذين استبدوا به دون مشورة الناس .. فلا تنعقد بمثلهم بيعة لأحد ، وليس لهم إلزام المسلمين باختيارهم هذا ، وليس لهم فرضه عليهم بالقوة والإكراه .
ولكن الدواعش يريدون فرض رأيهم هذا على الأمة ، ويرون كل مخالف لهم في ذلك هو حلال الدم والعرض والمال ، ومن هنا رأينا إصرارهم على قتل قادة الجيش الحر، واعتبارهم مارقين خارجين على ولي الأمر البغدادي ، لأنهم لم يسارعوا في مبايعته ، وامتنعوا عن اللحاق به والرضوخ لسلطانه .. وهذا خطأ آخر يصر الدواعش عليه .
3 – بدأ الدواعش بقتل عامة المسلمين وقادة جهادهم ، بعدما حكموا بردتهم جميعا عن الإسلام . وانطلقوا يقولون " قتال المرتد مقدم على قتال الكافر الأصلي " ..
ويلزمهم على هذا الرأي أن لا يقاتلوا أي دولة كافرة على وجه الأرض ، إلا بعد أن ينتهوا من قتل أو إخضاع مليار و600 مليون مسلم لسلطانهم .. وهذا يعني أن داعش تعطي أمانها لكل كافر أصلي في العالم ، بينما هي تعلن الحرب على كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها ، بتهمة الردة التي لم تثبت .. ليرتبوا عليها جواز سفك الدماء البريئة ، وهتك الأعراض المصونة ، وانتهاك بقية الحرمات ..
لقد لعب الشيطان بهؤلاء الدواعش ، وحقق على أيديهم من الفساد والإفساد فوق ما يتمنى ..
4 – وهنا لا بد من بيان خطأ داعش في اثنتين :
الأولى : إنهم مخطئون في تكفير المسلمين بدون مبرر شرعي ، إذ ليس لأحد أن يكفر مسلما مخالفاً له في الرأي ، إذا كان الخلاف في قضية مما يمكن أن تختلف فيها الآراء . فلا يكفر مسلم إلا بمكفر صريح لا يقبل تأويلا . ولا يحكم بالردة على المسلمين جميعا إلا ضال هالك . وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر من ضئضئ ذي الثدية أقوام يدَّعون الإسلام ، يقرؤون القرآن ، ويصلون ، ولكنهم يكفرون المسلمين ويقتلونهم ، بينما يسالمون الكفار .. فأمر عليه الصلاة والسلام بقتالهم ، وقال طوبى لمن قتلهم أو قتلوه .. وها هم داعش يتبنون فكر الخوارج حذو النعل بالنعل ، بل ويزيدون عليهم في التطرف والحماقة .
الثانية : إن قولهم " بتقديم قتال المرتدين على قتال الكفرة الأصليين " هو خطأ آخر أكبر من سابقه .. لقد قاسوا على ما فعله أبو بكر في قتال المرتدين ، وهو قياس فاسد ، لأنه قياس مع الفارق . فقالوا أبو بكر قاتل المرتدين ولم يقاتل الروم ولا الفرس .. وقولهم هذا منقوض بفعل رسول الله وفعل أبي بكر نفسه .
أما فعل رسول الله ، فالمنافقون كانوا يعيشون بين أظهر المسلمين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفهم بأسمائهم ، ومع ذلك لم يقدم قتالهم على قتال المشركين في بدر وأحد وحنين .. لأن خطر المنافقين كان أقل من خطر المشركين .. ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يقال إن محمدا يقتل أصحابه . ولا يعترضن أحد علينا بأن المنافقين هم غير المرتدين .. فهم بالنسبة لرسول الله مرتدون ، لأنهم كانوا إذا جاؤوا إليه أعلنوا إسلامهم . وإذا خلوا إلى شياطينهم ارتدوا عن الإسلام وأعلنوا كفرهم . فهم مترددون بين كفر وإيمان وهكذا دواليك.
وأما فعل أبي بكر ، فلا يقاس عليه ، لأنه حين قاتل المرتدين ، لم يكن هنالك ما يتهدد المسلمين غيرهم ، فبعد فتح مكة نصر الله نبيه ، ودخل الناس في دين الله أفواجا . ولم يكن في زمن أبي بكر رضي الله عنه ما يتهدد المسلمين سوى المرتدين . فهل كان من الحكمة أن يقوم أبو بكر بتسيير الجيوش الإسلامية لقتال الكفار الأصليين من روم وفرس خارج أرض الإسلام ؟ ويَدَعَ المرتدين في عقر دار المسلمين يعيثون فسادا وإفسادا .؟
ما هذا المنطق الأعوج ، والفهم المنكوس الذي يتبناه الدواعش ، مخالفين في ذلك كل معطيات العقل والمنطق والدين .؟
5 – أما مسالة " ما ملكت أيمانكم " التي يتخذ منها سُلَّماًً يتوصلون به إلى وطء المسلمات المحصنات الغافلات .. فهي– كما رأينا - مسألة مبنية على مقدمات خاطئة ، وما بني على خطأ فهو خطأ .. لأن المسلمة - بإجماع المسلمين - لا تكون سبيَّة ، ولا تنكح بملك اليمين . وحين يخالف الدواعش في هذه القضية ، فهم يخالفون بذلك إجماعا ، والإجماعُ ليس محل اجتهاد .. مما أوقعهم في الزنا من حيث يشعرون أو لا يشعرون . والجاهل يفعل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه ..
***
ولدي الحبيب ..
طلبت إليَّ الكتابة حول الآية الكريمة ( أو ما ملكت أيمانكم ) التي يستدل بها الدواعش على جواز سبي المسلمات وارتكابهم الزنا بهن تحت غطاء " الوطء بملك اليمين " وجوابي لك سيكون في مقالتين:
أولاهما : هذه المقالة التي تهدم المرتكزات ، التي بنى عليها الدواعش استحلال فروج المسلمات المحصنات .
والثانية : بيان أن الدواعش يتصرفون في هذه القضية على نحو مخالف لروح الشريعة ، ومسيء إلى الإسلام والمسلمين ..
المقالة (الأولى ) :
داعش كفرت المسلمين لتستحل فروج المسلمات بدعوى ملك اليمين
بقلم : أبو ياسر السوري
19 / 7 / 2016
===============
هذه الجريمة الأخلاقية ، ما كان للدواعش ارتكابها ابتداء بدون مستند شرعي.. ولما لم يجدوا لفعلتهم ذلك المستند الشرعي، لفقوه لها واخترعوه ، وألبسوه ثوب الشرعية زورا وبهتانا ، لتبرير زناهم بالمحصنات الغافلات المؤمنات ، تحت شعار "أو ما ملكت أيمانكم" ..
ويمكن تلخيص مستندهم الشرعي المزعوم بما يلي :
1 – قام الدواعش بتكفير جميع المسلمين في الأرض ، واعتبروهم مرتدين عن الإسلام ، لأنهم – بزعمهم - يحكمون بغير ما أنزل الله ، والقرآن يقول " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ..
والدواعش مخطئون في هذا، لأن عامة المجتمع غير مخاطبين بهذه الآية ، فالمخاطب بها الحكام خاصة ، وعامة المسلمين غير مسؤولين عن ذنب غيرهم ، لأنهم محكومون ، مغلوبون على أمرهم، مكرهون ، والمكره معذور لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .. فلا ينبغي للدواعش تكفير عامة المسلمين بهذه الذريعة الواهية ، ولا يحل لهم بالتالي استباحة أعراضهم ، ولا أموالهم ، ولا دمائهم ..
2 – افتات الدواعش على المسلمين بإقامة البغدادي خليفة لهم ، وفرضوه على الناس دون مشورة أحد من أصحاب الحل والعقد في هذا الأمر الخطير .. وفي هذا افتيات على المسلمين وظلم لهم ، وهو رأي قلة قليلة من أتباع البغدادي ، الذين استبدوا به دون مشورة الناس .. فلا تنعقد بمثلهم بيعة لأحد ، وليس لهم إلزام المسلمين باختيارهم هذا ، وليس لهم فرضه عليهم بالقوة والإكراه .
ولكن الدواعش يريدون فرض رأيهم هذا على الأمة ، ويرون كل مخالف لهم في ذلك هو حلال الدم والعرض والمال ، ومن هنا رأينا إصرارهم على قتل قادة الجيش الحر، واعتبارهم مارقين خارجين على ولي الأمر البغدادي ، لأنهم لم يسارعوا في مبايعته ، وامتنعوا عن اللحاق به والرضوخ لسلطانه .. وهذا خطأ آخر يصر الدواعش عليه .
3 – بدأ الدواعش بقتل عامة المسلمين وقادة جهادهم ، بعدما حكموا بردتهم جميعا عن الإسلام . وانطلقوا يقولون " قتال المرتد مقدم على قتال الكافر الأصلي " ..
ويلزمهم على هذا الرأي أن لا يقاتلوا أي دولة كافرة على وجه الأرض ، إلا بعد أن ينتهوا من قتل أو إخضاع مليار و600 مليون مسلم لسلطانهم .. وهذا يعني أن داعش تعطي أمانها لكل كافر أصلي في العالم ، بينما هي تعلن الحرب على كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها ، بتهمة الردة التي لم تثبت .. ليرتبوا عليها جواز سفك الدماء البريئة ، وهتك الأعراض المصونة ، وانتهاك بقية الحرمات ..
لقد لعب الشيطان بهؤلاء الدواعش ، وحقق على أيديهم من الفساد والإفساد فوق ما يتمنى ..
4 – وهنا لا بد من بيان خطأ داعش في اثنتين :
الأولى : إنهم مخطئون في تكفير المسلمين بدون مبرر شرعي ، إذ ليس لأحد أن يكفر مسلما مخالفاً له في الرأي ، إذا كان الخلاف في قضية مما يمكن أن تختلف فيها الآراء . فلا يكفر مسلم إلا بمكفر صريح لا يقبل تأويلا . ولا يحكم بالردة على المسلمين جميعا إلا ضال هالك . وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر من ضئضئ ذي الثدية أقوام يدَّعون الإسلام ، يقرؤون القرآن ، ويصلون ، ولكنهم يكفرون المسلمين ويقتلونهم ، بينما يسالمون الكفار .. فأمر عليه الصلاة والسلام بقتالهم ، وقال طوبى لمن قتلهم أو قتلوه .. وها هم داعش يتبنون فكر الخوارج حذو النعل بالنعل ، بل ويزيدون عليهم في التطرف والحماقة .
الثانية : إن قولهم " بتقديم قتال المرتدين على قتال الكفرة الأصليين " هو خطأ آخر أكبر من سابقه .. لقد قاسوا على ما فعله أبو بكر في قتال المرتدين ، وهو قياس فاسد ، لأنه قياس مع الفارق . فقالوا أبو بكر قاتل المرتدين ولم يقاتل الروم ولا الفرس .. وقولهم هذا منقوض بفعل رسول الله وفعل أبي بكر نفسه .
أما فعل رسول الله ، فالمنافقون كانوا يعيشون بين أظهر المسلمين ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفهم بأسمائهم ، ومع ذلك لم يقدم قتالهم على قتال المشركين في بدر وأحد وحنين .. لأن خطر المنافقين كان أقل من خطر المشركين .. ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يقال إن محمدا يقتل أصحابه . ولا يعترضن أحد علينا بأن المنافقين هم غير المرتدين .. فهم بالنسبة لرسول الله مرتدون ، لأنهم كانوا إذا جاؤوا إليه أعلنوا إسلامهم . وإذا خلوا إلى شياطينهم ارتدوا عن الإسلام وأعلنوا كفرهم . فهم مترددون بين كفر وإيمان وهكذا دواليك.
وأما فعل أبي بكر ، فلا يقاس عليه ، لأنه حين قاتل المرتدين ، لم يكن هنالك ما يتهدد المسلمين غيرهم ، فبعد فتح مكة نصر الله نبيه ، ودخل الناس في دين الله أفواجا . ولم يكن في زمن أبي بكر رضي الله عنه ما يتهدد المسلمين سوى المرتدين . فهل كان من الحكمة أن يقوم أبو بكر بتسيير الجيوش الإسلامية لقتال الكفار الأصليين من روم وفرس خارج أرض الإسلام ؟ ويَدَعَ المرتدين في عقر دار المسلمين يعيثون فسادا وإفسادا .؟
ما هذا المنطق الأعوج ، والفهم المنكوس الذي يتبناه الدواعش ، مخالفين في ذلك كل معطيات العقل والمنطق والدين .؟
5 – أما مسالة " ما ملكت أيمانكم " التي يتخذ منها سُلَّماًً يتوصلون به إلى وطء المسلمات المحصنات الغافلات .. فهي– كما رأينا - مسألة مبنية على مقدمات خاطئة ، وما بني على خطأ فهو خطأ .. لأن المسلمة - بإجماع المسلمين - لا تكون سبيَّة ، ولا تنكح بملك اليمين . وحين يخالف الدواعش في هذه القضية ، فهم يخالفون بذلك إجماعا ، والإجماعُ ليس محل اجتهاد .. مما أوقعهم في الزنا من حيث يشعرون أو لا يشعرون . والجاهل يفعل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه ..
***