حجاب المرأة وأبعاده التاريخية والدينية والاجتماعية :
( الوقفة الثانية )
13 / 7 / 2016
بقلم : أبو ياسر السوري
أولا : الحجاب والبعد التاريخي والديني :
==========================
1 - لأول وهلة من قراءة هذا العنوان الفرعي في حجاب المرأة ، يقفز بنا الذهن سريعا إلى السنة الخامسة من الهجرة ، التي نزلت فيها آية الحجاب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا) الأحزاب 53 وذلك حين ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاب على نسائه ، وأمر بذلك نساء المؤمنين . قال ابن جرير( بلغنا أن النساء أُمرن بالحجاب كذلك ، ورخص لهن أن لا يحتجبن ممن استثنى القرآن بقوله تعالى ( لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا ) الأحزاب 55
2 – ولو دققنا النظر قليلا، لرأينا أن قضية الحجاب، هي قضية غائرة الجذور في أعماق الزمن، وأنها ملازمة للبشرية منذ أقدم العصور. ولعلنا نذكر ما قلناه في الوقفة الأولى من أنه كان للأبوين آدم وحواء عليهما السلام في الجنة حجاب من نور ، فلما وقعت المعصية كشف الحجاب ، وبدا لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة. وكأن الحجاب بدأ مع الأبوين عليهما السلام .
3 – ومما قرأنا من أخبار مريم عليها السلام ، علمنا أنها حجبت عن الرجال بتدبير إلهي خاص ، وفق سنة الله في تربية أنبيائه والصديقين من عباده وإمائه ، ليصونهم من كل ما يعيب ، لئلا يُعيَّروا به في مستقبل الأيام . فقد أخبرنا القرآن الكريم ، بأن امرأة عمران نذرت ما في بطنها محررا أي خالصا لخدمة الكنيسة ، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) .. فشبت مريم وترعرعت بكفالة نبي الله زكريا ، الذي هيأ لها القرار في السكن ، ومكن مريم من الاحتجاب عن الرجال .. ولعل لباس الراهبات المحتشم ، هو إحد مواريثهن من مريم العذراء البتول ..
" ذكر وهب بن منبه وهو أحد علماء بني إسرائيل أنه كان مع مريم ابن خال لها ، محررٌ أيضا لخدمة الكنيسة ، يقال له يوسف النجار ، وكان يخدمها من وراء حجاب ، ويكلمها ويناولها الشيء بعد الشيء من وراء حجاب .."
وورود ذكر الحجاب في هذا الأثر ، يشير يقينا إلى أن الحجاب تشريع إلهي قديم ، وأن الله كلف به عباده صيانة لأعراضهم ، وحماية لنسائهم من عبث الفاسدين ..
4 – وفي قصة موسى عليه السلام مع ابنة شعيب ، التي جاءته تمشي على استحياء " قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا " فمضى موسى معها لمقابلة شعيب عليه السلام ، فمشت الفتاة أمامه ، فصفق الريح ثوبها، فكشف عن ساقها ، فقال لها موسى : يا هذه امشي خلفي ووجهيني ، قولي اذهب يمينا .. اذهب شمالا ..
وسياق هذا الخبر يثبت أن الحجاب كان في زمان موسى عليه السلام ولهذا أبى أن يمشي وراءها لئلا يقع بصره منها على ما لا يحل له .. مما يزيدنا يقينا بأن الحجاب جزء من دين الله على مدار التاريخ ، وقد دعا إليه الأنبياء والفضلاء والصديقون والصالحون .. وشرعه الله لنا ، كما شرعه للذين من قبلنا " شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .."
ثانيا : الحجاب في بعده الاجتماعي :
====================
1 – لن نجانب الصواب في الذهاب إلى أن الحجاب يمثل أهم الضوابط الاجتناعية في حياة البشرية ، وأنه صمام أمان في الممالك والمجتمعات والشعوب .. ولسنا بحاجة إلى الذهاب بعيدا في تقرير هذه الحقيقة ، فبروز المرأة ، وتبرُّجها ، ومزاحمتها للرجال في كل ميدان ، ونبذها للحجاب ، وتبنيها للسفور ، يكاد يكون أخطر قنبلة تدمر أخلاق المجتمع ، وتقضي على قيمه وأخلاقه، ومتى سقطت القيم ، وضاعت الأخلاق ، انهدم كيان الأمم ، وأصبحت أثرا بعد عين :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ : فإن همُ ذهبتْ أخلاقهمْ ذهبوا
2 - ولهذا حذر النبي صلى الله من الفتنة بالنساء ، وأخبرنا بأنها من أعظم الفتن ، وأنها هي الفتنة التي أهلكت بني إسرائيل من قبلنا، وتخوف النبي من أن نهلك كما هلكوا..
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) . وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله : "ما تركت بعدي فتنة هي أضرُّ على الرجال من النساء".
3 - وهنا يحسن أن نرجع إلى قصة قابيل وهابيل ، التي ذكرها القرآن للعظة والعبرة ، وليس للتسلية والمتعة ، ولا للمعرفة التاريخية المجردة .. وإنما ليفهمنا من خلالها أنَّ أولَ جريمةِ قتلٍ وقعتْ في الأرض كانت بسبب امرأة .. فقد قتل قابيلُ أخاه هابيل بسبب أخته التوأم .. وذلك حين أمر الله تعالى آدم عليه الصلاة والسلام أن يزوج قابيل ليوذا أخت هابيل ، ويزوج هابيل إقليما أخت قابيل ، وكانت من أجمل النساء ، فلم يرض قابيل ، ثم ما لبث أن قتل أخاه هابيل بسبب ذلك .
4 - وهكذا يمكن القول ، بأن المرأة هي أقوى أحبولة للشيطان ، وأخطر شرك يصطاد به الرجال ، ويقيدهم بأغلال الإثم والضلال .. وسر خطر هذه الفتنة ما ركز الله في قلوب الذكور والإناث من ميل بعضهم إلى بعض ، لضرورة بقاء النوع ، واستمرار النسل .. وهذا ما ساعد أعداء الفضيلة على تحقيق مآربهم ، ومكنهم من الوصول إلى أغراضهم من أيسر طريق . وذلك بكسر الحواجز ما بين الرجال والنساء ، وحثهم على الاختلاط والخلوة فيما بينهم ، وجعلهم يستغنون بالمخادنة والعلاقة المحرمة عن الزواج المعلن النظيف . ثم إنهم يصفون هذا الفلتان الحيواني بالتقدمية والحضارة والمدنية ، ويغلفونه بشعار الحرية الشخصية ، والدعوة إلى تحرير المرأة من سلطان الرجل ، والمطالبة بالمساواة بينهما . وكل همهم زج المرأة في أحضان الإثم والفسوق ، ودفعها إلى السقوط بأي ثمن .. وبأية وسيلة .. مكر الليل والنهار .. ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً * ) فاطر43
::::
للكلام بقية
( الوقفة الثانية )
13 / 7 / 2016
بقلم : أبو ياسر السوري
أولا : الحجاب والبعد التاريخي والديني :
==========================
1 - لأول وهلة من قراءة هذا العنوان الفرعي في حجاب المرأة ، يقفز بنا الذهن سريعا إلى السنة الخامسة من الهجرة ، التي نزلت فيها آية الحجاب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا) الأحزاب 53 وذلك حين ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاب على نسائه ، وأمر بذلك نساء المؤمنين . قال ابن جرير( بلغنا أن النساء أُمرن بالحجاب كذلك ، ورخص لهن أن لا يحتجبن ممن استثنى القرآن بقوله تعالى ( لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا ) الأحزاب 55
2 – ولو دققنا النظر قليلا، لرأينا أن قضية الحجاب، هي قضية غائرة الجذور في أعماق الزمن، وأنها ملازمة للبشرية منذ أقدم العصور. ولعلنا نذكر ما قلناه في الوقفة الأولى من أنه كان للأبوين آدم وحواء عليهما السلام في الجنة حجاب من نور ، فلما وقعت المعصية كشف الحجاب ، وبدا لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة. وكأن الحجاب بدأ مع الأبوين عليهما السلام .
3 – ومما قرأنا من أخبار مريم عليها السلام ، علمنا أنها حجبت عن الرجال بتدبير إلهي خاص ، وفق سنة الله في تربية أنبيائه والصديقين من عباده وإمائه ، ليصونهم من كل ما يعيب ، لئلا يُعيَّروا به في مستقبل الأيام . فقد أخبرنا القرآن الكريم ، بأن امرأة عمران نذرت ما في بطنها محررا أي خالصا لخدمة الكنيسة ، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) .. فشبت مريم وترعرعت بكفالة نبي الله زكريا ، الذي هيأ لها القرار في السكن ، ومكن مريم من الاحتجاب عن الرجال .. ولعل لباس الراهبات المحتشم ، هو إحد مواريثهن من مريم العذراء البتول ..
" ذكر وهب بن منبه وهو أحد علماء بني إسرائيل أنه كان مع مريم ابن خال لها ، محررٌ أيضا لخدمة الكنيسة ، يقال له يوسف النجار ، وكان يخدمها من وراء حجاب ، ويكلمها ويناولها الشيء بعد الشيء من وراء حجاب .."
وورود ذكر الحجاب في هذا الأثر ، يشير يقينا إلى أن الحجاب تشريع إلهي قديم ، وأن الله كلف به عباده صيانة لأعراضهم ، وحماية لنسائهم من عبث الفاسدين ..
4 – وفي قصة موسى عليه السلام مع ابنة شعيب ، التي جاءته تمشي على استحياء " قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا " فمضى موسى معها لمقابلة شعيب عليه السلام ، فمشت الفتاة أمامه ، فصفق الريح ثوبها، فكشف عن ساقها ، فقال لها موسى : يا هذه امشي خلفي ووجهيني ، قولي اذهب يمينا .. اذهب شمالا ..
وسياق هذا الخبر يثبت أن الحجاب كان في زمان موسى عليه السلام ولهذا أبى أن يمشي وراءها لئلا يقع بصره منها على ما لا يحل له .. مما يزيدنا يقينا بأن الحجاب جزء من دين الله على مدار التاريخ ، وقد دعا إليه الأنبياء والفضلاء والصديقون والصالحون .. وشرعه الله لنا ، كما شرعه للذين من قبلنا " شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .."
ثانيا : الحجاب في بعده الاجتماعي :
====================
1 – لن نجانب الصواب في الذهاب إلى أن الحجاب يمثل أهم الضوابط الاجتناعية في حياة البشرية ، وأنه صمام أمان في الممالك والمجتمعات والشعوب .. ولسنا بحاجة إلى الذهاب بعيدا في تقرير هذه الحقيقة ، فبروز المرأة ، وتبرُّجها ، ومزاحمتها للرجال في كل ميدان ، ونبذها للحجاب ، وتبنيها للسفور ، يكاد يكون أخطر قنبلة تدمر أخلاق المجتمع ، وتقضي على قيمه وأخلاقه، ومتى سقطت القيم ، وضاعت الأخلاق ، انهدم كيان الأمم ، وأصبحت أثرا بعد عين :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ : فإن همُ ذهبتْ أخلاقهمْ ذهبوا
2 - ولهذا حذر النبي صلى الله من الفتنة بالنساء ، وأخبرنا بأنها من أعظم الفتن ، وأنها هي الفتنة التي أهلكت بني إسرائيل من قبلنا، وتخوف النبي من أن نهلك كما هلكوا..
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) . وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله : "ما تركت بعدي فتنة هي أضرُّ على الرجال من النساء".
3 - وهنا يحسن أن نرجع إلى قصة قابيل وهابيل ، التي ذكرها القرآن للعظة والعبرة ، وليس للتسلية والمتعة ، ولا للمعرفة التاريخية المجردة .. وإنما ليفهمنا من خلالها أنَّ أولَ جريمةِ قتلٍ وقعتْ في الأرض كانت بسبب امرأة .. فقد قتل قابيلُ أخاه هابيل بسبب أخته التوأم .. وذلك حين أمر الله تعالى آدم عليه الصلاة والسلام أن يزوج قابيل ليوذا أخت هابيل ، ويزوج هابيل إقليما أخت قابيل ، وكانت من أجمل النساء ، فلم يرض قابيل ، ثم ما لبث أن قتل أخاه هابيل بسبب ذلك .
4 - وهكذا يمكن القول ، بأن المرأة هي أقوى أحبولة للشيطان ، وأخطر شرك يصطاد به الرجال ، ويقيدهم بأغلال الإثم والضلال .. وسر خطر هذه الفتنة ما ركز الله في قلوب الذكور والإناث من ميل بعضهم إلى بعض ، لضرورة بقاء النوع ، واستمرار النسل .. وهذا ما ساعد أعداء الفضيلة على تحقيق مآربهم ، ومكنهم من الوصول إلى أغراضهم من أيسر طريق . وذلك بكسر الحواجز ما بين الرجال والنساء ، وحثهم على الاختلاط والخلوة فيما بينهم ، وجعلهم يستغنون بالمخادنة والعلاقة المحرمة عن الزواج المعلن النظيف . ثم إنهم يصفون هذا الفلتان الحيواني بالتقدمية والحضارة والمدنية ، ويغلفونه بشعار الحرية الشخصية ، والدعوة إلى تحرير المرأة من سلطان الرجل ، والمطالبة بالمساواة بينهما . وكل همهم زج المرأة في أحضان الإثم والفسوق ، ودفعها إلى السقوط بأي ثمن .. وبأية وسيلة .. مكر الليل والنهار .. ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً * ) فاطر43
::::
للكلام بقية