وقفة مع قصيدة من الشعر الياباني
بقلم : أبو ياسر السوري
8 / 6 / 2016
==========
قال شاعر ياباني :
........... كانت
................العصافيرُ
......................... تطيرُ
................................. منْ :
............. فزَّاعةٍٍ
...................... إلى
............................. أخرى ......
ـــــ انتهت القصيدة ـــــ
شرح القصيدة :
======
لا تستغربوا لوجازة هذه القصيدة ..
فقد قال بعضهم : " البلاغة لمحة دالَّةٌ " .
وقال آخر : " لا تُنفِقْ كلمتين إذا كفتك كلمة " .
وحُكي أن رجلين اتفقا على المضي إلى مكان محدد ، في وقت محدد .. حتى ألفا ذلك وأدمناه .. فكان يأتي أحدهما ...
فيقول لصاحبه : ألا ( تا ) .؟؟
فيجيبه الآخر : بلى ( فا ) ..
يريد الأول " ألا تمضي؟ "
ويريد الثاني : " بلى فامض " .
وقد اعتاد اليابانيون أن يضغطوا المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة .. فالشاعر الياباني هنا ، رسم لنا بقصيدته الوجيزة ، صورة بصرية محسوسة ، تحدث بها عن فزَّاعة الطيور ، التي يصنعها صاحبُ البستان عادةً ، ويجعلها على صورة إنسان رافع يده ، ويضعها بين أشجار الفاكهة ، لينفر بها العصافير . ويحمي بها ثماره ..
ولكن شاعرنا الياباني أشار إلى وجود فزاعات كثيرة حتى إنها لكثرتها ، باتت مما تعتاد العصافير رؤيتها ، وتطمئن إليها ، وتتنقل بينها ، فتحط على هذه الفزاعة تارة ، وعلى تلك أخرى . ولم تعد الفزاعة بالنسبة لها فزاعة ، وإنما هي الآن شيء ، تحط عليه ، وترتاح إليه ... وهكذا فقدت الفزاعة وظيفتها . وصار وجودها كعدمها ..
وكأني بهذا الشاعر يريد أن يقول لقرائه : إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده .. فمن بالغ في المجاملة انتهى إلى حال من النفاق . ومن بالغ في الصراحة سقط في أوحال الوقاحة . ولهذا جاء الأمر بالاقتصاد والنهي عن التطرف في الأمور . قال عليه الصلاة والسلام " إن المُنْبَتَّ لا ظهراً أبقى ، ولا أرضا قطع " .
ولو قلبنا الصفحة ، وتصرَّفنا في نوع الفزاعة قليلا ، لأمكن أن نقول : إن أمريكا جعلت من داعش " فزاعة "، وساعدت على نشرها في كل بلد عربي ، من العراق إلى سوريا إلى ليبيا إلى مصر إلى تركيا ، وكأني بأمريكا لن تزال تخوفنا من داعش حتى نألف الدعشنة ، ونتبناها ، ونختارها مذهبا لنا في الحياة .. وينقلب السحر على الساحر ، وينخرط الشباب الأمريكي في صفوف الدواعش ، ويصير التنظيم لنا بردا وسلاما ، وعلى صانعيه المبالغين فيه موتا زؤاما ..
في بداية الثورة ، كان الناس يتحاشون الرصاص ، ويفرُّون من أزيزه ، فلما استحر القتل ، واستفحل الإجرام ، صار الموتُ أمرا طبيعياً .. وصار السوري يخرج إلى استقبال الرصاص بصدره العاري ، غير هيَّاب ولا وَجِل .. لقد اعتاد السوريون لقاء الموت ، وخرجت هيبته من صدورهم . وصار الأحرار يتنقلون من ميدان إلى ميدان ، ومن معركة إلى أخرى ، وكأنهم في نزهة ببستان ... وصار الرصاص الذي كانوا يفرون منه ، لا يرتاحون إلا إلى سماع أزيزه ...
وصدق الشاعر الياباني إذ يقول :
كانت العصافير .. تطير ..
............ من فزاعة .. إلى أخرى ..
****