الكاتب الحر فواز تللو: (بيان هوية) للعلويين أم (شرعنة جريمة)
“إعلان إصلاح الهوية”، بيانٌ من علويين أخفوا أسمائهم صدر قبله العديد مثله، جاء فيه: “شرعية نظام الأسد يمكن الحصول عليها بحسب معايير الديمقراطية والحقوق الأساسية فقط”، لكن هل كانت هناك شرعية للنظام أصلاً حتى يستعيدها؟ وما على النظام إلا الالتزام بوصفتهم ليحصل مجدداً على الشرعية، وأرشدوه إلى طريق عودة الشرعية له عبر تنظيم دورات لأفراده بحقوق الإنسان مع التركيز على الجلادين والسجانين والقتلة والشبيحة والتعفيشيين ليعودوا بفضل الوثيقة ومباركة المخابرات البريطانية “إخوانا”، فقط دون “مسلمين” لأنهم ليسوا إرهابيين.
أيضاً قال هؤلاء المجهولون “العلويين ليسوا فرعا من الشيعة” وكأن مشكلتنا مع المجرمين في دينهم وليس فعلهم في اتهام ضمني بأن “السنة” يقاتلونهم فقط حقداً على دينهم أو دين الشيعة، وأضافوا “أنهم ملتزمون بالقتال ضد الصراع الطائفي”، في تبرير لمعركتهم الطائفية في سوريا بتصويرها فعلاً محموداً في وجه “السنة المتطرفين”.
وأكد هؤلاء المجهولون “أن دينهم مبني بجوهره على عبادة الله مضيفين أن القرآن وحده هو كتابنا المقدس ومرجعيتنا الواضحة للمساواة الإسلامية، رغم اعترافهم بوجود بعض العناصر من الأديان الأخرى، مثل اليهودية والمسيحية، مستدركين بأنها “لا يجب أن تكون علامات على الابتعاد عن الإسلام، بل تشهد على غنانا وكونيتنا” بحسب الوثيقة، متناسين أن هذا الدين الفلسفي الواسع الفضفاض الذي اكتشفه العالم مؤخراً عبر ميليشياتهم الطائفية المنغمسة في الجريمة، بأنه دين غابت عنه سهوا بعض التفاصيل الصغيرة غير المهمة التي تناسها ربهم ونبيهم والمتعلقة بالقيم العليا التي جاءت بها كل الديانات من قبيل الوصايا العشر مثل النهي عن القتل والسرقة والاغتصاب والفساد، وأن رجال دينهم الفلسفي يبرون كل هذه الجرائم مقابل التمسك بعصبية الطائفية.
ونقلت شبكة “بي بي سي” رضي الله عنها والتي إن قالت فقد صدقت، هي ومراسليها والمخابرات البريطانية mi 6 وشريكتها وزارة الخارجية والمستعمرات البريطانية التي تسير الشبكة، نقلت عن زعيمين علويين من الذين كتبوا الوثيقة دون الكشف عن هويتهم “أن العلويين نشروا هذه الوثيقة لأن الكثير من العلويين يُقتلون بسبب دينهم”، ليتحول القتلة المساكين من العلويين إلى ضحايا بسبب “معتقدهم” الفلسفي النقي ويتحول الضحايا الذين خرجوا بثورة “الحرية والكرامة والشعب السوري واحد” ليتحولوا إلى “ذئاب” قتلة يحملون معتقداً “سنيا” إرهابياً ويموتون وهم يهاجمون “الحملان العلوية” من مخابرات وحرس جمهوري ودفاع وطني وغيرها وهي تدافع عن نفسها.
وأضاف الزعيمان العلويان “أن مستقبل سوريا الآن بيد المجتمع الدولي”، ليبيعوا ما تبقى من سوريا لمن شاء ويضعوها تحت الوصاية خوفاً من هزيمة مؤكدة قادمة واستنزاف لكل ذكر إرهابي مقاتل لديهم، وما المشكلة في تاريخ ينضح بالعمالة للصليبيين والتتار والمستعمر الفرنسي مروراً ببيع الجولان فبيع سوريا لإيران وروسيا وصولاً لطرح سوريا بالمزاد العلني الدولي من قبل كتاب الوثيقة كرمى عيون هؤلاء العباد التقاة الصوفيون الانقياء المستغرقين في دينهم الفلسفي وطقوسه التي خرجت من تقيتها قبل نصف قرن ولم تترك رذيلة من سرقة وفساد وخيانة وقتل واغتصاب وعمالة إلا “تعبدت وتقربت بها إلى ربها”.
وقال كاتبو الوثيقة إنهم يأملون في أن “تحرر الوثيقة العلويين الذين يشكلون 12 بالمئة من الـ24 مليون سوري، وأن إعلانهم الهوية سيقطع الصلة أو الحبل السري بين العلويين ونظام الأسد فهم كانوا قبل نظام الأسد وسيبقون بعده”، فلا مشكلة لدى هؤلاء الكتبة في مضاعفة نسبتهم في سوريا فالكذب “ملح عقيدة التقية”، كما أنها اعتبرت أن نظام بشار أسد كائن مريخي لا علاقة للطائفة وأفرادها ورجال دينها به مع أن الطائفة “الكريمة” بأمها وأبيها تشكل كل النظام من بابه لمحراب شيطانه، وهكذا و”ببراعة لغوية عبقرية” لم ندركها كقراء، قطع هؤلاء المجهولون الطريق على اتهام افراد الطائفة بالجرائم التي يرتكبها “المريخيون” جماعة نظام الأسد.
وقال دبلوماسي غربي، تحدث دون الكشف عن اسمه لـ”بي بي سي” (وبدون عبقرية استنتجت أنه من بريطانيا التي هي غالباً الراعي الرسمي للوثيقة)، قال “إن الوثيقة ضخمة وذات أهمية” مشيرا إلى أن “الوثيقة صدرت داخل مجتمع العلويين في سوريا، ونحن لم نر شيئا أصيلا من هذا النوع منذ عام 1949 حتى عام1971″، وأوضح أن “اللغة تؤكد انفصال العلويين عن إيران والنظام، وحتى عائلة الأسد نفسها”، وهكذا اُختُتم الخبر من “بي بي سي” رضي الشيطان عنها وعن جدها مسيلمة بشهادة من معلم الفتن الطائفية بريطانيا التي كانت “عظمى” باعتبارها “أكبر أخبث مستعمر” عبر التاريخ، أكد فيها السياسي المخابراتي البريطاني خبير اللغات والأديان أهمية الوثيقة عبر “ضخامتها” بصفحاتها العديدة في وسط “فلسفي” لا يهتم بالكتابة والقراءة وفك الحرف وتركيبه مكتفياً بالفلسفة التأملية التي تبدا بـ”طل الصبح يا علوش” وتنتهي بـ “أنا وياك دفاع وطني”، فّإذا بهذا الوسط الذي أعاد تعريف الفلسفة ليتقلب الفلاسفة في قبورهم غيظا، إذا به يخرج بعد نصف قرن كما رأى البريطاني رضي عنه الشيطان وأرضاه بوثيقة من ست صفحات كاملة، محت ببلاغتها الجرائم التي ارتكبتها أو شاركت بها أو أيدتها الطائفة العلوية (إلا أفراد نحترمهم يمكن جمعهم في بضعة باصات)، ولتمحو الوثيقة برأيه كل ما فات، ويا دار ما دخلك شر (إلا كل أنجاس الأرض من أتباع إيران وروسيا وأوباما وكل طائفي غربي وشرقي حاقد من كل ملة ودين وقومية دون استثناء)، وليرى الشيخ المفتي البريطاني “أن الوثيقة أكدت انفصال العلويين عن الشيعة وإيران والأسد ونظامه”، مما يبرر المحافظة على وضعيتهم في “احتلال سوريا ومؤسساتها” خاصة الأمنية والعسكرية “العلوية” والتي يجب المحافظة عليها باعتبارها مؤسسات دولة لسوريا وليست للأسد، ليصبح نظام الأسد لدى هذا السياسي المفتي البريطاني أيضاً مجرد مريخيين لكن غير مرئيين ولا علاقة لهم بكل أجهزته وطائفته.
لن أخوض في تفاصيل أكثر في الوثيقة وقد سقت بعضها كمثال، لكنني استغربت احتفال البعض بهذه الوثيقة، بدأً بمطلقيها المجهولين وصولاً لكل الخبث الذي مر في طياتها، وتجاوز كل ما جرى ويجري بسطحية تحتقر عقولنا وإنسانيتنا وتضحياتنا، وتعكس المسؤوليات بين الضحية والجلاد الذي تبرر جرائمه مقابل تجريم الضحية لتستحق ما يجري لها، وثيقة لم تطلق كلمة مواساة بحق الضحايا ولم تدن بوضوح الجلاد وجرائمه ولم تطرح مخرجاً عمليا ولا ألزمت الطائفة بواجباتها الوطنية والاخلاقية واكتفت باستدراج عروض لبيع سوريا مزايدة على النظام عمليا.
لكن ومن الآخر، لا مشكلة للسنة والسوريين مع العلويين والشيعة وأي طائفة بسبب دينها فهذا شأنهم ولو كان المسلمون السنة غير ذلك لما أبقوا بينهم أقليات كما فعل الغرب طوال تاريخه الأسود بأقلياته، وأنا ومثلي معظم السوريين السنة مستعدون لأن نحمي أي سوري يتعرض للاضطهاد بسبب معتقده أو طائفته أو قوميته كما نحمي أنفسنا.
ومن الآخر، لا قيمة لأي وثيقة بلا أسماء، ولا تبرير لكل جرائم العلويين، ولا إمكانية لاستمرار احتلالهم لسوريا ومؤسساتها، ولا حياة لنظامهم البائد، ولا فرار من العقاب ولو احتموا بكل العالم وفروا إلى المريخ، وأمام العلويين باب واحد للنجاة يتمثل بإقرارهم بذنبهم وإعلانهم الندم والاعتذار في كل مناسبة ووقت ولفترة طويلة من الضحايا (كما هو الحال في موضوع النازية)، وعليهم الانقلاب على المعتوه أسد وكبار زبانيته وتعليق مشانقهم، ومن ثم وبعد إطلاق سراح كل المعتقلين وطرد كل الغرباء الإيرانيين والروس، بعدها يمكن الجلوس معهم للاتفاق على عقد اجتماعي جديد سيفقدون بموجبه كل امتيازاتهم الطائفية واحتلالهم لسوريا مكتفين بالمساوة كمواطنين مثل أي سوري لأي طائفة أو قومية انتمى في إطار سوريا موحدة ديموقراطية مدنية، فبذلك فقط سيفتح السوريون ذراعهم لهم حتماً من جديد ويضمنوا استمرار وجودهم في سوريا.
لن يعجب هذا الحل العلويين بمن فيهم معظم المعارضين، لكن سيأتي يوم يتوسلون فيه هذا المخرج فلا يجدوه وغبي من لا يقرأ التاريخ والجغرافيا وما حصل خلال خمس سنوات، فالعلويون قامروا بكل شيء وهم يخسرون بغض النظر عن بروبوغاندا إيران والروس والنظام ورأسه المعتوه السعيد بهكذا أتباع طائفيين يموتون ويندثرون وقد عميت أبصارهم عن هزيمتهم المحققة بإذن الله، فدا “صرماية” المعتوه، وبانتظار ظهور قادة “علنيين” حقيقيين لينقذوا العلويين، وحتى ذلك الوقت يمكن للعلويين وكتاب وثائقهم المجهولين ومجرميهم المعلومين، يمكنهم الاستمرار في القتل والجريمة وبيع سوريا وتدميرها وكتابة الوثائق، حتى يصلوا في النهاية إلى كتابة “وثيقة نهاية وجودهم في سوريا” بأيدهم، لتنتهي حقبتهم السوداء ووثائقهم في مزبلة التاريخ حيث تستحق، فهل نرى قادة حقيقين للعلويين قبل فوات الأوان؟؟؟ … هذا شأنهم.
فواز تللو – سياسي وباحث سوري
برلين – ألمانيا 4/4/2016