تبني طريقة النعامة في التعامل مع الأحداث :
6 / 2 / 2016
==========
هذه المقالة لا تعالج حدثا بعينه ، وإنما تعرض عددا من التصرفات ، تجمعها آفة مشتركة ، يمكن تعريفها بـ " الفهم السقيم " أو " التردد المُردي " أو " البطء البغيض في اتخاذ القرار" مما أثّر سلبا في إدارة الصراع الدائر بيننا وبين شبيحة العصابة الحاكمة ، ولولا ذلك لما كان له أن يطول .. وإليكم بعض الأمثلة المؤيدة لما نقول :
المثال الأول : [ ظاهرة التفرق والتنازع بين المجاهدين ]
مما لا يمكن إنكاره أن هنالك تفرقا مستحكما بين إخوتنا المجاهدين ، وهذا ما جعلهم فصائل يصعب إحصاؤها كثرة ، بل هذا ما دفع بعضهم إلى حمل السلاح على بعض ، وكانت بينهم دماء وأشلاء .. وهذا ما أثلج صدور أعدائنا ، وأطال في عمر معاناتنا . حتى قال بعض الشبيحة منوها بقوة المعارضة وبسالتها وشجاعتها : [ إن هؤلاء الإرهابيين لا يعرفون الخوف وليس في قاموسهم شيء اسمه الهزيمة . ولولا تفرقهم واختلافهم فيما بينهم لتمكنوا من دحرنا ودحر الميليشيات الإيرانية حتى طهران ..] .
ورغم ذلك ، فلو أراد أحدنا تحذير المجاهدين من الفرقة ، لقام إليه من يلومه ، ويدعى أن في ذلك إفشاء لسرٍّ ، قد يُفيدُ منه الأعداء ..
المثال الثاني : [ سلبية المشايخ من الثورة ]
ومما لا يسوغ إنكاره أيضا ، أن مشايخنا كانوا إما سلبيين بالنسبة للثورة ، وإما مترددين في ضم أصواتهم إلى أصوات الثائرين .. فمنهم من قال : إنها فتنة .. ومنهم من قال : إنها مؤامرة .. ومنهم من قال : إن القائمين بالثورة ليس لهم راية .. ومنهم من قال : إنهم شباب مندفعون لم يرجعوا في ثورتهم إلى أهل الحل والعقد .. ومنهم من قال إن الثورة على بشار هي خروج على ولي الأمر بدون وجه حق .. ومنهم من قال : إن المتظاهرين ينتعلون المساجد حين يدخلونها ، وإنهم لا يعرفون الركوع ولا السجود ، وإنهم حين ينطلقون من المساجد في مظاهرات ، فهم عصاة يثيرون الشغب ، ويقومون بسلوك محرم لم يأذن به الله ولا يقره الإسلام . أما الذين استجابوا لنداء الثورة منهم ، فلم يستجيبوا إلا بعد تردد ، فجاؤوا متأخرين ، وفاتهم أن يحتلوا مكان القيادة ، وكانوا أحق بها وأهلها .. وحين يقال هذا ، تجد هنالك من يقول لك : لا يجوز أكل لحوم العلماء.. يا سبحان الله ، ومتى كان قول الحق للعلماء غيبة لهم وأكلا للحومهم .؟
المثال الثالث : [ التردد في شأن داعش ]
وحين ظهر تنظيم داعش ، تنبَّه بعض الإخوة إلى خطره ، وأدركوا أنه تنظيم مشبوه ، يختبئ تحت قبعة الإسلام ، وجلباب الخلافة ، وهو في حقيقته عدو للإسلام والمسلمين .. فمما لوحظ على الدواعش أنهم دخلوا سوريا فبدؤوا يحررون المحرر ، ويقاتلون الجيش الحر ، ويغتالون قياداته خاصة ، ويكفرون المسلمين ، ويرفضون القتال تحت راية السوريين ، ولا يقبلون بمحاكمهم الشرعية بدعوى أنهم مرتدون .. أضف إلى ذلك أن علاقة الدواعش بالنظام النصيري هي " سمنٌ على عسل " فالنظام تخلى لهم عن الرقة ليدخلها خليفتهم البغلدادي بسلام .. والفرقة الـ 17 كانت إلى جوار داعش لمدة سنة ولم يكن بينهم أي تراشق بالرصاص ...
فلما قام من يهاجم الدواعش ويدعو إلى قتالهم ، كان هنالك من حرم البدء بقتالهم ، وزعم أنهم لا يقاتلون إلا قتال الدفع . واعتبرهم من البغاة الذين يعاملون كما قال الله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما .. فإن بغت إحداهما فقاتلوا التي تبغي " ..
فقالوا: الدواعش إخواننا بغوا علينا.. لا يبتدؤون بقتال ، ولا يلاحق هاربهم ، ولا يجهز على جريحهم .. مما مكنهم من البقاء والتمدد واحتلال نصف التراب السوري .. كما مكنهم من تصفية الجيش الحر والقضاء عليه .. وتقديم أعظم الخدمات لنظام العصابة الحاكمة ..
ولولا تردد العلماء في أمر داعش ، لما كان لها أن تتمدد وتبقى . ويا ويح من لا يعرف عدوه من صديقه ، حتى يكون ضحية من ضحاياه ..
المثال الرابع : [عدم إحساس بعضهم بخطر الهجمة الحالية على حلب]
وأختم بهذا المثال كمؤشر على الفهم السقيم الذي أصبح من أدوائنا المستعصية على الشفاء ، وأعني به عدم إحساس بعضهم بالهجمة الشرسة على حلب في هذه الأيام ، مع أنها باتت على مقدار مخيف من الوحشية والهمجية ، مما يحتم على العقلاء أن ينبهوا الثوار إلى أنه لا ينقذ حلب منها سوى تصديهم للهجمة صفا واحدا كأنهم بنيان المرصوص ، ودعوت الآخرين إلى مؤازرتهم .. وقلت إنه إذا لم يتنبه إخوانهم إلى خطورة الموقف ، فأخشى ما نخشاه أن تسقط حلب .. وإن سقوط حلب ليس أمرا يسيرا ، وإنما هو أمر جلل ، قد يترتب عليه ضياع الثورة كلها - لا سمح الله - ..
فقام إليَّ أحدهم ، فخطأني وسفه رأيي .. وكاد أن يرميني بتهمة الخيانة العظمى .. وزعم أني أثبط العزائم ، وأدعو إلى الإحباط .. ونهاني أن أتحدث بما ليس من صلاحياتي ..
والسؤال هنا :
ماذا يمكن أن نسمي هؤلاء الذين يلومون الناصحين .؟ ويخطئون المحذرين من خطر يتهدد حياة مدينة كحلب فيها أكثر من مليون ونصف المليون مواطن مدني ؟ وهل حقا أن من يحذر قومه من خطر محدق بهم يكون عميلا لعدوهم ؟ وهل من الحكمة أن نسكت إلى أن يقع الفأس في الرأس ؟ أي منطق أبله هذا .؟؟ وأي غباء .!!
رحم الله الداعية الكبير المعاصر الشيخ محمد الغزالي حيث قال : " يكفي أن تكون غبيا ، لتقدم إلى عدوك أعظم الخدمات " ...
ويا حزنا على قوم لا يحسنون التفكير إلا على طريقة النعامة ، فهي إذا رأت الصياد دست رأسها في التراب لئلا يراها .. فإذا أمسكها ووضَعَ الجوربَ في رأسها ، وغطّى به عينيها ، عَرَفتْ أنها صيدتْ .. ولو نطقتِ النعامة لقالت : كم كانت غبية حين اختارت أن تدس رأسها في التراب ، ولم تتفادَ الخطر قبل وقوعه .!!