نفحاتٌ من عَبَقِ التاريخ الإسلامي :
12 / 1 / 2016
أبو ياسر السوري
=============
القدوةُ ضروريّة في حياة المسلم .. وحَسَنٌ أن يجد المرء لنفسه مثلا أعلى ، يقفو إثره ، ويتحلى بأخلاقه وسمته ، ويفيد من دينه ونسكه .!!
لذلك قال تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة " ...
 نقرأ سيرته صلى الله عليه وسلم فنتعلم من خلقه العظيم ، ونقتدي به في عباداته ومعاملاته ، في بيعه وشرائه ، في بيته مع أهله ، وفي مسجده مع أصحابه . في سفره وحضره ، في سلمه وحربه . في جده ومزاحه .. نعم في مزاحه .. فقد كان صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ، ولكنْ لا يقول إلا حقا . جاءته عجوز تسأله أن يجعلها الله من أهل الجنة فقال لها " لا يدخل الجنة عجوز " فولت تبكي . قال ردُّوها ، فأخبرها أنها لن تدخل الجنة وهي عجوز ، وإنما يُرَدُّ إليها شبابُها ووضاءتُها وحسنُها وجمالُها .. وقرأ عليها " إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلناهن أبكارا * عربا أترباً * لأصحاب اليمين * "
عاش عليه الصلاة والسلام بعد البعثة 23 سنة قضاها كلها مجاهدا في سبيل الله ، جاهد في كل الميادين ، جاهد في ميادين القتال ، وجاهد في ميدان الدعوة إلى الله ، واجتهد في تعبده لربه ، وجاهد في تعليم أصحابه ، فربى جيلا هيأه لأن يفتح الدنيا من بعده ، ويطيح بفارس والروم بنطحة هناك في القادسية ، ونطحة هنالك في اليرموك .. كان صلى الله عليه وسلم يتقدم الصفوف في المعارك ، حتى قال علي رضي الله عنه : كنا إذا حمي الوطيس واحمرت الحدق ، نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلهو أقربنا إلى العدو .. وربما فرَّ عنه أصحابه إلا قليلا منهم ، وبقي هو ثابتا في مكانه ، كما حصل يوم حنين ، لما فوجئ المسلمون برشق النبال في وجوههم ، فأداروا ظهورهم وانكفؤوا عنه إلى الوراء .. فثبت النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه كالطود الأشم الراسخ ، وجعل يوجه بغلته باتجاه المشركين ، وهو يردد قائلا " أنا النبيُّ لا كَذِبْ : أنا ابنُ عبد المطَّلِبْ " .. فمن ثباته تعلموا الثبات .!!
وينزل عليه قوله تعالى " يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * " فيقول لخديجة : " مضى عهد النوم يا خديجة " فكان صلى الله عليه وسلم بعدها يقوم من الليل حتى تورمت قدماه .. فقيل له : ارفق بنفسك يا رسول الله ، أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر .؟ فيقول صلى الله عليه وسلم : " أفلا أكون عبدا شكورا .!!
من يقرأ سيرة رسول الله عليه الصلاو والسلام ، وسيرة أصحابه من بعده ، والتابعين لهم بإحسان ، لا يدري أين يضع نفسه بالنسبة لهؤلاء الرجال .؟  
سيف الله خالد بن الوليد ، يمسك القرآن ويبكي ، ويعتذر لكتاب الله قائلا : " شغلني عنك الجهاد في سبيل الله " .. يا سبحان الله .!! ونعم الشاغل الجهاد ، أليس هو ذروة سنام الإسلام ..
وعبد الله بن المبارك ، كان صديقا للفضيل بن عياض ، وكان الفضيل ممن ترك الجهاد في سبيل الله ، ولزم الحرم المكي ، يتعبد فيه بالصلوات الخمس جماعة ، والصلاة فيه بمائة ألف صلاة ، ويكثر من الطواف بالكعبة المشرفة ، ويصوم ، ويقوم ، وينشر العلم بين تلاميذه الذين كانوا يلازمونه في الحرم ، وينهلون من خلقه وعلمه . فكتب إليه صاحبه عبد الله بن المبارك أبياتا قال فيها :
يا عابدَ الحرمين لو أبصرتَـنا : لعلمـتَ إنَّـك في العبادة تلعبُ
من كان يخضبُ خدّه بدموعه : فـنحـورُنــا بـدمائـنا تتخضّبُ
أو كان يُتعِبُ خـيلَه في باطـلٍ : فخـيـولُنا يوم الصبيحةِ تتعبُ
ريحُ العبيرِ لكمْ ونحنُ عبيرُنا : رَهجُ السَّنابك والغبارُ الأطيبُ
ولقـد أتـانـا مـن مقـالِ نـبـيّـنا : قـولٌ صحـيحٌ صادقٌ لا يكذبُ
فغبارُ خيل الله في أنف امرئٍ : لا يستوي ودُخَان نـارٍ تلهـبُ
هـذا كـتاب الله ينطـق بـيـنـنــا : لـيس الشهيد بمـيت لا يكذبُ
فبكى الفضيلُ رحمه الله وقال : صدقَ عبدُ الله ونصحني ، فجزاه الله عني خيرا .. وكان مما يعلم الفضيل تلاميذه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم  :( لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله عز و جل ودخانُ جهنمَ في مِنْخَرَيْ مُسلِمٍ أبداً ) .