بابا عمرو وليس بابا غنّوج
كنت كغيري من العساكر أتصيّد الفرص للهروب إلى البيت وخصوصاً أن خدمتي العسكرية كانت في نادي الضباط
ولاحاجة للحديث عن رشوة الضباط بدوسيهات الطعام والراتب المقطوع للمعلم والهدايا لزوجة المعلم وبنت المعلم
فجأة تغيّرت التساهيل فاستدعاني المعلّم جهاد اسماعيل لأجد نفسي على حاجز الطوق في حي بابا عمرو
كان القيام بالقتل شيء يومي للعناصر العلوية التي كنت برفقتها ..رأيت المئات من الجثث بفعل عمليات القنص والقصف العشوائي التي كان يمارسها هؤلاء القتلة والتي كانت تتعفّن لأنه لاأحد يجرؤ على سحبها
أطفال ونساء وشيوخ وشباب ..كان العقيد جهاد يعدني كل مرة بإعادة فرزي ولكنني بقيت أشم وأرى الموت لمدة سنة وشهرين ..جئت ذات مرّة إلى الحاجز فوجدت فتاة بحالة سيئة شبه عارية.. ملابسها ممزّقة فسألت الرقيب لورنس :
شو تهمتها ؟
فقال لي : سنّية مابكفّي ؟
قلت له : وين النقيب ؟ عنجد عم تحكي ؟
فرد بسخرية : بحضّي ماعم اكذب عليك .. جاية على بالك تدوق طعمها ماراح تنساه بعمرك
فقلت له متحججاً : مقرفة ..انتو الكل قمتوا بالمواضيع وتركتولي الفضلة
اقتربت منها وسألتها : شو اسمك ؟
قالت : سهيلة .....الله يخليك اتركني روح والله ماساويت شي
أدرت ظهري لأني لاأملك حيلة
كان صوت المسكينة وهي تغتصب مفزع كأنين المرعوب فقد كان المجرمون يضربونها إذا صرخت فكأن الأنين هو الأمثل لها
جاء الملازم وجدي إبراهيم عاصـي وهو علوي من القدموس فراح يسبهم ويشتمهم لأنهم تركوا المرابطة على الحاجز وانشغلوا بملذاتهم فسمعت طلقة نارية فركضت لأرى سهيلة تلفظ أنفاسها وهي تحاول تغطية فخذيها وتتكوّر على نفسها رويداً رويداً إلى أن لفظت أنفاسها وهي تهمس الشهادة
كان بيد سهيلة خاتم ذهبي صار من نصيبي من الغنائم (أغراضها ومسوغاتها) بحسب قسمة الملازم وجدي الذي اتصل بدوره ليحدث أحد ضباط الفرع
ويضحك وهو يقول :
نصيبي أنا الكلسون ..صدقني لأحتفظ فيه كذكرى واشرب كاس عرق وأنا عم شمّو
نجحت الواسطة وانتقلت خدمتي كحاجب عند العقيد جهاد اسماعيل
كنت لاأبالي بحرب العلويين والشيعة على المسلمين السنّة لأني كنت مسيحياً مع اني لم أرى كاهن الكنيسة إلا مرتين في حياتي واحداها في الشارع يعني مسيحيّاً نص نص
حصلت على اجازة مدتها 3 ايام ولكني وجدت والدتي تلبس الأسود فقال لي : ابن عمي
لقد قتلوا أختك مايا بعد أن اغتصبوها في الفرع 261 أمن عسكري التابع لشعبة المخابرات العسكرية بعد اعتقالها على الحاجز
وأين هي ؟
: لانعرف ولكن جاء إلى أبيك مجنّد شاهد عملية اعتصابها وقتلها وجلب علامة خاتمها الذهبي خبأته أمك هنا
هاهو
أمسكت خاتم سهيلة كنت قد أهديته لأختي عندما حصلت على اجازة مبيت في المرة السابقة
لست أدري وكأني نسيت هل قصصت لأختي الشهيدة قصة الخاتم ام لا ؟
هل ضاعت ذاكرتي ؟ لا لم تضع لأني حاولت ارجاعه بعد استشهادها إلى ام سهيلة عندما زرتها في منزلهم المتواضع
سألتني ام سهيلة كيف حصلت عليه ؟ وأين ابنتي ؟ واين وكيف ..آلاف الأسئلة التي توقفت عندما قلت :
الله يرحمها ..
ولكن صرخات ام سهيلة ودموعها لم تتوقف وقهقهات الوحوش العلويين تكاد لاتفارق أذني
ترى هل فعلوا بأختي مايا مافعلوه بسهيلة ؟ هل تناوبوا عليها ؟ هل قال أحدهم : لأنها مسيحية مابيكفّي؟
ترى هل انتقم الله من قتلة مايا وسهيلة؟
فقد كان المجرم الدرزي عصام زهر الدين يصرخ كالعجل الضائع :
3000 آلاف جندي استشهدوا في بابا عمرو
لقد قالها هكذا بابا عمرو نعم قالها رغم أنه صرّح بعنجهية حيوانية قبل ان يدمّرها مع ضباطه العلويين
سأجعلها بابا غنوج
اليوم أنا أحتفظ بخاتم سهيلة لأن أمها وأخيها رفضوا استلامه لأنني رفضت أن أدلهم على مكان جثتها
وماعساني ان أفعل ؟ هل أعترف لهم بأني كنت أراقب ابنتهم وهي تغتصب؟
أم أقول لهم باني خذلتها كما خذلت أختي؟
ظل خاتم سهيلة معي كما ظلت بابا عمرو في عقول الحماصنة
كما ظلت في عقول العلويين والشيعة المريضة بابا غنوج
وكما ظل سؤال وتصوّر يلازم وجداني :
هل كان الأنين هو الأمثل بالنسبة لأختي الشهيدة مايا ؟
وهل يشرب أحدهم كاس عرق وهو يشم ....؟
أسامة جرجس
تجمّع العلويون السنة