أفكار مضيئة : لا تكن جريئا على الفتوى ، فالمفتي على خطر
12 / 11 / 2015
أبو ياسر السوري
============
بانتشار النت ودخول وسائل التواصل الاجتماعي ، صار بإمكان من شاء ، أن يقول ما شاء ... وصار من لا يعرف أي شيء ، يتكلم في كل شيء .. فالأمي يتكلم في دقائق العلم ، ويفصل في مسائل الخلاف .. وبائع الخضار يتكلم في قضايا الاقتصاد وعوامل الازدهار .. ومن لا علم له في قضايا العسكرية يتنطح لرسم الخطط الحربية ويزاحم على قيادة الجيوش .. ومن لا يسمع بأبجديات السياسة يتصدي للرئاسة ..
وطبعا كل هذا وذاك ، هو من الخطأ الذي يتحتم اجتنابه ، لأنه لا يعود على الأمة بخير .. لذلك جعله النبي أحد أمارات الساعة ، قال صلى الله عليه وسلم " إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة " أي انتظر خراب العالم . فالجاهل لا يقود من وراءه إلى خير قط . بل إنه ليجلب الضرر إلى نفسه قبل غيره . حتى قيل " الجاهل يفعل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه " .. 
وتعالوا نضرب أمثلة على هذا ، لتتضح الفكرة ويسهل استيعابها ، ولا حاجة لضرب أمثلة بضرر من يتكلم في التجارة ، ويتسبب في الخسارة .. ولا بمن يزاول السياسة ،  فيجلب لمن وراءه الفشل والتعاسة .. ولا بمن يزاولون الطب العربي ، ويداوون بالحشائش التي تنمو على تربة معالجة بالسماد البلدي ، وما يترتب على ذلك من جلب المضرة للناس .. وحسبنا إيراد صور بسيطة من أسباب اختلاف الفقهاء ، وتباين الفتوى بين عالم وآخر بناء على ذلك ..
(1) : قال العلماء : إن من أسباب الاختلاف في الرأي " الاشتراك اللفظي " بأن يكون للكلمة الواحدة أكثر من معنى .. فمثلا خذ كلمة " القرء " من قوله تعالى " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " هي لفظ مشترك بين الطهر والحيض .. فالحجازيون اعتبروا العدة بالأطهار ، مستدلين بتأنيث العدد " ثلاثة " الذي يدل على أن معدوده أطهار ، جمع طهر وهو مذكر .. ولو أراد بالقرء الحيض لقال " ثلاث قروء " لأن مفرد الأقراء قرء أي حيضة وهي مؤنثة ...
وقال العراقيون : القرء هو الحيض ، بدليل ما جاء في الحديث النبوي " اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك " أي أيام حيضاتك . بقرينة أمرها بترك الصلاة . ولا يأمر الشارع المرأة بترك الصلاة أيام الطهر ، وإنما أيام الحيض . 
(2) : قد يكون سبب الخلاف اختلافهم في معنى حرف في سياق الكلام ، كاختلافهم في معنى (أو) من قوله تعالى [ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ (أَوْ) يُصَلَّبُواْ (أَوْ)  تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ (أَوْ)  يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ] .
فقال بعضهم (أَوْ) للتخيير . والحاكم مخير أن يعاقب المفسدين في الأرض بواحدة من هذه العقوبات الأربع [ القتل ، أو الصلب ، أو القطع ، أو النفي من الأرض ] .
وقال آخرون : (أَوْ) في الآية للتفصيل وليست للتخيير :
- فمن حارب ، وقتل ، وأخذ المال ، صلب .
- ومن قتل ، ولم يأخذ المال ، قتل .
- ومن أخذ المال ولم يقتل ، قطعت يده ورجله من خلاف .
- ومن أخاف المسلمين نفي من الأرض .
واحتجوا بقوله تعالى (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ ) بأن (أو) للتفصيل . لأن اليهودي لا يخير بين اليهودية  والنصرانية . وكذلك النصراني لا يخير بين النصرانية واليهودية .. وإنما يدعو كل منهم لدينه زاعما أن الهداية فيه وحده .
(3) : ومن الاشتراك اللفظي . أن يكون للفظة حقيقة ومجاز . كطول اليد في قوله صلى الله عليه وسلم ( أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا ) فيحتمل طول اليد الحقيقي . ويحتمل طول اليد في الجود والكرم .. تقول عائشة فانطلقنا ننظر من منا الأطول يدا ؟ فكانت زينب هي الأسرع لحاقا به صلى الله عليه وسلم ، لأنها كانت الأكثر صدقة . وهو المعنى الذي أراده صلى الله عليه وسلم .
(4) : ومن الاشتراك الحرفي . حرف الباء في قوله تعالى ( وامسحوا برؤوسكم ) فالباء تصلح للتبعيض ، و للملامسة ، وللزيادة . فمن رآها للتبعيض قال يكفي في الوضوء مسح شعرات من الرأس .. ومن رآها للملامسة ، قال يكفيه أن يمسح من رأسه مقدار أداة اللمس وهي أربع الأصابع من اليد .. ومن قال الباء زائدة  ، قال يجب مسح الرأس كله ..
فالأئمة لم يقرروا الأحكام الفقهية من غير دراية حاشاهم ، وإنما كانوا على بصيرة من لغة العرب ، التي تتنزل عليها النصوص .
فالله . الله . يا من يسارعون إلى الإفتاء في الفيسبوك .. إن هذا الأمر دين ، فلا يخوضن فيه من لا يعرف ، فيقول باطلا ، فيحمل تبعته وتبعة من عمل بفتواه إلى يوم القيامة ..