لماذا قتل العميد محمد سليمان الذي كان "كل شيء" في سوريا؟
بسام جعارة
بعد استقبال العاهل المغربي لبشار الأسد في آذار (مارس) عام 2001 كتبت خبر الوصول والاستقبال بصفتي مديراً لمكتب الوكالة العربية السورية للأنباء في الرباط وقدمته لجبران كورية المستشار الصحافي لرئيس الجمهورية، وعندما طلب مني أن أعرضه على العميد محمد سليمان استغربت وقلت متعجباً: وما علاقة العميد سليمان بالشأن الصحفي وأنت المستشار الإعلامي للرئيس فقال بإجابة قاطعة: هو كل شيء.
ولكن من هو العميد سليمان الذي قال عنه جبران كورية إنه كل شيء؟
عندما تسلم بشار الأسد اللواء 41 للحرس الجمهوري بعد وفاة أخيه باسل تسلم العميد سليمان منصب مدير المكتب الخاص لبشار وأصبح يدير غرفة العمليات الخاصة به والتي تتعلق بنقل الضباط وتسريحهم ومتابعة شؤون الجيش والأمن وأسس مكتباً خاصاً بالتنسيق مع مكتب المعلومات التابع للقصر الجمهوري لمتابعة الوضع الداخلي، وأصبح بعد وفاة حافظ الأسد في عام 2000 يدير غرفة العمليات التي تشرف على الأجهزة الأمنية، وكان المسؤول الأول عن تسمية أعضاء اللجنة المركزية والقيادة القطرية للحزب في المؤتمر القطري لحزب البعث عام 2000، ولاحقاً في المؤتمر القطري عام 2005، وأسندت إليه كافة الملفات المتعلقة بالجيش وألحقت به رئاسة الأركان ووزارة الدفاع، وكان العميد سليمان يدير من خلف الستار تعيينات الوزراء والمحافظين وعندما يتحدث العالم الآن عن ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية أتذكر مباشرة العميد محمد سليمان لأنه كان يختزل بشخصه جميع مؤسسات الدولة من القضاء إلى الجيش بالإضافة الى الحزب.
هو إذن كل شيء تماماً كما قال جبران كورية، وكان من الطبيعي أن يتسلط على الإعلام ويقرر هو، وليس المستشار الصحافي جبران كورية الأخبار المتعلقة برئاسة الجمهورية.
هذا الـ"كل شيء" كان أيضاً عضواً في مجلس إدارة مركز البحوث العلمية التابع لوزارة الدفاع والمسؤول الأمني الأول عن المركز، وهو الموقع الذي مكّنه من الاطلاع على برامج تصنيع الأسلحة الكيميائية والصواريخ بل والذرية أيضاً، وهذا الموقع هو الذي مكنه، باعتباره "كل شيء"، من تصفية عالم الكيمياء السوري الدكتور أيمن الهبل، وقلع عين عالم فيزيائي آخر بعد افتعال حادث سير مع سيارته، ويومها نزل السائق وضرب الباحث الفيزيائي بقضيب حديد قبل أن يقول له: لكي لا تتمكن بعد اليوم من استخدام المجهر.
يومها جاء من يخبرني أن العميد محمد سليمان أقدم على تصفية الدكتور الهبل بتهمة التجسس للموساد، ومن دون إجراء أي محاكمة ولو صورية كما يفترض.
ولكن لماذا تخلص محمد سليمان من الدكتور الهبل ومن عالم الفيزياء السوري؟ محمد سليمان كان "البطل المجهول" في أبرز العمليات التي نفذها الموساد الإسرائيلي، من الغارة الجوية على موقع "الكبر" (حلبية - زلبية) قرب دير الزور في أيلول (سبتمبر) 2007، إلى الاغتيالات التي استهدفت عماد مغنية القائد العسكري والأمني في "حزب الله"، ومحمد المبحوح، القائد في حركة "حماس"، وعدد من القيادات الفلسطينية، والصور التي التقطت لموقع الكبر حلبية - زلبية أخذت من الأرض وليس من الجو، ومن قرب الموقع وداخله، فضلاً عن الصورة التي جمعت بين مدير هيئة الطاقة الذرية السورية وزميله الكوري الشمالي، ومنصب محمد سليمان كمسؤول أمني عن مركز البحوث ومديراً للمكتب العسكري لبشار الأسد كان يسمح له بالتجول والتحرك بحرية مطلقة في جميع الأمكنة، وكان من المستبعد الشك به ليس لانتمائه الطائفي فحسب بل لأنه من رفاق باسل الأسد وكذلك شقيقه ماهر وبعد ذلك بشار.
ومحمد سليمان هو من سلم البريد الالكتروني الخاص ببشار الأسد إلى جهاز الموساد الذي تمكن من الدخول إليه ونسخ جميع ما فيه بشكل مستمر طيلة فترة طويلة.
ومحمد سليمان هو من اتهم بتسليم إسرائيل المعلومات الخاصة بالزيارة الأخيرة لعماد مغنية إلى دمشق وكل ما يتعلق بتفاصيلها، ولذلك جاءت الرواية التي تقول أنه كان لجهاز أمن حزب الله والمخابرات الروسية اليد الطولى في كشف ارتباط محمد سليمان بجهاز الموساد منذ أن كان يتابع دراساته العسكرية في روسيا، ويومها أخبرت المخابرات الروسية نظيرتها السورية بتلك العلاقة ولكن لم يتخذ أي إجراء بحقه ولو من باب السؤال.
في الثاني من آب (أغسطس) 2008 اغتيل العميد محمد سليمان في الشاليه الخاص به في مدينة طرطوس حيث وكما تقول الرواية الرسمية أطلقت النار عليه في ظهره ورقبته في ساعة متأخرة من الليل بعد أن تم قطع الكهرباء عن المنطقة، وتم اتهام جهاز الموساد الإسرائيلي باغتياله.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لم يكن العميد سليمان يوم اغتياله في رفقة بشار الأسد خلال زيارته لطهران باعتباره المسؤول الأول عن التسليح والتعاون النووي، وعن تهريب السلاح إلى حزب الله؟... يذهب مع بشار إلى المغرب في زيارة لا تحمل الطابع العسكري ويغيب عن زيارة طهران الشريك الأساسي في التعاون العسكري، وهو المسؤول الأول عن ملفاتها؟
اغتيال محمد سليمان جاء بعد أقل من ستة شهور على اغتيال الزعيم العسكري في حزب الله عماد مغنية ومسار التحقيق الذي أجرته اللجنة المكلفة بالتحقيق انحرف باتجاه آخر يتناقض مع الرواية الرسمية بعد اكتشاف 80 مليون دولار نقداً في فيلا محمد سليمان، الأمر الذي "صدم" بشار الذي كان حريصاً على معرفة "كيفية" حصول سليمان على هذا المبلغ، وبعد أن جاءته الإجابة قال: لقد خانني... خانه شخصياً ولم يرتكب خيانة بحق بلده!
وبالنتيجة فإن ما حدث يؤكد أن "الاغتيال السياسي" هو أهم ثروة ورثها بشار الأسد عن أبيه.
بدأنا بجبران كورية المستشار الإعلامي في القصر الجمهوري ونكمل به أيضاً.
في نهاية السبعينات من القرن الماضي تلقى جبران عرضاً مغرياً من صحيفة أردنية وكان وقتها يعمل في صحيفة "تشرين"، وعندما علم حافظ الأسد بالعرض، وبموافقة جبران على العمل في الأردن استدعاه وطلب منه أن يعمل مستشاراً إعلامياً في القصر الجمهوري، وكان خلال عمله يحظى بتقدير حافظ الأسد بسبب كفاءته وإخلاصه.
قبل زيارة البابا إلى دمشقش في عام 2006 جاء بشار في أحد أيام الجمع إلى مكتبه مبكراً على خلاف العادة وفور وصوله طلب مسودة الكلمة التي سيلقيها ترحيباً ببابا الفاتيكان، وعندما قيل له إن جبران لم يحضر بعد ولا يرد على الاتصالات الهاتفية طلب منهم إجراء اللازم.
من أجرى "اللازم" يومها هو محمد سليمان الذي أرسل دورية إلى منزل جبران أتت به موجوداً، ولم ينفع اعتذاره انه كان في الحمام ولم يسمع صوت الهاتف أو القرع على الباب قبل اقتحام المنزل، ولم يشفع له أيضاً كبر سنه لأنه كان قد تجاوز السبعين من عمره.
تلقى جبران بعد اقتحام منزله الضرب والركل وانتهى الأمر بسجنه عدة أيام في مكتبه كي لا يكرر فعلته... وبعدها بفترة قصيرة أحيل إلى التقاعد وغادر إلى المانيا للعلاج من ورم خبيث، ولكن بشار طلب منه العودة فعاد وكان حتى لحظة وفاته يعتقد أنه سيعود إلى عمله في القصر الجمهوري.
الكوميدي - تراجيدي في الحكاية أن جبران استمر في كتابة المقالات التي تدافع عن بشار الأسد رغم ما فعله به... هل كان ذلك خوفاً أم أنه سلوك العبيد؟... لا أملك الإجابة.