قصة : وكانت المفاجأة .!! :
بقلم : ابو ياسر السوري
26 / 8 / 2015
==========
المفاجأة هي الأمرُ غير المتوقَّع ، التي قد تهبطُ على صاحبها من السماء ، أو تخرُجُ له من جوف الأرض.!!
وقد اعتاد البشرُ أن يخافوا من المفاجآت . ويستعيذوا من شرِّها . لأنها من المجهول ، والمرءُ عدو لما يجهل .. فقد تأتيه المفاجأةُ بشيء لا يحبُّه أو لا يطيقه أو لا يرتاح إليه ، وقد تحمل إليه فقراً دائما . أو مرضاً ملازماً .. أو خصومة لا يقوى على تكاليفها .. ولكنْ هل من الضرورة أن لا تكون المفاجأة إلا شرا محضا .؟؟ ألا يمكن أن تكونَ خبراً سعيداً ، يجدد حياتنا ، ويجعل لها معنى آخر ..
ما ضررُ المفاجأة ؟ سواء أكانت خيرا أم شرا .؟ الا يمكن أن تكون سبباً لتجديد النشاط الحيوي . والخروج من النمطيَّة والرَّتابة المُمِلّة . فبنو إسرائيل أُطعِمُوا المَنَّ والسلوى في التيه فملُّوهما ، وطلبوا البقل والقثاء والعدس البصل والثوم .!!
كان أبو أحمد رجلا مستورَ الحال ، من أبناء الريف ، كانت له دار واسعة ، سياجها جدارٌ بارتفاع نصف قامة فقط ، وليس لديه فيها سوى غرفة واحدة كبيرة ، مقامة في زاوية منها ، كانت هي مأوى له ولزوجته وأبنائه الأربعة وبناته الثلاث . سقفُها من الخشب والطين ، قد اتخذت الفئرانُ لها مسارب في جدرانها ، حتى بات جيشٌ منها يشاركهم في الغذاء والمأوى .. كانت دارهم ضمن مزرعة صغيرة ، كانوا يعملون في حراثتها وزراعتها وحصادها وجمع محصولها إلى نهاية فصل الصيف ، فيدخرون مؤونتهم من الحنطة لخبزهم ، ويشترون قدراً من التمر والزبيب يتحلَّون بهما في ليالي الشتاء ..
ما كانوا يطيلون السهر لئلا يسرفوا بزيت الكاز الذي يسرجون به المصباح " فلم تكن الكهرباء قد وصلت إلى الريف آنذاك " .. فإذا طلع النهار ، عُمِر الموقدُ بالحطب الذي كانوا أعدُّوه سابقا من تقليم أشجار الزيتون ، فأوقدوا عليه حتى كان جمرا . وتحلقوا حوله طلبا للدفء " وتفكها بالحرارة " فالنار فاكهة الشتاء .. وهكذا كانت تجري حياة أبي أحمد وأسرته .. ما يُمسون فيه يُصبحون عليه . وما يُصبحون عليه يُمسون فيه .. حياة هادئة بسيطة ، لا صخب فيها ولا تعقيد ..
فكّر ابو أحمد بحفر بئرٍ في مزرعته الصغيرة، وبينما هو يحفر وجد كنزا من الذهب الخالص .!! فقلب حياته رأسا على عقب . فبنى حول مزرعته سياجا بارتفاع خمسة أمتار ، وأقام فيه بوابة حديدية ضخمة ، وشيد ثمانية غرف داخل هذا السياج المغلق ، فخصص لكل واحد من أولاده أو واحدة من بناته غرفة غرفة . وقرَّر أبو أحمد أن يعيش هو وأسرته وحيدين بعيدين عن البشرية . فلديهم ما يكفيهم من المال . ولا حاجة لهم برؤية وجوه الآخرين .. ولماذا يخالطون الناس ، ويكونون عرضة لحسدهم .؟ لقد قرر ابو أحمد أن يشكل لنفسه دولة مستقلة ، على غرار تفكير الأكراد حاليا بإقامة دولة مستقلة لهم ، بعيدا عن العرب والعجم .. وهكذا اشترى أبو أحمد سلاحا وذخيرة ، فحمَّل كل واحد من أولاده بندقية رشاشة ، وحمَلَ هو واحدة .. وكانوا يتناوبون الحراسة ليلا من فوق أبراجٍ أقاموها للحراسة خصيصا ..
::::
وفي إحدى ليالي الشتاء ، فكر مختار القرية المجاورة بزيارة أبي أحمد في مزرعته . بقصد أن يتقرب منه ، وينشئ معه صحبة ، لعل عدوى الغنى تسري إليه ، فيهبط عليه الثراء فجأة كما هبط على أبي أحمد .!! أو لعله يعرف منه السبب الذي حوله إلى هذا الغنى الواسع ، فيأخذ بنفس السبب فيصير هو غنيا كذلك .؟؟
خرج المختار هو ونفر من أعضاء القرية والمقدمين فيها ، ويمموا باتجاه مزرعة أبي أحمد .. ولسوء الحظ وجدوا بوابة السياج غير مقفلة .. فولجوا داخل المزرعة دون استئذان ، وأخذوا طريقهم إلى دار أبي أحمد التي كان بناها داخل السياج ، وأحاطها بجدار مرتفع ، يشبه سور قلعة حربية .. حتى إذا كانوا غير بعيد من الدار ، صاح أحد الأبناء المكلف بالحراسة في تلك الليلة بأعلى صوته : اللصوص .. اللصوص .. اللصوص .. فتراكض إخوته وأبوهم ، وبنادقهم في أيديهم ، فصعدوا على الأبراج ، وأخذوا وضعية الرمي رشا .. وفتحوا النار من بنادقهم على المختار وصحبه ، فأردوهم قتلى جميعا ..
::::
ومع إشراق صباح تلك الليلة المشؤومة ، كانت الشرطة والطبيب الشرعي ولفيف من أهالي القرية المجاورة يقرعون عليهم الباب ..
- من بالباب ؟؟؟ وماذا تريدون .. ابتعدوا خيرا لكم ..
- الشرطة .. افتح .!!
وما هي إلا لحظات حتى جرى تفتيش البيت ، وضبط السلاح والذخيرة . وسيق الأب وابناؤه الأربعة ، لينالوا الحبس المؤبد ، في زنازينهم المنفردة ، داخل سجن عزاز ..!!
حقا .. اللهم إنا نعوذ بك من فجاءة نقمتك . وتحول عافيتك ..
26 / 8 / 2015
==========
المفاجأة هي الأمرُ غير المتوقَّع ، التي قد تهبطُ على صاحبها من السماء ، أو تخرُجُ له من جوف الأرض.!!
وقد اعتاد البشرُ أن يخافوا من المفاجآت . ويستعيذوا من شرِّها . لأنها من المجهول ، والمرءُ عدو لما يجهل .. فقد تأتيه المفاجأةُ بشيء لا يحبُّه أو لا يطيقه أو لا يرتاح إليه ، وقد تحمل إليه فقراً دائما . أو مرضاً ملازماً .. أو خصومة لا يقوى على تكاليفها .. ولكنْ هل من الضرورة أن لا تكون المفاجأة إلا شرا محضا .؟؟ ألا يمكن أن تكونَ خبراً سعيداً ، يجدد حياتنا ، ويجعل لها معنى آخر ..
ما ضررُ المفاجأة ؟ سواء أكانت خيرا أم شرا .؟ الا يمكن أن تكون سبباً لتجديد النشاط الحيوي . والخروج من النمطيَّة والرَّتابة المُمِلّة . فبنو إسرائيل أُطعِمُوا المَنَّ والسلوى في التيه فملُّوهما ، وطلبوا البقل والقثاء والعدس البصل والثوم .!!
كان أبو أحمد رجلا مستورَ الحال ، من أبناء الريف ، كانت له دار واسعة ، سياجها جدارٌ بارتفاع نصف قامة فقط ، وليس لديه فيها سوى غرفة واحدة كبيرة ، مقامة في زاوية منها ، كانت هي مأوى له ولزوجته وأبنائه الأربعة وبناته الثلاث . سقفُها من الخشب والطين ، قد اتخذت الفئرانُ لها مسارب في جدرانها ، حتى بات جيشٌ منها يشاركهم في الغذاء والمأوى .. كانت دارهم ضمن مزرعة صغيرة ، كانوا يعملون في حراثتها وزراعتها وحصادها وجمع محصولها إلى نهاية فصل الصيف ، فيدخرون مؤونتهم من الحنطة لخبزهم ، ويشترون قدراً من التمر والزبيب يتحلَّون بهما في ليالي الشتاء ..
ما كانوا يطيلون السهر لئلا يسرفوا بزيت الكاز الذي يسرجون به المصباح " فلم تكن الكهرباء قد وصلت إلى الريف آنذاك " .. فإذا طلع النهار ، عُمِر الموقدُ بالحطب الذي كانوا أعدُّوه سابقا من تقليم أشجار الزيتون ، فأوقدوا عليه حتى كان جمرا . وتحلقوا حوله طلبا للدفء " وتفكها بالحرارة " فالنار فاكهة الشتاء .. وهكذا كانت تجري حياة أبي أحمد وأسرته .. ما يُمسون فيه يُصبحون عليه . وما يُصبحون عليه يُمسون فيه .. حياة هادئة بسيطة ، لا صخب فيها ولا تعقيد ..
فكّر ابو أحمد بحفر بئرٍ في مزرعته الصغيرة، وبينما هو يحفر وجد كنزا من الذهب الخالص .!! فقلب حياته رأسا على عقب . فبنى حول مزرعته سياجا بارتفاع خمسة أمتار ، وأقام فيه بوابة حديدية ضخمة ، وشيد ثمانية غرف داخل هذا السياج المغلق ، فخصص لكل واحد من أولاده أو واحدة من بناته غرفة غرفة . وقرَّر أبو أحمد أن يعيش هو وأسرته وحيدين بعيدين عن البشرية . فلديهم ما يكفيهم من المال . ولا حاجة لهم برؤية وجوه الآخرين .. ولماذا يخالطون الناس ، ويكونون عرضة لحسدهم .؟ لقد قرر ابو أحمد أن يشكل لنفسه دولة مستقلة ، على غرار تفكير الأكراد حاليا بإقامة دولة مستقلة لهم ، بعيدا عن العرب والعجم .. وهكذا اشترى أبو أحمد سلاحا وذخيرة ، فحمَّل كل واحد من أولاده بندقية رشاشة ، وحمَلَ هو واحدة .. وكانوا يتناوبون الحراسة ليلا من فوق أبراجٍ أقاموها للحراسة خصيصا ..
::::
وفي إحدى ليالي الشتاء ، فكر مختار القرية المجاورة بزيارة أبي أحمد في مزرعته . بقصد أن يتقرب منه ، وينشئ معه صحبة ، لعل عدوى الغنى تسري إليه ، فيهبط عليه الثراء فجأة كما هبط على أبي أحمد .!! أو لعله يعرف منه السبب الذي حوله إلى هذا الغنى الواسع ، فيأخذ بنفس السبب فيصير هو غنيا كذلك .؟؟
خرج المختار هو ونفر من أعضاء القرية والمقدمين فيها ، ويمموا باتجاه مزرعة أبي أحمد .. ولسوء الحظ وجدوا بوابة السياج غير مقفلة .. فولجوا داخل المزرعة دون استئذان ، وأخذوا طريقهم إلى دار أبي أحمد التي كان بناها داخل السياج ، وأحاطها بجدار مرتفع ، يشبه سور قلعة حربية .. حتى إذا كانوا غير بعيد من الدار ، صاح أحد الأبناء المكلف بالحراسة في تلك الليلة بأعلى صوته : اللصوص .. اللصوص .. اللصوص .. فتراكض إخوته وأبوهم ، وبنادقهم في أيديهم ، فصعدوا على الأبراج ، وأخذوا وضعية الرمي رشا .. وفتحوا النار من بنادقهم على المختار وصحبه ، فأردوهم قتلى جميعا ..
::::
ومع إشراق صباح تلك الليلة المشؤومة ، كانت الشرطة والطبيب الشرعي ولفيف من أهالي القرية المجاورة يقرعون عليهم الباب ..
- من بالباب ؟؟؟ وماذا تريدون .. ابتعدوا خيرا لكم ..
- الشرطة .. افتح .!!
وما هي إلا لحظات حتى جرى تفتيش البيت ، وضبط السلاح والذخيرة . وسيق الأب وابناؤه الأربعة ، لينالوا الحبس المؤبد ، في زنازينهم المنفردة ، داخل سجن عزاز ..!!
حقا .. اللهم إنا نعوذ بك من فجاءة نقمتك . وتحول عافيتك ..