هندسة التغيير الديمغرافي في سورية بين الأسد وإيران و"حزب المتعة "
تعكس الهجمات الأخيرة الواسعة التي يشنها نظام بشار الأسد وميليشيا "حزب المتعة " اللبناني بدعم إيراني مطلق لا سيما في ريف دمشق، إلى انتقال الحلفاء الثلاثة إلى تطبيق فعلي لخطة إفراغ بعض المناطق السورية من سكانها الأصليين واستبدالها بآخرين يعلنون الولاء التام للأطراف الثلاثة، ولهذه الخطة ما بعدها من تأثيرات خطيرة على مستقبل سورية، وتعتبرها المعارضة السورية بداية فعلية للإعلان جهراً عن تقسيم البلاد.ويشير موقع "ميدل ايست بريفينغ" (MEB) الأمريكي المختص بالأبحاث وتقييم المخاطر إلى أن التحالف الثلاثي الذي يجمع الأسد وإيران وميليشيا "حزب الله" يبدو أنه قيد نفسه بإطار زمني معين لتأمين المناطق الحيوية تحقيقاً لأهدافهم الاستراتيجية المستقبلية، حيث تركز هذه الأطراف على مناطق معينة مثل غوطة دمشق بشكل عام ومدينة دوما بشكل خاص – التي تضم أحد أهم معاقل المعارضة في سورية – بالإضافة إلى منطقة القلمون، وسهل الغاب بريف حماه.
ويهدف الأسد وحلفاؤه إلى تفريغ مناطق ريف دمشق بشكل أساسي من تواجد قوات المعارضة (السنية) وخلق حزام يلف العاصمة من مؤيديه (العلويين والشيعة)، وذكرت مصادر على صلة بمسؤولين في نظام الأسد لـ"السورية نت" أن المخطط الإيراني يسعى لخلق منطقة نفوذ آمنة وخالية من التواجد السني لا سيما فئة الشباب، تمتد من الحدود اللبنانية غرب سورية وصولاً إلى دمشق شرقاً باتجاه منطقة السيدة زينب.
وأشارت المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها أن إيران تعزز تواجد العائلات الشيعية في المناطق الواقعة جنوب شرق دمشق لتشكيل خط آمن من ناحية السيدة زينب إلى مركز العاصمة، أما بالنسبة للمناطق السنية في جنوب دمشق فيجري العمل على اختراقها عن طريق "المصالحات والهدن" وشراء الذمم بحيث يصبح سكان المنطقة الواحد متسلطون على أبناء منطقتهم لصالح إيران ونظام الأسد.
ويلفت "ميدل ايست بريفينغ" إلى أن العمليات الأخيرة العنيفة التي شنها النظام وحليفاه (خصوصاً في الزبداني بريف دمشق) تشير إلى أن الأطراف الثلاثة قسموا أهدافهم إلى ثلاث مناطق، المنطقة الأولى ويرى فيها الحلف الثلاثي أنها غير قابلة للتفاوض، والمنطقة الثانية تضم المناطق التي يتعين على الحلف إبقائها تحت سيطرته؛ إما لحماية المنطقة الأولى أو لاستخدامها في وقت لاحق كورقة ضغط، فيما تندرج المنطقة الثالثة ضمن المناطق المستحيل السيطرة عليها.
ويبيّن هذا التصور أسباب شن نظام الأسد هجمات هيستيرية على الغوطة الشرقية خصوصاً دوما – التي يراها من المناطق غير قابلة للتفاوض-، حيث ارتكب فيها النظام مجازر خلال الشهر الجاري راح ضحيتها المئات بين شهداء وجرحى، واللافت أن النظام استخدم بالهجمات ذخائر أكثر من تلك المستخدمة في مناطق أخرى.
ولا تنفصل تحركات الحلف الثلاثي (الأسد وإيران وميليشيا حزب الله) عن إطار تطبيق ما بات يعرف بالخطة "ب" لتقسيم سورية، وتقتضي هذه الخطة إجراء بعض التعديلات على التركيبة السكانية في سورية، وهو ما سعت إليه إيران بشكل واضح خلال المفاوضات الأخيرة حول مدينة الزبداني، حيث أصرت على شرط نقل سكان بلدتي "كفريا والفوعة" الشيعيتين بريف إدلب إلى الزبداني بعد تفريغها من سكانها الأصليين.
ويشير موقع "بريفينغ" إلى أنه وفقاً لهذا المنظور فإن الأسد ومؤيديه يرون أن "السني السوري هو المواطن الصالح الذي يدعم النظام. ويتم قياس مدى ملاءمة هذا السُني من خلال معايير ازدواجية: أين يعيش، وما هو موقفه السياسي. هذا المعيار في التصنيف مفيد وعملي، لاسيما وأنّ هناك مناطق لا يمكن تطهيرها من السُنة بسهولة. على سبيل المثال، عدد السنة في مدينة اللاذقية الآن مساوٍ لعدد العلويين إن لم يكن أكثر منهم. وفي حماة هناك مزيج متشابك من السُنة والعلويين".
وفي التركيز على المناطق التي يرى الأسد وحليفاه أنه لا يمكن التخلي عنهما، فإن منطقة جبال القلمون بريف دمشق تندرج تحت هذا الإطار لأسباب استراتيجية تتعلق بتأمين ميليشيا "حزب الله" في جنوب لبنان. وتمثل مدينة الزباني بوابة رئيسية لهذه الجبال، والمعارضة هناك تقاتل النظام بشكل طولي ولذلك؛ فهم أهداف لعملية التطهير.
وقال متحدث باسم حركة "أحرار الشام" في تعليقه على المفاوضات مع الإيرانيين بخصوص الزبداني: "لقد جنّ جنون الإيرانيين؛ إنهم يريدون منا أن نتخلى عن الزبداني، وإخراج أهلها، وفي المقابل سينقلون جميع سكان كفريا والفوعة ويضعونهم في موقع قريب من الحدود اللبنانية أو في ريف حماة. لقد حذرونا أنه إذا سيطرنا على القريتين، سيُخرجون السكان الشيعة على أي حال ولكن بعد ذلك سيحولون القريتين إلى أنقاض".
وبذلك فإن تقاطع الخطوط الطائفية، والسياسية والاستراتيجية في بقعة واحدة مثل الزبداني، يجعل من الاستيلاء عليها، وإجبار سكانها على الرحيل، ضرورة ملحة للتحالف.
ويرى موقع "بريفينغ" أن الإيرانيين لم يفقدوا صوابهم بل ينفذون ما ذكرناه حول الخطة "ب"، ويضيف أنه "من الطبيعي أنّ القيادة المشتركة التي تتألف من الأسد وحزب الله والحرس الثوري لديها قطاع عمّال واضح يخدم خطة واحدة، لكنه ليس من الواضح أنّ المعارضة السورية لديها خطة موحدة موازية، إما لإحباط نوايا هذا التقسيم الثلاثي أو شنّ هجوم مضاد فعّال".
ويتابع الموقع: "لعبة التحالف الثلاثي أصبحت سهلة القراءة الآن أكثر من أي وقت مضى. ما يحدث هو أنهم يحاولون تنفيذ هذه اللعبة في أسرع وقت ممكن من أجل تمكين أنفسهم للانتقال إلى طاولة المفاوضات. إنّ اللحظة التي سنجد فيها الأطراف الثلاثة حول طاولة المفاوضات في انتظار المتحاورين ستكون لحظة انتهائهم من نحت وتحديد مناطقهم. ومن ثم؛ يجب أن نكون على استعداد للاستماع، بمجرد الانتهاء من العمل، إلى دعوات تصالحية من طهران وسيل من المكالمات والتأكيدات بأنّ الأزمة السورية لن تنتهي إلا من خلال حل سياسي".
والجدير بالذكر أنه من أجل إجبار أهل السنة على الفرار من المناطق التي يضعها تحالف الأسد – إيران – ميليشيا "حزب الله" ضمن المناطق الهامة، فمن المتوقع أن يتصاعد العنف كما حصل في دوما، ويرغب النظام وحلفاؤه في إيصال سكان المناطق المستهدفة إلى الشعور بضرورة المغادرة وترك منازلهم وبالتالي تحقيق خطة تغيير التركيبة السكانية.
ويتحدث موقع "بريفينغ" عن احتمالين قد نشهدهما خلال الفترة المقبلة:
الأول: شنهجمات عسكرية عديمة الرحمة من "الحرس الثوري الإيراني" وقوات النظام وميليشا "حزب الله" لتطهير المناطق المختارة - ذات الأهمية الاستراتيجية وغير قابلة للتفاوض - للمعارضة أو السُنة أو كليهما. وسيحدث ذلك تحت وابل من المحادثات الناعمة بشأن الدبلوماسية والحلول السياسية، ولكن لن توجد تحركات جادة. وفي غضون ذلك، ستبقي روسيا على الطريق الدبلوماسي مفتوحًا بيدها اليمنى، وتستمر في إرسال المعدات العسكرية إلى الأسد باليد اليسرى.
الثاني: وفي مرحلة ما، بعد السيطرة على كل المناطق الاستراتيجية المطلوبة، ستقول إيران إنّها على استعداد لإقناع الأسد بمغادرة دمشق. وستصبح الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار أعلى من صوت النار، وسيزداد الضغط على الأطراف المعنية وسيلعب التحالف الثلاثي فجأة دور حمامة السلام. وسيعرض التحالف كل هذا إلى العالم باعتباره حبًا حقيقيًا للسلام ومشاعر صادقة تجاه معاناة المدنيين في سورية. ولكن، في المقابل، فإنّ هذا التحالف الثلاثي يريد إضفاء الطابع المؤسسي على الوضع الراهن، وجعل مناطقهم معترفًا بها دستوريًا من قِبل النظام الجديد بالطريقة نفسها وإضفاء الطابع المؤسسي على الوضع في جنوب لبنان كأرض لميليشيا "حزب المتعة ".