أعيد عرضه على (الجديد): مسلسل(لعنة الطين) الأكثر تزويراً وطائفية!
لا يخفى على متابع أن قناة (الجديد) اللبنانية والتي كانت تُعتبر حتى فترة ليست ببعيدة أقرب الفضائيات اللبنانية إلى الحياد والموضوعية في التعاطي مع شؤون لبنان ومحيطه الإقليمي والدولي، قد اتخذت مؤخراً منحى سياسياً وإعلامياً جديداً ظاهره الفكر العروبيّ والقوميّ، وباطنه طائفية مقيتة لم تعد لا قناة (الجديد) ولا سواها من الجهات الإعلامية المؤيدة لمحور الولي الفقيه في قمْ قادرة على إخفائها بالشعارات الكاذبة.
فهل كان من قبيل المصادفة أن تختار القناة هذه الفترة بالتحديد، لتعاود عرض المسلسل السوري (لعنة الطين) للكاتب سامر رضوان والمخرج أحمد ابراهيم أحمد، والذي كان المسلسل الوحيد في تاريخ الدراما السورية الذي سُمح له بالاقتراب من قضايا ثمانينات القرن الماضي، تلك الحقبة التي شكّلت الصندوق الأسود للنظام الأسدي؟!
هل كان من الخطأ غير المقصود أن تختار القناة الفترة الأشد تجييشاً طائفياً من قبل عرابَيْها المباشرَين، النظام السوري الذي أعلن مؤخراً عن تشكيل لواء درع الساحل في إشارة صريحة إلى درع العلويين، وحزب الله الذي وصل إلى درجة خلع أمينه العام حسن نصر الله كافة وجوهه التنكّرية التجميلية وتهديده المباشر لسُنّة عرسال بمهاجمتهم من قبل شيعة الهرمل والبقاع، لتعرض العمل التلفزيوني الذي كانت المخابرات السورية وأذنابها في الداخل السوري قد استبقت عرضه الأول عام 2010 ورافقته وأتبعته ببث شائعات عن رفضها لما تضمّنه من أحداث ومقولات تنال من النظام، وتسلط بجرأة غير مسبوقة الضوء على جملة من الأخطاء الفادحة وقضايا الفساد الكبرى التي نخرت الجسد الوطني السوري لعقود، والتي يعتبر التطرّق إليها تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء حسب تلك الشائعات؟!
بالفعل , لقد فتح لعنة الطين وبحرفيّة عنصر استخبارات متمكّن من أدواته ومعلوماته والأهم والأخطر واع تماماً لدوافعه وأهدافه ملف الثمانينات، فتحه ليعيد تشكيل روايته التاريخية حسب ما أراد كاتبه سامر رضوان المتطوّع السابق -وربما المستمر- في جهاز المخابرات السورية، والذي دخل حقل الكتابة الدرامية التلفزيونية من أوسع أبوابه عبر هذا العمل، ليصبح بعده مباشرة واحداً من أشهر كتّاب الدراما السوريين وأعلاهم أجراً رغم أن العمل لم يح الانتشار الجماهيري الموازي لكل ذلك.
فما الذي بوّأ رضوان هذه المكانة؟
وهل الحرفيّة العالية في كتابة مسلسل لعنة الطين الذي تمّ الترويج له كعمل معارض للنظام هي ما متّنت علاقة كاتبه بعدد من النجوم المحسوبين علناً على رأس النظام وأخيه ماهر وابن خاله رامي مخلوف؟ أم أن التزييف الذي احتواه العمل والذي لا يصبّ في صالح أحد كما يصبّ في صالح النظام طائفيّ البنية هو ما منحنه تلك الامتيازات؟
بقصة محبوكة درامياً , وشخصيات واضحة المعالم مغرية للأداء، وتسلسل أحداث منطقي ضمن الشرط الافتراضي العام للعمل، وأخيراً بإمكانيات مالية كبيرة حها المنتج الحلبي الأصل محمد القبنض دائم الترشح إلى عضوية مجلس الشعب السوري، والذي عرف في الوسط الفني بانعدام ثقافته رغم ثروته الهائلة التي عاد بها من إنكلترا دون أن يعرف أحد كيف جمعها، ورغم شهادة الدكتوراه التي اشتراها من إحدى دول أوربا الشرقيّة والتي يعجز حتى عن قراءة حروفها دون تهجئة , استطاع العمل جمع عدد كبير من الممثلين السوريين يؤسفني أنني كنت واحداً منهم , مع أن بينهم من لا يحقّ لنا مجرّد التشكيك بأخلاقه ووطنيته , لتكون النتيجة عملاً جيداً بالمقاييس الفنية متميزاً بالأداء التمثيلي وساقطاً بمقياس المصداقية الاجتماعية والتاريخية , عملاً استطاع خداعَ نجومه الذين قرؤوه كاملاً كنصّ على الورق فلم يلفت السمّ المدسوم في ثناياه واحداً منهم باستثناء الفنان فارس الحلو الذي شهدتُ في مقهى الروضة وقبل بدء التصوير بأيام حديثاً محتدماً بينه وبين الكاتب سامر رضوان والمخرج أحمد ابراهيم أحمد , حديثاً كاد يؤدي إلى إبعاده عن العمل وذلك لأنه اعترض على كون الشخصية السلبية التي أسندت إليه سُنيّة , وهي شخصية بائع متجول سكّير لا يراعي حرمة للقرية العلوية التي تستضيفه , فيحاول إغراء حتى القاصرات من فتياتها.
أعترف أنني لم أعطِ الأمر يومها كثير اهتمام , فأنا لم أقرأ إلا تفريغ شخصيّتي أي المشاهد المتعلّقة بالدور الذي سأؤديه وهو ضمن خطّ تدور أحداثه في دمشق , ولا يرتبط بخط القرية العلويّة إلا لماماً . لم أدرك خطورة الحوار الذي دار أمامي إلا وأنا أتابع العمل في رمضان عام 2010 , لأعي أهمية وجهة النظر التي قاتل الحلو في سبيل تبنّيها ونجح , لتكون لاحقاً نقطة التشكيك الوحيدة في طائفية القائمَيْنِ على العمل والملمّينِ بأسراره وخفاياه وأعني الكاتب والمخرج.
أجل إن المتأمّل في شخصيات لعنة الطين لا يستطيع تجاهل الفكر الطائفي الصارخ الذي صنعها , وذلك من خلال أمثلة عديدة في مقدمتها ثنائيّة الصديقين (عامر وجواد) , رفيقي الدراسة الجامعية اللذين قررا وبسبب الفقر التخلي عن حلمهما في دراسة الهندسة المدنية والتطوّع في الكلية الحربية ليتمّ فرزهما لاحقاً إلى مركزين حسّاسين أحدهما في الأمن والآخر في الجمارك , إذ وبينما أظهر السُنّي جواد (أدى الشخصية وائل شرف) جشعاً غير محدود واستعداداً فطريّاً للفساد والإجرام وارتكاب أخطر الموبقات بحقّ الوطن والمواطن , ترفّع العلويّ عامر (أدى الشخصية مكسيم خليل) عن كلّ ذلك , وحتى عندما ارتكب بعض التجاوزات , فقد كانت في غالبها ردات فعلٍ تعاطفَ معها الجمهور باعتبار من وقعت بحقهم من شخصيات هم في الأصل مجرمون أساؤوا إليه وإلى عائلته دون مبرر , باستثناء حالة واحدة مردّها وفاؤه لصديقه جواد الذي يتّضح فجأة أنه كان قد زوّر شهادته الثانوية . أي أنّ التجاوز الوحيد غير المبرر الذي ارتكبه الضابط العلويّ كان بدافع محبّته لصديقه السنّي.
ورغم ذلك فإن روح عامر النقية وتربيته الصالحة تجعلانه يرفض الفساد ويقرر التقدم بطلب تسريح مفاجئ ليدفع سبعة عشر عاماً من عمره كفّارة عن تجاوزات لا تذكر مقارنة بتجاوزات جواد الذي جمع من خلالها أكداساً من العملات وضعها في قبو منزله , في مشهد يذكّرنا بالأموال التي وُجدت في قبو منزل آمر عام الضابطة الجمركية في سوريا حسن مخلوف بداية العام 2009.
غير أننا وإن تغاضينا عن هذه الحالة واعتبرنا أنها جاءت عفو الخاطر , فإننا لا نستطيع التغاضي عن حالات أخرى لا تقل فجاجة وصفاقة , فغاية الانحراف الذي تنساق خلفه فتيات القرية العلويّة هو أن تدخّن مراهقةٌ منهن كنرمين (أدت الشخصية كاريس بشار) في السر وخلسة عن أهلها , أو أن تأخذ هدية من البائع المتجول أبي شاهين عن طيبة وحسن نية , بينما الأخريات جميعهن يلمنها على هذا السلوك , أما في المدينة حيث يصادف أن جميع الفتيات من الطائفة السنّية فإننا سنرى أن لافرق بينهن خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع الشرف , فكما أن آمال (أدت الشخصية على بدر) تتخلى عن شرفها لتقوم بعلاقة غير مشروعة مع سلوم (أدى دوره باسل حيدر) رغم كون الأخير صديق أخيها طلال (أدى الشخصية قاسم ملحو) , فإن بهية (أدت الشخصية رنا شميص) تبيع شرفها مقابل المال رغم تربيتها الدينية الصارمة ورغم بيئتها الاجتماعية المنغلقة , أما سهير (أدت الشخصية هبة نور) فإن من ورطتها وباعت شرفها هي رخالتها (أدت الشخصية ريم عبد العزيز) , لتبقى الأطهر بينهن فيروز (أدت دورها روعة ياسين) التي هربت من بيت أهلها في أدلب لتتعرض لتحرشات متكررة لا تستطيع حماية نفسها منها .
أما عن مسائل النزاهة فنكاد لا نجد في رجال الطائفة العلوية شخصية غير نزيهة باستثناء أبي شاهين التي عرضنا للتعديل الذي تم على أصلها , وشخصية أخرى ثانوية (أداها فادي صبيح) بينما في المقلب الآخر نجد أن الشخصيات الذكورية النزيهة المنتمية إلى الطائفة السنية تكاد لا تذكر، فعصابات التهريب التي تسرح وتمرح في طول البلاد وعرضها , هي بكامل أفرادها من السنّة، وبرعاية الزعيم السني الفاسد عبد الله عزام (أدى الشخصية الفنان الراحل خالد تاجا) وكان اسمها حسب النص الذي تم توزيعه على الفنانين (عبد العليم علّام) في إشارة مباشرة إلى عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري الذي أعلن انشقاقه عن النظام في كانون الثاني عام 2005 . وكي يُزال أي لبس حول هذا الإسقاط بعد تعديل الاسم – ربما بتوجيهات أمنية - كان لا بدّ من أن يظهر هذا الوزير في الحلقة الأخيرة عبر وسائل الإعلام ليشتم النظام من الخارج تماماً كما فعل خدام.
لقد صعقنا العمل بالسلطات التي كان يمتلكها عبد الحليم خدام لدرجة أن خُيّل إلينا أن حافظ الأسد ورفعت الأسد وحتى قائد الوحدات الخاصة اللواء علي حيدر - قريب مخرج العمل أحمد ابراهيم أحمد ويدعوه الأخير بالخال – والذي كان من المخططين والمنفذين الرئيسيين لمذبحة حماة , ما هم إلا حملان وديعة ترعى في مزرعة عبد الحليم خدام. كيف لا ومن يتابع العمل يستنتج أن كل الجحيم الذي عاشته سوريا لعقود، من فساد أمني إلى فساد اقتصادي، إلى تهريب، إلى تجارة مخدارت، إلى تزوير عملة، إلى خطف، إلى اعتقال، إلى تغييب تعسّفي في المعتقلات السرية، إلى اغتيال، وراءه رجل واحد، رجل ما إن يُكتشف أمره حتى يسارع بالهرب ليهاجم النظام من خارج البلاد، أما النظام الوطنيّ الشريف , والذي لشدّة طوباويته لم يشكّ بهذا الرجل فيعمد إلى إصلاح ما أفسده الخائن مطلقاً السجناء الذين كان احتجزهم لسنوات بل ولعقود دون تحقيق في ذات اليوم ودون محاكمة حتى.
تطول قائمة التزوير والتزييف وقلب الحقائق إلا أن أوضح وأوقح ما قام به العمل كان أن افتتح مشهده الأوّل بعبارة مكتوبة على الشاشة: "سوريا 1984"؛ ورغم أنه وقبل سنتين من هذا التاريخ، وبالتحديد في 2 شباط عام 1982 شهدت مدينة حماة بداية المذبحة التي استمرت سبعة وعشرين يوماً، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين السنّة قُتل معظمهم رمياً بالرصاص ودفنوا في مقابر جماعية، فإن العمل الذي وصل بمناقشة الأوضاع والقضايا الإقليمية إلى حد التنظير لتفاصيل هامشية في أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، لم يأت على ذكر تلك المذبحة ولا حتى من بعيد، كما لم يأت على ذكر سرايا الدفاع وقائدها رفعت الأسد الذي كان قد خرج من البلاد في ذلك العام بعد أن أفرغ خزائن سوريا من العملة الصعبة، بالإضافة إلى مبالغ إضافية تكفّل بسدادها العقيد الليبي معمر القذافي حسب كتاب ثلاثة أشهر هزت سوريا للمجرم مصطفى طلاس والذي كان وزير دفاع حافظ الأسد وأمين سره يومها.
فإن كان كل هذا التزييف والتزوير وقلب الحقائق السياسية والأمنية وتبرئة الأسدين الأب والابن معاً وجميع أتباعهما تحت حجة تمرير العمل من الرقابة، وهو بالتأكيد عذر اللاأخلاقي المتاجر بالحقيقة في سبيل المصلحة الشخصية والمادية، فحبذا لو أخبرنا الكاتب عن سر الطائفية التي سلطنا الضوء على دلالاتها فيما سبق!
لا يخفى على متابع أن قناة (الجديد) اللبنانية والتي كانت تُعتبر حتى فترة ليست ببعيدة أقرب الفضائيات اللبنانية إلى الحياد والموضوعية في التعاطي مع شؤون لبنان ومحيطه الإقليمي والدولي، قد اتخذت مؤخراً منحى سياسياً وإعلامياً جديداً ظاهره الفكر العروبيّ والقوميّ، وباطنه طائفية مقيتة لم تعد لا قناة (الجديد) ولا سواها من الجهات الإعلامية المؤيدة لمحور الولي الفقيه في قمْ قادرة على إخفائها بالشعارات الكاذبة.
فهل كان من قبيل المصادفة أن تختار القناة هذه الفترة بالتحديد، لتعاود عرض المسلسل السوري (لعنة الطين) للكاتب سامر رضوان والمخرج أحمد ابراهيم أحمد، والذي كان المسلسل الوحيد في تاريخ الدراما السورية الذي سُمح له بالاقتراب من قضايا ثمانينات القرن الماضي، تلك الحقبة التي شكّلت الصندوق الأسود للنظام الأسدي؟!
هل كان من الخطأ غير المقصود أن تختار القناة الفترة الأشد تجييشاً طائفياً من قبل عرابَيْها المباشرَين، النظام السوري الذي أعلن مؤخراً عن تشكيل لواء درع الساحل في إشارة صريحة إلى درع العلويين، وحزب الله الذي وصل إلى درجة خلع أمينه العام حسن نصر الله كافة وجوهه التنكّرية التجميلية وتهديده المباشر لسُنّة عرسال بمهاجمتهم من قبل شيعة الهرمل والبقاع، لتعرض العمل التلفزيوني الذي كانت المخابرات السورية وأذنابها في الداخل السوري قد استبقت عرضه الأول عام 2010 ورافقته وأتبعته ببث شائعات عن رفضها لما تضمّنه من أحداث ومقولات تنال من النظام، وتسلط بجرأة غير مسبوقة الضوء على جملة من الأخطاء الفادحة وقضايا الفساد الكبرى التي نخرت الجسد الوطني السوري لعقود، والتي يعتبر التطرّق إليها تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء حسب تلك الشائعات؟!
بالفعل , لقد فتح لعنة الطين وبحرفيّة عنصر استخبارات متمكّن من أدواته ومعلوماته والأهم والأخطر واع تماماً لدوافعه وأهدافه ملف الثمانينات، فتحه ليعيد تشكيل روايته التاريخية حسب ما أراد كاتبه سامر رضوان المتطوّع السابق -وربما المستمر- في جهاز المخابرات السورية، والذي دخل حقل الكتابة الدرامية التلفزيونية من أوسع أبوابه عبر هذا العمل، ليصبح بعده مباشرة واحداً من أشهر كتّاب الدراما السوريين وأعلاهم أجراً رغم أن العمل لم يح الانتشار الجماهيري الموازي لكل ذلك.
فما الذي بوّأ رضوان هذه المكانة؟
وهل الحرفيّة العالية في كتابة مسلسل لعنة الطين الذي تمّ الترويج له كعمل معارض للنظام هي ما متّنت علاقة كاتبه بعدد من النجوم المحسوبين علناً على رأس النظام وأخيه ماهر وابن خاله رامي مخلوف؟ أم أن التزييف الذي احتواه العمل والذي لا يصبّ في صالح أحد كما يصبّ في صالح النظام طائفيّ البنية هو ما منحنه تلك الامتيازات؟
بقصة محبوكة درامياً , وشخصيات واضحة المعالم مغرية للأداء، وتسلسل أحداث منطقي ضمن الشرط الافتراضي العام للعمل، وأخيراً بإمكانيات مالية كبيرة حها المنتج الحلبي الأصل محمد القبنض دائم الترشح إلى عضوية مجلس الشعب السوري، والذي عرف في الوسط الفني بانعدام ثقافته رغم ثروته الهائلة التي عاد بها من إنكلترا دون أن يعرف أحد كيف جمعها، ورغم شهادة الدكتوراه التي اشتراها من إحدى دول أوربا الشرقيّة والتي يعجز حتى عن قراءة حروفها دون تهجئة , استطاع العمل جمع عدد كبير من الممثلين السوريين يؤسفني أنني كنت واحداً منهم , مع أن بينهم من لا يحقّ لنا مجرّد التشكيك بأخلاقه ووطنيته , لتكون النتيجة عملاً جيداً بالمقاييس الفنية متميزاً بالأداء التمثيلي وساقطاً بمقياس المصداقية الاجتماعية والتاريخية , عملاً استطاع خداعَ نجومه الذين قرؤوه كاملاً كنصّ على الورق فلم يلفت السمّ المدسوم في ثناياه واحداً منهم باستثناء الفنان فارس الحلو الذي شهدتُ في مقهى الروضة وقبل بدء التصوير بأيام حديثاً محتدماً بينه وبين الكاتب سامر رضوان والمخرج أحمد ابراهيم أحمد , حديثاً كاد يؤدي إلى إبعاده عن العمل وذلك لأنه اعترض على كون الشخصية السلبية التي أسندت إليه سُنيّة , وهي شخصية بائع متجول سكّير لا يراعي حرمة للقرية العلوية التي تستضيفه , فيحاول إغراء حتى القاصرات من فتياتها.
أعترف أنني لم أعطِ الأمر يومها كثير اهتمام , فأنا لم أقرأ إلا تفريغ شخصيّتي أي المشاهد المتعلّقة بالدور الذي سأؤديه وهو ضمن خطّ تدور أحداثه في دمشق , ولا يرتبط بخط القرية العلويّة إلا لماماً . لم أدرك خطورة الحوار الذي دار أمامي إلا وأنا أتابع العمل في رمضان عام 2010 , لأعي أهمية وجهة النظر التي قاتل الحلو في سبيل تبنّيها ونجح , لتكون لاحقاً نقطة التشكيك الوحيدة في طائفية القائمَيْنِ على العمل والملمّينِ بأسراره وخفاياه وأعني الكاتب والمخرج.
أجل إن المتأمّل في شخصيات لعنة الطين لا يستطيع تجاهل الفكر الطائفي الصارخ الذي صنعها , وذلك من خلال أمثلة عديدة في مقدمتها ثنائيّة الصديقين (عامر وجواد) , رفيقي الدراسة الجامعية اللذين قررا وبسبب الفقر التخلي عن حلمهما في دراسة الهندسة المدنية والتطوّع في الكلية الحربية ليتمّ فرزهما لاحقاً إلى مركزين حسّاسين أحدهما في الأمن والآخر في الجمارك , إذ وبينما أظهر السُنّي جواد (أدى الشخصية وائل شرف) جشعاً غير محدود واستعداداً فطريّاً للفساد والإجرام وارتكاب أخطر الموبقات بحقّ الوطن والمواطن , ترفّع العلويّ عامر (أدى الشخصية مكسيم خليل) عن كلّ ذلك , وحتى عندما ارتكب بعض التجاوزات , فقد كانت في غالبها ردات فعلٍ تعاطفَ معها الجمهور باعتبار من وقعت بحقهم من شخصيات هم في الأصل مجرمون أساؤوا إليه وإلى عائلته دون مبرر , باستثناء حالة واحدة مردّها وفاؤه لصديقه جواد الذي يتّضح فجأة أنه كان قد زوّر شهادته الثانوية . أي أنّ التجاوز الوحيد غير المبرر الذي ارتكبه الضابط العلويّ كان بدافع محبّته لصديقه السنّي.
ورغم ذلك فإن روح عامر النقية وتربيته الصالحة تجعلانه يرفض الفساد ويقرر التقدم بطلب تسريح مفاجئ ليدفع سبعة عشر عاماً من عمره كفّارة عن تجاوزات لا تذكر مقارنة بتجاوزات جواد الذي جمع من خلالها أكداساً من العملات وضعها في قبو منزله , في مشهد يذكّرنا بالأموال التي وُجدت في قبو منزل آمر عام الضابطة الجمركية في سوريا حسن مخلوف بداية العام 2009.
غير أننا وإن تغاضينا عن هذه الحالة واعتبرنا أنها جاءت عفو الخاطر , فإننا لا نستطيع التغاضي عن حالات أخرى لا تقل فجاجة وصفاقة , فغاية الانحراف الذي تنساق خلفه فتيات القرية العلويّة هو أن تدخّن مراهقةٌ منهن كنرمين (أدت الشخصية كاريس بشار) في السر وخلسة عن أهلها , أو أن تأخذ هدية من البائع المتجول أبي شاهين عن طيبة وحسن نية , بينما الأخريات جميعهن يلمنها على هذا السلوك , أما في المدينة حيث يصادف أن جميع الفتيات من الطائفة السنّية فإننا سنرى أن لافرق بينهن خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع الشرف , فكما أن آمال (أدت الشخصية على بدر) تتخلى عن شرفها لتقوم بعلاقة غير مشروعة مع سلوم (أدى دوره باسل حيدر) رغم كون الأخير صديق أخيها طلال (أدى الشخصية قاسم ملحو) , فإن بهية (أدت الشخصية رنا شميص) تبيع شرفها مقابل المال رغم تربيتها الدينية الصارمة ورغم بيئتها الاجتماعية المنغلقة , أما سهير (أدت الشخصية هبة نور) فإن من ورطتها وباعت شرفها هي رخالتها (أدت الشخصية ريم عبد العزيز) , لتبقى الأطهر بينهن فيروز (أدت دورها روعة ياسين) التي هربت من بيت أهلها في أدلب لتتعرض لتحرشات متكررة لا تستطيع حماية نفسها منها .
أما عن مسائل النزاهة فنكاد لا نجد في رجال الطائفة العلوية شخصية غير نزيهة باستثناء أبي شاهين التي عرضنا للتعديل الذي تم على أصلها , وشخصية أخرى ثانوية (أداها فادي صبيح) بينما في المقلب الآخر نجد أن الشخصيات الذكورية النزيهة المنتمية إلى الطائفة السنية تكاد لا تذكر، فعصابات التهريب التي تسرح وتمرح في طول البلاد وعرضها , هي بكامل أفرادها من السنّة، وبرعاية الزعيم السني الفاسد عبد الله عزام (أدى الشخصية الفنان الراحل خالد تاجا) وكان اسمها حسب النص الذي تم توزيعه على الفنانين (عبد العليم علّام) في إشارة مباشرة إلى عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري الذي أعلن انشقاقه عن النظام في كانون الثاني عام 2005 . وكي يُزال أي لبس حول هذا الإسقاط بعد تعديل الاسم – ربما بتوجيهات أمنية - كان لا بدّ من أن يظهر هذا الوزير في الحلقة الأخيرة عبر وسائل الإعلام ليشتم النظام من الخارج تماماً كما فعل خدام.
لقد صعقنا العمل بالسلطات التي كان يمتلكها عبد الحليم خدام لدرجة أن خُيّل إلينا أن حافظ الأسد ورفعت الأسد وحتى قائد الوحدات الخاصة اللواء علي حيدر - قريب مخرج العمل أحمد ابراهيم أحمد ويدعوه الأخير بالخال – والذي كان من المخططين والمنفذين الرئيسيين لمذبحة حماة , ما هم إلا حملان وديعة ترعى في مزرعة عبد الحليم خدام. كيف لا ومن يتابع العمل يستنتج أن كل الجحيم الذي عاشته سوريا لعقود، من فساد أمني إلى فساد اقتصادي، إلى تهريب، إلى تجارة مخدارت، إلى تزوير عملة، إلى خطف، إلى اعتقال، إلى تغييب تعسّفي في المعتقلات السرية، إلى اغتيال، وراءه رجل واحد، رجل ما إن يُكتشف أمره حتى يسارع بالهرب ليهاجم النظام من خارج البلاد، أما النظام الوطنيّ الشريف , والذي لشدّة طوباويته لم يشكّ بهذا الرجل فيعمد إلى إصلاح ما أفسده الخائن مطلقاً السجناء الذين كان احتجزهم لسنوات بل ولعقود دون تحقيق في ذات اليوم ودون محاكمة حتى.
تطول قائمة التزوير والتزييف وقلب الحقائق إلا أن أوضح وأوقح ما قام به العمل كان أن افتتح مشهده الأوّل بعبارة مكتوبة على الشاشة: "سوريا 1984"؛ ورغم أنه وقبل سنتين من هذا التاريخ، وبالتحديد في 2 شباط عام 1982 شهدت مدينة حماة بداية المذبحة التي استمرت سبعة وعشرين يوماً، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين السنّة قُتل معظمهم رمياً بالرصاص ودفنوا في مقابر جماعية، فإن العمل الذي وصل بمناقشة الأوضاع والقضايا الإقليمية إلى حد التنظير لتفاصيل هامشية في أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، لم يأت على ذكر تلك المذبحة ولا حتى من بعيد، كما لم يأت على ذكر سرايا الدفاع وقائدها رفعت الأسد الذي كان قد خرج من البلاد في ذلك العام بعد أن أفرغ خزائن سوريا من العملة الصعبة، بالإضافة إلى مبالغ إضافية تكفّل بسدادها العقيد الليبي معمر القذافي حسب كتاب ثلاثة أشهر هزت سوريا للمجرم مصطفى طلاس والذي كان وزير دفاع حافظ الأسد وأمين سره يومها.
فإن كان كل هذا التزييف والتزوير وقلب الحقائق السياسية والأمنية وتبرئة الأسدين الأب والابن معاً وجميع أتباعهما تحت حجة تمرير العمل من الرقابة، وهو بالتأكيد عذر اللاأخلاقي المتاجر بالحقيقة في سبيل المصلحة الشخصية والمادية، فحبذا لو أخبرنا الكاتب عن سر الطائفية التي سلطنا الضوء على دلالاتها فيما سبق!