1 - أفكار وإضاءات ضرورية على طريق الثورة ( فشل المعارضة بشطريها ) :
5 / 7 / 2015
أبو ياسر السوري
=============
( 1 ) فشل المعارضة السياسية :
بدأت الثورة سلمية ، واستمرت على سلميتها ستة أشهر ، لم يشهر المتظاهرون فيها سلاحا ، وإنما كانوا يقابلون رصاص النظام بصدورهم العارية ، حتى مات بعضهم وهو يقدم الورود إلى القتلة من شبيحة النظام .. ثم بدأت ظاهرة انشقاق العسكريين من الجيش ، التي تلاها تشكيل الجيش الحر . الذي اضطلع بمهمة الدفاع عن المتظاهرين ، ثم تحولت المعارضة الداخلية من السلمية إلى المسلحة ..
وكان المأمول من المعارضة السياسية أن تنجح في تمثيل الشعب السوري ، وإيصال مطالبه العادلة إلى الأوساط الدولية .. وكنا ننتظر ظهور برنامج متكامل يبين فيه مستقبل سوريا بعد سقوط النظام الطائفي البائد ، تحدد فيه نقاط الوفاق .. ونقاط الخلاف .. على أن لا يثار أي نقاش حول نقاط الخلاف إلا بعد إسقاط النظام الطائفي وتنظيف البلد من كل شبيحته وحلفائه المؤازرين له ، والمقاتلين معه ...
وكان من الممكن حدوث اتفاق بين المعارضتين الداخلية والخارجية ، فلم يكن في الساحة سوى مكونين اثنين يتحدثان باسم الثورة السورية ، هما المجلس وطني ، والجيش حر . وكان من السهل أن يتم اتفاق حقيقي بين شطري هذه المعارضة السياسي منها والعسكري .. وكان ممكنا أ، يتفقوا على نقاط وفاق لا يختلف عليها اثنان ، ثم يشكلوا لجنة مشتركة مؤلفة من سبعة أشخاص فقط يرأسها واحد منهم ، تتحرك هذه اللجنة وفق ورقة عمل محددة الأهداف لا تحيد عنها ، ولا تتنازل عن أي بند فيها إلا بعد الرجوع لأهل الحل والعقد من السياسيين والعسكريين ، الذين انتخبوهم لهذه المهمة الخطيرة .. ولكن شيئا من ذلك لم يكن ..
فقد بقي العراك بين السياسيين على أشده حتى اتسعت دائرة الخلاف باتساع رقعة المعارضة السياسية ، فأول ما بدأت هذه المعارضة بتشكيل المجلس الوطني ، ثم انبثق عنه الائتلاف الوطني ، وكان أكثر عددا بثلاثة اضعاف المجلس . ثم برز لهما هيئة التنسيق الوطنية كمعارضة للمعارضة .. ثم نشأت مكونات سياسية أخرى ، ولم تزل تتفاقم الخلافات فيما بينها ، حتى صار النزاع سمة لها . ولم تتفق فيما بينها على أي قرار ، يخرج سوريا من محنتها ..
لم تكن المعارضة السياسية مهتمة بالشعب الذي يموت في الساحات كل يوم ، بمقدار ما كانت مهتمة للصراع فيما بينها على المناصب الوهمية التي تنتظرها بعد سقوط النظام .. ولم تكن في الواقع على صلة بالمعارضة الداخلية ، ولا اهتمت بالجيش الحر ، الذي يقود الصراع في الداخل ، ولا عملت على إمداده بالمال والسلاح والرجال . وكان كل همها إرضاء الممولين لها من الدول العربية والغربية .. وكانت هذه الدول غير معنية بإنهاء الأزمة ، وإنما هي معنية بإدارتها .. مما أطال عمر الصراع . وسمح لدق مسامير الخلاف بين المعارضة السياسية والمعارضة المسلحة .. حتى وصل بهم الأمر إلى تبادل الاتهام بالعمالة والتخوين .. وهكذا فشلت المعارضة السياسية ، وسقط اعتبارها في نظر الشعب ، ولم يلبث أن سقط اعتبارها أيضا في نظر المجتمع الدولي .. لأنه بات يعلم أن السياسيين لا يمثلون إلا أنفسهم في نهاية المطاف ، وليس لهم أي ثقل في الصراع الدائر على الأرض ..
( 2 ) المعارضة المسلحة :
وأما المعارضة المسلحة ، فلم تكن أحسن حالا من أختها .. فكما علمنا أنها بدأت بتشكيل الجيش الحر ، ثم تلاها تشكيل الكتائب الجهادية التي عملت خارج نطاق الجيش الحر . ثم دخلت جبهة النصرة قادمة من العراق . فلم ترضخ لأوامر الجيش الحر ولا لغيره من الكتائب الجهادية في سوريا ، وإنما أصرت على عدم الانقياد لأي تشكيل مقاتل في سوريا ، واكتفت بالتعاون مع من طلب منها النصرة فقط .. ثم دخلت داعش على الخط . معلنة أنها " دولة الإسلام في العراق والشام " معلنة عداءها لكل الأطراف ، فبدأت بقتال الجيش الحر واغتيال قياداته البارزين ، كما قاتلت جميع الكتائب والألوية الجهادية الأخرى ، بما فيها جبهة النصرة التي رفضت أن تبايع البغدادي .. ولكن داعش لم تقاتل نظام الأسد ، واكتفت بإبداء العداوة له ولحزب الله اللبناني باللسان فقط ، على طريقة من يقول " الموت لأمريكا " وهو صديق لها .. فعمليا لم تقاتل داعش النظام ، وإنما قاتلت كل من قاتل النظام . ففرطت عقد الجيش الحر ، وأوقفت تقدم جيش التوحيد الذي كان يحقق انتصارات متتالية ، واستطاعت داعش أن تصبغ الثورة بصبغة التطرف ، وحولتها في نظر المجتمع الدولي من ثورة شعبية إلى ميليشيات متصارعة في حرب أهلية .. وهكذا فشلت المعارضة المسلحة ، فشلا أبشع من فشل المعارضة السياسية .. لأنها سمحت بتشكيل كتائب جهادية خارج نطاق الجيش الحر ، كما سمحت بتدخل جبهة النصرة التي مهدت لدخول تنظيم داعش ، الذي كان وبالا على الجيش الحر وجيش التوحيد وغيرهما ... وهنالك سبب آخر لفشل المعارضة المسلحة ، لا يقل سوءا عن الأسباب السابقة .. لقد فشلت المعارضة المسلحة حين قبلت بالتمويل الخارجي المشروط ، الذي جعل هذه الكتائب مشغولة بالتناحر فيما بينها إرضاء لمموليها ، وانشغلت بذلك عن هدفها الأول والأخير ، ألا وهو إسقاط النظام ..