من لنا بمغيرة جديد .. يكلم عنا أوباما اليوم .؟؟
20 / 5 / 2015
بقلم : أبو ياسر السوري
==============
لا زلنا منذ وعينا على الدنيا ، ونحن نسمع بانعقاد مؤتمراتٍ هنا وهناك ، بعضها بخصوص فلسطين ، وأخرى بخصوص لبنان ، وثالثة بخصوص منطقة الشرق الأوسط .. مؤتمرات انعقدت في الماضي ، ومؤتمرات تعقد في الحاضر ، يحضرها قادة من العرب ، وبينهم في الغالب مراقبون من أمريكا ، وأوروبا ، وربما أحيانا من إسرائيل ... وقد جرت العادة فيها ، أن تؤخذ الصور التذكارية للمؤتمرين ، ثم يؤمر بإخراج الصحفيين والإعلاميين ، لتجري المحادثات بعد ذلك في الغرف السرية المغلقة ... وينتهي المؤتمر ، ويظل ما قيل فيه رهن السرية ، يدري به كل أحد سوى الشعوب العربية ، أصحاب الشأن في القضية .. فلا يعرفون ، ولا يحق لهم أن يعرفوا شيئا عما يخصهم .. أليسوا غنما في حظيرة الرعاة .؟ وهل يحق للشياه أن تسأل الراعي عما يريد بها .. فهو حر يبيع بعضها لمن شاء ، ويستبقي بعضها لحاجته ، ويذبح بعضها طعاما للضيفان ..
قادتنا رعاة علينا .. ورعايا عند الآخرين .. ليس في قاموسهم أن يقدموا بين يدي أوباما بكلمة ، ولا أن ينبثوا في مخالفته ببنت شفة .. فحسبهم من الشرف أن سيد البيت الأبيض "سيئ السمعمة " يحضر مؤتمرا لهم . ويملي عليهم إرادته ، ويفعلون هم ما يريد ..!!
أما بعد :
فماذا نسمي اللقاء ما بين يزدجرد ملك الفرس وبين من أرسلهم سعد بن أبي وقاص ليخيروا كسرى فارس بين ثلاث : الإسلام أو الجزية أو المناجزة .؟ وماذا نسمي لقاء رستم بنفر من جيش المسلمين قبيل معركة القادسية لإخباره بسبب إقدامهم على فتح فارس .؟؟ هل نسمي تلك اللقاءات مفاوضات .؟ أم مشاورات لتسوية مشاكل عالقة بين دول الجوار .؟ أم نسميها الإنذار الأخير الصادر من جيش الفتح الإسلامي لإمبراطورية فارس الكبرى آنذاك .؟ والحقيقة ، إن التسمية لا تعنينا بمقدار ما يعنينا المضمون ، فإن تلك اللقاءات كانت تمثل صورة من صور التفاوض بين الأمم ، على لسان نظراء من الطرفين ..
::::
قال ابن كثير في البداية والنهاية ، قال سيف بن عمر التميمي  في أثناء الحديث عن يوم القادسية : " كان سعد قد بعث طائفة من أصحابه إلى كسرى يدعونه إلى الله قبل نشوب القتال بين الطرفين ..  فاستأذنوا على كسرى يزدجرد فأذن لهم وأجلسهم بين يديه، وكان متكبرا قليل الادب، ثم جعل يسألهم عن ملابسهم هذه ما اسمها ؟ عن الاردية، والنعال، والسياط .. ثم كلما قالوا له شيئا من ذلك ، تفاءل فرد الله فأله على رأسه.. ثم قال لهم : ما الذي أقدمكم هذه البلاد ؟ أظننتم أنا لما تشاغلنا بأنفسنا اجترأتم علينا ؟
فقال له النعمان بن مقرن المزني : إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير ويأمرنا به، ويعرفنا الشر وينهانا عنه، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة.. فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق .. وأمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الامم فندعوهم إلى الانصاف .. فنحن ندعوكم إلى ديننا ، وهو دين الاسلام حسن الحسن وقبح القبيح . فإن أبيتم فأمرٌ من الشر هو أهونُ من آخر شر منه الجزية . فإن أبيتم فالمناجزة .. وإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه ، على أن تحكموا بأحكامه ، ونرجع عنكم ، وشآنكم وبلادكم ، وأن أتيتمونا بالجزية  قبلنا ومنعناكم ، وإلا قاتلناكم .
قال فتكلم يزدجرد فقال : إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددا ولا أسوأ ذات بين منكم .. قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي ليكفوناكم ، لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم . فإن كان عددكم كثر فلا يغرنكم منا. وإن كان الجهد دعاكم ، فرضنا لكم قوتا إلى خصبكم ، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم ، وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم .
قال : فأُسْكِتَ القومُ ، فقام المغيرةُ بن شعبة فقال : أيها الملك إن هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم ، وليس كل ما أرسلوا له جمعوه لك ، ولا كل ما تكلمتَ به أجابوك عليه ، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك ، فجاوبني فأكون أنا الذي أبلغك ، ويشهدون على ذلك .. إنك أيها الملك ، قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما.. فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالا منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع .. وأما المنازل فإنما هي ظهر الارض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الابل وأشعار الغنم ... ديننا أن يقتل بعضنا بعضا ، وأن يبغي بعضنا على بعض.. فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ، ونعرف وجهه ، ومولده .. فأرضُه خير أرضنا ، وحسبه خير أحسابنا ، وبيته خير بيوتنا ، وقبيلته خير قبائلنا ، وهو نفسه كان خيرَنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا .. فدعانا إلى أمرٍ ، فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين . فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا فهو أمر الله، فقال لنا إن ربكم يقول: " إني أنا الله وحدي لا شريك لي ، كنت إذ لم يكن شيء ، وكل شيء هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كل شيء ، وإليَّ يصير كل شيء ، وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل ، لأدلكم على السبيل التي أنجيكم بها بعد الموت من عذابي، ولأحلكم داري دار السلام ..." وقال الله لنا على لسان نبيه :" من تابعكم على هذا فله مالكم وعليه ما عليكم، ومن أبي فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم، ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم، فمن قتل منكم أدخلته جنتي، ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه.."
ثم ختم المغيرة كلامه للملك قائلا له :
فاختر يا هذا إن شئت الجزية وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتُنجّي نفسك.
فقال يزدجرد: أتستقبلني بمثل هذا ؟ فقال المغيرة : ما استقبلت إلا من كلمني، ولو كلمني غيرك لم أستقبلك به .. فقال الملك : لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم ، لا شيء لكم عندي.
:::::
فهل بين العرب اليوم من مغيرة جديد ؟ فنحن الآن بأمس الحاجة إليه ،  لعله يقول لرئيس أمريكا أوباما : أيها الرئيس دعونا وشأننا ، ولا تفرضوا الحثالة علينا لتحكمنا . فقد كنا نرضخ لعملائكم من قبل إذ كنا غافلين ، فامتن الله علينا فأيقظنا من سباتنا ، وألهمنا أن نطيح بكل حاكم عميل شرير وننتزع منه الملك ، لنضعه في أيدي قادة أحرار أخيار ...  فأبيتم وأبت معكم كل قوى الشر في العالم ، إلا الوقوف مع الجزار ضد الضحية ، مخالفين في ذلك كل شعاراتكم الجوفاء في الحرية والديمقراطية ، ومعطلين كل ما تقرر في القانون الدولي ، والمنظمات الأممية ، ضاربين بها عرض الحائط ، لقد خذلتم شعباً يُقتل ظلما لأنه طالب بحريته وكرامته ، ونصرتم حاكماً عميلاً خائناً مستبداً .. وإننا – نحن السوريين - أيها الرئيس أوباما ، قد عاهدنا الله أن لا نرمي السلاح حتى ننتزع حريتنا ، ونستقل بقراراتنا ، شاء من شاء ، وأبى من أبى .. فكفوا أذاكم عنا .. ودعونا وشأننا .. وإلا فقد أعذر من أنذر .. والسلام على من اتبع الهدى ..