نشرت صحيفة “هآرتس” تحليلاً سياسياً خاصاً يوضّح “حقيقة العلاقة بين إسرائيل وإيران، ويوضح الجوانب المختلفة لهذه العلاقة والتي لا تقوم على العداء الفعلي وإنما على مصالح اقتصادية وسيادية مشتركة، يخدمها الخطاب العدائي من الطرفين.
ويقول السياسي للصحيفة “ألوف بِن” إن الخطاب العام المعروف الذي تصف فيه إسرائيل إيران ب “النازيين الجدد” وتبادلها إيران بوصفها إسرائيل ب “الشيطان الأصغر”، ليست إلا شعارات سياسية، وأن الطرفين أعداء فعلا لكن على شاكلة الروح القتالية القديمة حيث يحترم الأعداء مصالح بعضهم.
ويضرب مثالاً على ذلك من الجانب الاقتصادي للعلاقات، فمنذ 47 عاماً وقعت حكومة إسرائيل على اتفاقية شراكة مع حكومة إيران لإنشاء أنبوب نفط يمرر النفط الإيراني لإسرائيل ويتخطاها لدول أخرى. لكن العلاقات قطعت بعد الثورة الإيرانية مما أبقى إسرائيل مدينة لإيران بمبالغ طائلة لشركة النفط الإيرانية.
وعلى عكس توقعات الإسرائيليين، الذين يتصورن إيران عدواً “مجنونا” و”غير عقلاني” يحل المشاكل بالعنف، عملت إيران على حل القضية مثل أي دائن يواجه مشاكل في استرجاع مستحقاته. وبالتالي توجّهت للتحكيم القضائي – وفقا للاتفاق- واستأنفوا الأحكام الصادرة لمحاكم أوروبية، ولم يستغلوا الموضوع للدعاية السياسية ولـ “شيطنة العدو”.
ويضيف هنا بأن تصرف الجانب الإسرائيلي في هذه القضية أيضاً يدل على تطلّعهم لفتح الأبواب من جديد للمحادثات والتعاون في مجال الاقتصاد والأعمال مع إيران, إلى جانب التعاون القديم في مسألة النفط والحل “السلمي” لمشكلة الديون، هناك فائدة اقتصادية كبيرة تجنيها إسرائيل من الملف النووي. فبحسب الصحيفة، تتمتع إسرائيل منذ عام 1966 باحتكار نووي، والذي يساعدها على التطور في ظل صغر مساحتها وقلة أفرادها ومواردها. كما أن “الغموض النووي” الذي تتمتع به إسرائيل منذ 1969 مبارك على يد الولايات المتحدة حتى اليوم، ولولا هذه الموافقة لكانت إسرائيل اليوم عرضة لضغط دولي لإغلاق مفاعل ديمونا النووي والتخلص من إنتاجاته.
وعليه فإن البرنامج النووي الإيراني يسعى لإنشاء “احتكار ثنائي” في الشرق الأوسط، الأمر الذي يضر إسرائيل. لهذا السبب تناهض إسرائيل البرنامج النووي لإيران، بالخفية والعلن، من أجل الحفاظ على مكانتها كقوة اقتصادية في الشرق الأوسط، وليس من أجل “الخطر الوجودي” الذي تدعي إسرائيل أن إيران تشكله عليها.

ويقول الكاتب وعن تهديدات السياسيين الإسرائيليين المتكررة بإرسال القوات الجوية الإسرائيلية لضرب مفاعل إيران النووي والبدء بحرب ضدها، إن هذا ليس إلا محض شعارات. وتم الكشف عن دليل لهذا الكلام منذ يومين. إذ صرّح رئيس الأركان لجيش الاحتلال السابق “بيني غينيتس”، في مقابلة تلفزيونية على القناة الثانية، بأن الكلام عن ضرب إيران ظلّ في حيز التصريحات ولم يصل أبداً مرحلة التنفيذ أو التخطيط، وأن رئيس الأركان نفسه حذر المستوى السياسي عدة مرات من التفكير بهذه الخطوة، لكنه اعترف بأن هذه التصريحات عززت الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية.
وتعليقاً على هذا يقول إنه برعاية الكلام عن الضربات الجوية الإسرائيلية، عززت إسرائيل قوات الردع البحرية التي تشكل خطراً كبيراً على كل دولة تفكر بضرب إسرائيل. وبسبب الفزاعة الإيرانية أيضاً عقدت إسرائيل صفقات سلاح ضخمة واقتنت غواصات من ألمانيا.

وتعترف الصحيفة بأن إيران ليست عدواً “مجنوناً” وأنها لن تسارع بضرب إسرائيل ولن تجر نفسها لمواجهة عسكرية فعلية. ودليلاً على ذلك يقول الكاتب إن المنظومات الصاروخية التي تزود بها إيران قوّات “حزب الله” وتنصبها جنوبي لبنان لم تكن لتستخدم لولا “قلة مسؤولية” رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق “إيهود أولمرت” عندما قرر شن حرب على لبنان رداً على خطف جثتين لجنود إسرائيليين. وفي هذا السياق يضيف الكاتب بأن إيران اعترفت بتفوق إسرائيل النووي بالتالي تجاوزته الباب الخلفي، عن طريق تسليح جنوب لبنان لتشكيل قوة ردع.
ويضيف الكاتب إن رد الفعلي الإيراني على مقتل جنراله بعملية اغتيال نسب تنفيذها لإسرائيل، يدل على مستويات عالية من ضبط النفس وعلى أنهم يعتمدون على حساب الاحتمالات والمخاطر، وليسوا مندفعين كما يروّج لهم الخطاب الإسرائيلي المعلن.
و تذكر الصحيفة بأن الدول العظمى تستطيع التوصل لاتفاق مع القيادة الإيرانية بالملف النووي. وتعتبر بأن إسرائيل نجحت بالتوصل لنوع من الاتفاق معهم، والذي عن طريقه استطاع الطرفين خدمة مصالحهما دون الدخول بمواجهة عنيفة. فمن ناحية استطاعت إيران -عن الطريق “الفزاعة الإسرائيلية”-بالحفاظ على حكمها، ونجحت إسرائيل بحفظ السيطرة على الأراضي الفلسطينية.