شبكة ‫#‏شام‬ الإخبارية || العودة للحياة من جديد

------------------

في اللحظات الأولى التي يصل المريض بها ملقياً بنظره لأسفل الدرج المؤدي لقاعة مركز العلاج الفيزيائي ، يصارع ألمه لبضع دقائق تنقله من عالم الإصابة اليائس إلى أمل الحياة من جديد ، كثيراً ما يستغرق الأمر عشرَ دقائق لنزول خمسٍ وعشرين درجة ومع كل درجةٍ صراعٌ داخلي يتحدى القبول بالتنازل عن أحد أعضاء الجسم حيويةً ، وكأن العيون تحكي قصةً طويلةً عن معاناة اتخاذ القرار ونتائج اليوم ، تتعدد الحالات والقصص التي يستقبلها مركز المعالجة الفيزيائية والتأهيل في مدينة دوما بالغوطة الشرقية بريف دمشق كل يوم والتي تكون في البداية مؤلمةً وتخرج الآن بصعوبة كصعوبة إعادة الحياة لجسدٍ بلا روح .




بكلماته الثقيلة المتلعثمة والتي بدى واضحاً عليها التكلف والعناء يشكر الله على استعادة نطقه والذي قد فقده بعد إصابة في الرأس أدت إلى "حبسةٍ كلاميةٍ " حسب تقرير الأطباء ، جمال ذو التسعة عشرعاماً والذي كان من مقاتلي الجيش الحر على أحد الجبهات يستذكر تفاصيل يوم إصابته التي أدت لبتر طرفه العلوي من منتصف ساعده الأيسر إضافةً لفقدانه القدرة على النطق: " في تلك الليلة وتحت أزيز الرصاص المنهمر علينا من جنود الأسد ، وصفير القذائف المتساقطة علينا كمطر السماء ، بين الحين والآخر يعلو صوتي لأحفز رفقاي على مواصلة القتال وصد الهجوم علينا وما هي إلا لحظاتٌ لم أدرك فيها شيئاً إلا السواد الذي ظهر فجأةً أمام عينيّ ودمائي التي تسيل من جسدي ولكن اين لا أعلم ! " وفي لحظات صمت تنهد "جمال" بعبارته "لقد صدمت حين استيقظت من عملي الجراحي لأجد ساعدي اليسرى مبتورةً حاولت الصراخ لكني لم أستطع ، ظننت أنها من تأثير المخدر الذي توفر في المستشفى ولكنها أيامٌ توالت على حالتي دون أي كلمةٍ أنطق بها " يرسم جمال بسمةً خفيفةً على شفتيه ويقول بشيءٍ من التكلف "من هنا الأمل بدء يمشي معي بمسيرتي نحو النطق ، فقد اتخذت قراري بالخضوع للمعالجة الفيزيائية باستخدام الكهرباء العلاجية لإعادة تنبيه الأعصاب المسؤولة عن النطق والتي استمرت على شكل ثلاث جلساتٍ في الأسبوع الواحد لمدة ثمانية أشهرٍ وبدا التحسن واضحاً يوماً بعد يوم" يقدر الاخصائي أبو سليمان نسبة تحسن نطق جمال بخمسين بالمئة والتي وصفها الطبيب بالجيدة مقارنةً بما كان عليه من قبل .




وفي زاوية أخرى وللوهلة الأولى ظننته فقدَ الأمل بعلاجه بعد سماع بكاءه ولكن الأمر كان معاكساً تماماً ، فقد استطاع "نعيم" الوقوف على قدميه بعد شللٍ دام عاماً كاملاً، نعيم والذي أصيب أثناء تغطيته الإعلامية لأحد معارك الغوطة الشرقية في بدايات عام 2013 حيث اخترقت شظيةٌ من قذيفة دبابةٍ العمود الفقري فأُصيب  بشلل نصفي وأصبح قعيد كرسيٍ متحركٍ يلازمه حيثما أراد الذهاب ، "أمنيتي أن أعود إلى عملي الإعلامي وأوثق جرائم الأسد مجدداً وأكون جنبا إلى جنب مع الثوار لأسجل لهم بطولاتهم في نضالهم لنيل الحرية " بتلك الكلمات بادر نعيم بكلامه عن نفسه ، وكأنه يحلم بالعافية التي تعيده لما كان عليه سابقاً" مجرد الاحساس بأن اتمام الحياة على كرسيٍ متحركٍ وملازمة شخص يصحبني في كل تنقلاتي يكاد يفقدني صوابي ، لم أيأس أو استسلم لواقعي المرير إلى أن بدءت معالجتي الفيزيائية قبل عامٍ كاملٍ من الآن " المعالجة بالضغط على الجذور العصبية ورفع مستوى القوة العضلية إضافة لتعريض الأعصاب للكهرباء العلاجية والتي أبدت استجابةً خفيفةً في الأشهر الأولى من العلاج أعطى الأمل بأن الحلم المنشود لنعيم ليس بعيد المنال ، وحسب تقييم الطبيب فإن نعيم بات قادراً على استعادة توازنه وتناسقه أثناء الوقوف والجلوس وبذلك يتوجب عليه متابعة العلاج لاستعادة أعلى نسبةٍ قد يصل إليها في التخلص من الشلل .



عين الرجل الأربعيني تراقب همة نعيم ليجعل من اصراره نموذجا يقتدي به بعد أن امتنع أهله عن القبول ببتر يده اليمنى بعد أن أُصيب بإحدى غارات الطيران الحربي التي هدمت منزله ، فكانت أحد الشظايا مستقرةً بالظفيرة العضدية لكتفه وقد قطعت كافة الشرايين ، وبين الوهم والحقيقة يسمع "سعيد" همهمات الأطباء من حوله في نقاشهم مع أخيه " لم يفزعني أمر إصابتي بقدر ما أفزعني إكمال حياتي دون يد !! " وبنظرة من التحدي يقول سعيد "أتريد أن تراني أحمل بيدي التي كانت مشروع بترٍ أوزاناً لا تتوقعها في حالتي هذه ؟ أستطيع الآن حمل ولدي الصغير ذو الستة أعوام كما أني أصبحت قادرا على تكسير الأخشاب لاستقبال الشتاء ، مداومتي على المعالجة الفيزيائية حسّنت من قدرتي على استعادة حيوية يدي اليمنى بنسبةٍ كبيرة" .



"أكثر من ألفين وخمسمئة  مصاب من الرجال والنساء إضافة لرعاية حالات شلل الأطفال بمعدل عشرة آلاف جلسة علاجية رغم الإمكانيات المحلية البسيطة التي يمتلكها المركز" حصيلة ما قد استطاع المركز تقديمه بحسب كلام الأخصائي "أبو سليمان الحموي" بالرغم من استمرار نظام الأسد للقصف المستمر مخلفا في أبناء الغوطة إعاقات يتطلب شفاؤها لعمليات كبيرة لا تُجرى في الغوطة الشرقية ولا ملجأ للخروج من ها بسبب ما تفرضه قوات الأسد من حصار ومنع للخروج حتى للعلاج والتي غالبا ما تسبب أزمة نفسية للمصاب لما يراه كل يوم من الاقتراب من الموت ولكن بشكل بطئ .