"تنظيم الدولة" لا يريد "كوباني".. والتحالف الدولي لا يستهدف "التنظيم"
"كوباني" أو "عين العرب" بلدة كردية سُنية يتسلط عليها ويتزعم قيادتها ميليشيات وأحزاب علمانية عميلة كـ(الـPKK والـpyd) وغيرهما، لكن بقية الناس في البلدة سنيون أكراد كعامة شعب سوريا، وهي بلدة شبه معزولة عن سوريا ثقافيًّا وجغرافيًّا، فهي تقع في أقصى الشمال السوري بموازاة محافظة الرقة وعلى الحدود المباشرة مع تركيا.
وهي وإن كانت قد تواصلت مع النظام السوري وتوافقت على رفض الثورة ومواجهة الثوار، بل قامت ببعض الأعمال العدائية ضدهم من قتل واختطاف، إلا أنها في النهاية لا تمثل في المعادلة الثورية السورية قيمة تذكر، وأيا كان النظام الحاكم فستبقى هذه البلدة منطوية على نفسها، وستجري معه التفاهمات والمساومات التي تبقيها على وضعها، فالأكراد ليس لهم ولاء حقيقي إلا لأنفسهم، وليس لهم انتماء إلا لمواضع أقدامهم، وذلك نتيجة طبيعية للتهميش الحاصل لهم من الدول المتواجدين فيها، ولتسلط النزعة القومية وسيطرتها عليهم، فهم ليسوا عقبة في طريق الثورة!!
وهم وإن كانوا صفراً في المعادلة السورية فهم رقم لا يستهان به بالنسبة للمعادلة التركية، فالدخول معهم في صراع يتم توظيفه ضد الحكومة التركية، التي تسير الآن في عملية سلام وتسوية مع الأكراد، بزعامة الزعيم الكردي السابق عبد الله أوجلان، هذه التسوية التي ستضمن حفظ أمنها وتوحيد دولتها، ولكن أطرافًا داخلية وخارجية ليس من مصلحتها هذا التوحد وهذه التسوية، فهي تعمل عن كثب على إفشالها وتوظف كل الأحداث، بما فيها الاعتداء على كوباني لصالح إنهاء هذه المصالحة، وإبقاء الصراع مستعرًا بين الأكراد والحكومة التركية.. وهذا له تفاصيله التي يمكن استيعابها في هذا المقال!
فأكراد الداخل يطالبون بالتدخل العسكري لإنقاذ إخوانهم الأكراد في سوريا، وبعض الأحزاب كحزب "الشعوب الديمقراطي" وغيره تُهيّج الشارع التركي ضد الحكومة، وتصفها بالتخاذل، لعدم التدخل لإنقاذ الأكراد، في الوقت الذي صوّتوا فيه ضد قرار البرلمان التركي بضرورة تدخل تركيا العسكري خارج أراضيها، في حالة تعرّض أمنها القومي للخطر.. فكشف الله خبيئة القوم، وأظهر خُبث طويتهم وتناقضهم، وأنهم إنما يتحركون وفق مصالحهم الضيقة التي يُلوّح لهم بها الغرب، الذي يريد أن يُورط تركيا في صراع يستغرق طاقتها ويثنيها عن تقدمها في مساراتها الاقتصادية والسياسية التي حققتها، وقد كانت تركيا على بينة من هذه المؤامرات منذ البداية فنأت بنفسها عن هذا الصراع، مع قيامها بما تستوجبه الضرورات الإنسانية مع اللاجئين السوريين والأكراد، فاستقبلت على أراضيها أكثر من مليوني سوري، ومائة وخمسين ألف كردي، حتى الآن.
فاللعبة إذن ليست "كوباني"، وإنما هي الحكومة التركية وأردوغان، الذي تُنافسه قِطع الشطرنج الخليجية والعربية على الزعامة!!
ففي حقيقة الأمر لا قيمة تذكر لتنظيم الدولة من الاستيلاء على كوباني (عين العرب)، ولا قيمة للسوريين أو الثورة السورية من الاستيلاء على "كوباني".
وهذا الصراع يُوضّح لنا صحة النظريات التي كانت تؤكد أن المواجهات بين التنظيم والنظام النصيري كانت مجرد تمثيليات محبوكة، ليتسنى له أن يُسلم مطار الطبقة والفرقة 17 واللواء 93 لتنظيم الدولة، فهذه الحصون العسكرية العتيدة قد استولى عليها التنظيم في ساعات معدودة، ثم هو أمام بلدة صغيرة كعين العرب (كوباني) يستمر في القتال أكثر من شهر وما زال، بل يَخسر التنظيمُ من جنوده بحسب ما توارد أكثر من 300 مقاتل، في الوقت الذي خسر الأكرادُ أقلَّ من ذلك!!
والعجيب أن هذا الفتح كما يسميه أنصار تنظيم الدولة جاء في ظل تحالف دول عظمى، استطاع من قبل أن يُسقط أقوى الدول شراسة كالعراق في عهد صدام!!
فهل جاء التحالف لأجل القضاء على تنظيم "الدولة"؟
أم ليدفع "الدولة" إلى ما يريد؟!!
بقلم:
عادل باشا