هل القول ( اللهم صلي على محمد ) هو خطاب للأنثى .؟
منذ بضعة أشهر وقفت على تنبيهٍ نشره بعض النحويين ، لا أذكر الآن اسمه ، قال فيه : يخطئ من يقول ( اللهم صلي على محمد ) . ويرى صاحبنا أن الصواب أن يقال (اللهم صلِّ على محمد ) بحذف حرف العلة من آخر الفعل ( صلِّ ) .
ثم رأيت نحويا آخر ، غير الأول ، عاد فنبَّه إلى تجنُّب هذا الخطأ في صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . وشدد على حذف الياء من كلمة ( صلِّ ) .
ثم رأيت نحويا ثالثا ، لم يكتف بالتنبيه إلى أن إثبات الياء في هذا الفعل خطأ يجب اجتنابه وحسب ، وإنما ذهب إلى تكفير من يتعمد ذلك .. زاعما أن إثبات الياء في لفظة ( صلي ) تعني أن المخاطب بها أنثى .. وأن الله ليس بأنثى ، حتى نخاطبه بإثبات ياء المؤنثة المخاطبة ..
وإذا سمحتم لي بينتُ لكم ما قاله أهل العلم في ذلك .؟؟
هناك يا سادة ، قبيلةٌ من العرب تعامل الفعل المعتل الآخر معاملة الفعل الصحيح ، فتجزمه بالسكون . وذكروا على ذلك عدة شواهد :
الشاهد الأول قول عبد يغوث بن وقاص الحارثي اليماني :
وتضحك مني شيخة عبشمية : كأنْ لم ترى قبلي أسيرًا يمانيا
بإثبات الألف مع الجازم في الفعل ( ترى ) .
والشاهد الثاني قول قيس بن زهير :
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبُونَ بني زياد
بإثبات الياء مع الجازم في الفعل ( يأتيك ) .
والشاهد الثالث قول أبي عمرو بن العلاء :
هجوتَ زبّان ثم جئت معتذرا : من هجوِ زبَّان لم تهجو ولم تَدَعِ
بإثبات الواو مع الجازم في الفعل ( تهجو) .
وهي لغة جاء بها القرآن الكريم في قوله تعالى :( إنه مَنْ يتَّقي ويصبرْ) قرأ قنبل عن ابن كثير بإثبات الياء في الفعل ( يتَّقي ) وهو فعل شرط مجزوم .. وهذه قراءة سبعية ثابتة ، قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وباتفاق النحويين أن فعل الأمر مبني على ما يجزم به مضارعه ..
وإذا جاز على لغة من لغات العرب ، أن نجزم المضارع المعتل بحذف حركته المقدرة تعذرا أو استثقالا ، فجائزٌ أن يبنى الأمر من المضارع المعتل الآخر ، على حذف الحركة .. وعليه يكون من الجائز نحويا وعربيا أن نقول في خطاب المذكر ( يا فلان صلِّي على محمد ) بإثبات الياء من المضارع ( صلِّي ) . وهي لغة ثابتة من كلام العرب . ليس لنا القول بتخطيئها . نعم يمكن القول بأنها خلاف الشائع من كلام العرب ..
وبهذا البيان السابق ، ثبت خطأ من زعم : " بأن إثبات الياء في لفظة ( صلِّي ) يجعلها خطابا للمؤنث .. وأنه لا يليق أن يخاطب الله تعالى بصيغة التأنيث ..!!
وهنا لدينا ثلاث ملاحظات ، نثبتها للفائدة :
1 – إن القول بتكفير من أثبت الياء في الفعل ( صَلِّي ) هو قول في منتهى الغرابة .. سبحان الله كأن داعش أصابت بعض النحويين بعدوى التكفير .!! وصار من السهل عليهم أن يكفروا من خالفهم في لفظة ما ، وردت على لسان العرب ، وتضافرت على جوازها – كما رأينا - الشواهد النحوية . ولكنَّ جهل نحويي زماننا ، حملهم على تجهيل بل تكفير من قال بخلاف ما يعرفون ..
2 – إن النحويين التكفيريين قد شددوا النكير على من أثبت الياء في ( صلي ) بدعوى أن هذه الياء ، تجعل الفعل خطابا للأنثى ، وهو لا يليق بالله تعالى.!!
فنسألهم : وهل قولكم ( صلِّ ) بدون ياء ، فيه إثبات الذكورة لله سبحانه وتعالى .!؟ على رسلكم يا قوم ، فإن الله سبحانه لا يوصف بذكورة ولا بأنوثة . ومن وصفه بواحدة منهما كفر .
الكلام هنا ، ينبغي أن يكون في ( لفظ الجلالة ) فقط . دون أن نعديه إلى ذات الباري عز وجل .. وينبغي أن نقول هنا : اصطلح العرب على معاملة ( لفظ الجلالة ) معاملة المذكر .. ويخطئ من يعامله معاملة المؤنث .. فمسائل النحو كلها مستقاة من لسان العرب واستخداماتهم في التعبير ، وليس لنا إلا الاقتداء بهم في ذلك . ومن خرج عن لسانهم فهو مخطئ ...هذا لو لم يكن هنالك قبيلة أخرى تخالف في ذلك بقية القبائل ..
وبناء على هذا البيان نقول للمخالف : لو عومل لفظ الجلالة معاملة المؤنث ، فإن ذلك لا ينقل المتلفظ به من الإيمان إلى الكفر .. وإنما ينقله من الصواب في التعبير إلى الخطأ فيه ...
3 – والملاحظة الأخيرة ، أنصح بعض المتعالمين الذين يصدرون أشرطة فيديو تحت عنوان ( تصحيح أخطاء شائعة ) رأيت أحدها فوقفت فيه على أكثر من غلطة نحوية .. فقلت سبحان الله ، ألم يسع هذا الأخ أن يلزم الصمت ، ويستر جهله عن الناس .؟ لأن فاقد الشيء لا يعطيه . ولأن من نخل الناس غربلوه ..