كشفت صحيفة “التحرير” الانقلابية النقاب عن أن اقتحام قوات الجيش والشرطة للعمارة المشهورة في ميدان “رابعة العدوية” بـ “عمارة المنايفة” أسفر عن مصرع نحو خمسمائة شخص، بينهم نساء وأطفال، كانوا قد احتموا بالعمارة من الرصاص والقنابل الخانقة، يوم الفض الدموي للميدان 14 آب/ أغسطس 2013.
وتقع العمارة في شارع الطيران على الجهة المقابلة لمحطة الوقود. وقد تأخر إنشاؤها أربعة أعوام، بسبب الأحوال بعد ثورة يناير. وكانت يوم الفض حجر عثرة في وجه تقدم قوات الجيش والشرطة نحو قلب الميدان، قبل أن تقتحمها “القوات الخاصة” مدعومة بمروحيات هليكوبتر.
ونشرت الصحيفة، في عددها الصادر السبت، تحقيقا عن العمارة، بعنوان: “عمارة المنايفة.. الشاهد الصامت على فض اعتصام “رابعة العدوية”، مشيرة إلى أنها أصبحت الآن برجا سكنيا يحمل اسم “مكة المكرمة”.
ونقلت عن حارس العمارة، طارق، قوله إن المعتصمين استأذنوه في أواخر شهر حزيران/ يونيو 2013 لأداء صلاة الجمعة بمدخل العمارة، ومن يومها استمروا بالعمارة، (48 يوما) حيث امتلأ المدخل والدور الأول بالرجال، وبقي الثاني مغلقا بالطوب المتراص على النساء، حيث كان المئات يدخلون ويخرجون في العمارة كل يوم.
وعن المعتصمين قال: “تجمعوا من أرجاء المحروسة فسكنوها، كان معظمهم لا يعرف الآخر فالجميع “إخوة في الله”، و”الكل للواحد والواحد للكل”، وبرغم خلو العمارة من “المنايفة” إلا أنهم فرضوا سطوتهم بخيمتهم الملاصقة لها، فحملت العمارة جنسيتهم، هدفا واحدا، تجمعهم الصلاة، ولا تفرقهم المسيرة، الصوم والتظاهر جهادهم نهارا، والتراويح والدعاء على “الانقلابيين”، جهادهم ليلا”، وفق الصحيفة.
وروى الحارس طارق ما حدث ليلة الفض فقال: “الليلة كانت حارة، وقد استيقظت مفزوعا على رائحة الغاز التي ملأت المكان، والناس بتعافر لآخر نفس.. البرج ذو العشرة أدوار صار لا يتسع للمتزاحمين على السلالم فرارا من الموت المحدق”.
وأشار إلى أن “السقالة” التي أنقذته ورفاقه من الصعايدة حارسي العمارة لم تستطع أن تنقذ جميع المعتصمين، وأن منهم اللي وقع، وهربوا من الموت للموت”.
وأشار إلى أن رصاصة مرت بجانبه اخترقت الخرسانة لتفتت الحديد كانت كفيلة بأن يستوعب أن البقاء هنا صار ضربا من الجنون قائلا: “في دقائق كانت رائحة الموت تملأ الدنيا والجثث منثورة في كل شبر.. كنا نمر من فوقها، ونحن لا نعلم أنها جثث”.
وأضافت الصحيفة: الجثث التي رآها طارق في خروجه الأول تملأ الشارع كانت هذه المرة في استقباله في مدخل العمارة، وفى أدوارها العشر.. جثث نساء ورجال وأطفال.. دماء اختلطت بالرمال، وجثث حفرت مكانها على سلم العمارة.. فبات يتحسس موضعها في كل مرة صعودا وهبوطا عليها”.
وأضاف طارق: “خلا الميدان من الأسلحة في صباح يوم الفض”، وتابع: “عمري ما شفت فرد خرطوش حتى في الاعتصام، ويوم الفض ماكانش معاهم غير العصي والحجارة والمولوتوف”.
واستطردت الصحيفة: “500 جثة، رقم مهول لم يكن يستطيع طارق أن يصدقه لو نشرته كل الشاشات الفضائية، لكنه حين يخرج من فم أحد ضباط الميدان بعد الفض فإن الرقم يكون مصدقا بلا شك، يقول طارق: “عندما عدت، وبعد ما الضباط اطمأنوا لي، وتحدثوا أمامي عن العمارة، وما جرى فيها، وتحدثوا عن الرقم الحقيقي للقتلى الذين سقطوا فيها”. (الخمسمائة).
ثم نقلت “التحرير” عن ناشط شاب عرفته بأنه “أبو ثائر”، وهو من أوائل من حملوا اللقب “حازمون”، تأثرا بالشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، قوله: “مكان إقامتي كان عمارة المنايفة، وكان معايا زوج أختي”.
وأضاف أبو ثائر -وفق التحرير-: “الساعة 6 (يوم الفض) كانت نهاية الاعتصام بالعمارة، فقد اقتحمتها قوات الشرطة من أسفل، وقوات الجيش من أعلى.. هبوطا من الطائرات حتى إني كنت أرى الشباب يتساقطون من سطح العمارة هروبا من القوات، وحدثت أكبر مجزرة بالميدان فلم يخرج أحد منها حيا، ومن بقي فقد تم القبض عليه”.
وبحسب الصحيفة: “انتهى اليوم، واستطاع أبو ثائر، مع زوج أخته الخروج من الشوارع الجانبية خلف مسجد رابعة”.
والآن: استعادت العمارة وضعها القديم، وعاد طارق لصنع الشاي كما كان يفعل، وقت الاعتصام، هذه المرة ليس للمعتصمين بل صار لجنود الأمن المركزي وضباط الجيش، قائلا: “أنا باسترزق مش مهم من مين بس الشهادة لله رزق الإخوان كان واسع وكنت بابيع الشاي بأعلى سعر لكن المجندين غلابة بابيع لهم الكوباية بجنيه”، وفق “التحرير”.
يُذكر أن قناة “الجزيرة الوثائقية”، بثت الخميس، فيلما وثائقيا يجسد بطولات المعتصمين، تحت عنوان “عمارة المنايفة”، إذ وثق عمليات القتل والاعتقال التي تعرض لها المعتصمون الذين احتموا داخل العمارة.
وقالت القناة في نبذة مختصرة عن الفيلم، إنه “أثناء اعتصام رابعة وخصوصا خلال شهر رمضان كان لتلك العمارة “عمارة المنايفة” دور كبير في دعم الاعتصام، فعبر طوابق هذا المبنى الذي لم يكتمل بناؤه حمل كل طابق مهمة خاصة له.. وصولا إلى دورها الكبير في الصمود أمام محاولات العسكر اقتحام الميدان يوم الفض من مدخل شارع الطيران”.
ووصف الفيلم ما حدث من جانب المعتصمين داخل البناية بأنه “صمود وثبات وصل إلى حد أنه في أثناء سقوط المنصة الرئيسة للميدان، وتدميرها، كانت “العمارة” لا تزال عصية على سيطرة الأمن، فجن جنون القوات، واستخدموا ضد العمارة ومرتاديها أقصي درجات العنف.
من إطلاق قذائف الجرينوف، وإحاطتها بالطائرات المحملة بالقناصة، كما تم تجهيز كتائب من القوات الخاصة لاقتحام العمارة، حتى سقطت أخيرا في أيديهم بعد عنف مفرط”، وهو ما اتفق معه شاهدا العيان اللذان نقلت “التحرير” نبأهما في التحقيق المشار إليه.