معاناة سكان المخيمات
هل جرب أحدنا أن يعيش مسلوب الحرية في حياته اليومية .؟ هل جرب أن يعيش فترة محكوما في كل شؤونه من طعام وشراب وغسيل وتغسيل وتنظيف .؟ هل جربت أن يأتيك ابنك أو أخوك طريدا شريدا فلا يسمح لك أن تراه ولا يراك .؟ وإذا سمح لكم أن تلتقوا لا يسمح لك أن تستضيفه إلا ضمن قيود وشروط ولفترة من الوقت قصيرة ، تودعه بعدها إلى حيث لا تعلم متى ولا أين ستلقاه ويلقاك .؟
تلك هي بعض ملامح الحياة ضمن مخيمات اللاجئين السوريين ...
صحيح أنه يقدم للاجئ فيها الطعام ، ولكنه ليس له أن يختار الأكلة التي يشتهي ، وإنما تفرض عليه الوجبة فرضا في النوع والكم ، وقد يقدم إليه من الطعام ما لا يشتهي ، وليس له خيار في قبوله أو رده .. وصحيح أن الماء مؤمن في المخيم ، ولكنه مؤمن بكميات محدودة ، فعليه أن لا يصرف منه إلا بمقدار ، وإلا هدد بالعطش هو وأسرته وصغاره . وصحيح أنهم يتكفلون للمقيم في المخيم بكل شيء ضروري ، ولكنهم في المقابل يمنعونه من اقتناء أي شيء ضروري . فلا يسمح له باقتناء أداة لتدفئة المكان ، ولا ثلاجة كبيرة لتبريد الماء وتخزين الطعام ، ولا مكنسة كهربائية ، ولا غسالة لتنظيف الثياب ..
وهؤلاء الذين اضطروا إلى سكنى هذه المخيمات ، كان كثير منهم يعيش عيشة اليسر والرخاء ، مؤمن له في بيته كل الضروريات والكماليات والتحسينيات ، وعلى أكمل وأحسن حال . وفجأة فرضت عليه حياة الأسر والقلة والتحكم ، وفقد كل ما كان فيه من رغد العيش وهناءته ، وسعة الحياة ويسرها . وتحول إلى مخيم يعاني خلاله معاناة متواصلة لا تنقطع أسبابها ، فبعد أن كان للزوجة غسالة أوتوماتيك ، خاصة بها ، صارت الآن بحاجة إلى حمل الثياب المتسخة ، والذهاب بها لتسليمها إلى مراكز الغسيل ، التي يشرف عليها في الغالب الرجال ، لهذا يمتنع النسوة من الذهاب إلى هذه المراكز ، تحاشيا من التعرض لموقف مخل بالمروءة . مما يضطرهن إلى غسل ثياب ذويهن بأيديهن ، وتلك مخالفة يترتب عليها بعض العقوبات ، لأن تسريح ماء الغسيل قرب الخيمة أو الكرفانة ، سوف يؤذي الآخرين  .. وكانت الأسرة تعيش في منزل براح متسع ، فيه غرفة للضيوف وغرفة للمعيشة وغرف للمبيت ومطبخ واسع مزود بكل ما يلزم من أدوات منزلية زجاجية وكهربائية وقدور وصحون وملاعق وكاسات وسكاكين .. فتحولت الأسرة إلى خيمة أو كرفانة واحدة ، تعيش فيها متزاحمة مع بعضها ، ومزاحمة لجيرانها .. ومثل هذا الوضع قد يكون مقبولا لمسافرين باختيارهم ، في رحلة للاستجمام وكسر الروتين الممل ، ولكنه غير مقبول لمن فرض عليهم ذلك فرضا ، وإلى شهور بل إلى سنين ، لا يدرى لها نهاية .. وإنه ليسهل على الإنسان أن ينتقل من عيش الضنك إلى عيش السعة والرخاء . ويشق عليه العكس . لذلك قال الفضيل بن عياض " ارحموا عزيز قوم ذل ، وغنيا افتقر ، وعالما بين الجهال " .