" إن الله تكفل لي بالشام وأهله "
حديث شريف
بقلم : أبو ياسر السوري
الثورة السورية هي الكاشفة والفاضحة ، فقد كشفت الأقنعة عن وجوه أشرار كنا نعدهم من الأخيار .. وعن جهلة كنا نعدهم من العلماء .. وعن متسلقين أنانيين كل همهم الوصول إلى مآربهم ، ولو اتخذوا من جثث ضحايا الثورة سلما يصعدون عليه إلى أغراضهم الشخصية .
رفعت هذه الثورة قوما ، وخفضت آخرين .. ثم تألب عليها الأعداء ، فقاموا بتصفية المخلصين ، ليحل محلهم المغرضون ، الذين استلموا الراية ، فحرفوا الثورة عن مسارها ، واختاروا لها وجهة جديدة ، لم تكن في حسبان من فجروها ، وسقوها من دمائهم ، وغذوها بأشلائهم ..
صُدِمَ السوريون الأحرارُ حين اكتشفوا أنه ليس في العالم مجتمع دولي ، ولا قانون يحكم العالم ، ولا منظمات تعمل على رعاية السلم والسلام العالميين .. وإنما تحكم البشرية اليوم بقانون غابة مقنعة بقناع من الديمقراطية الكاذبة ، فالمسؤولون الجالسون على أدسات الحكم في الدول الكبرى ، صاحبة القرار ، فضحوا بغبائهم الحالي ، كل المخططات المقنعة ، التي رسمها عباقرة المكر في الماضي .. وكشف هؤلاء القادة الصغار عن الوجه القبيح لمن سبقهم من شياطين السياسة في العالم ، الذين قدروا ودبروا وتآمروا ومكروا ، لينهبوا خيرات العالم ، ويعبثوا بثرواته ومقدراته إلى مئات السنين .. وكأنَّ هؤلاء اللاعبن قد تقاسموا العالم فيما بينهم ، على أن يكون لكل منهم مناطق نفوذ تستأثر بها دولته ، لا ينافسها عليه بقية اللصوص الكبار .
واكتشف السوريون أن القادة العرب لا وجود لهم على جدول التأثير الإنساني . وليس لهم دور في أي قرار ، سواء أكان يخصهم ، أم يخص الآخرين من حولهم . وأنهم ليسوا في العير ولا في النفير . وكأن الشاعر كنى عنهم بقبيلة تيم حين قال :
ويُقضَى الأمرُ حين تغيبُ تيمٌ : ولا يُستأمَرُونَ وهمْ شهودُ
واكتشف السوريون أنهم ضحايا تآمرٍ عالميّ ، وأن من كان رئيسهم بالأمس ، هو الذي يتولى إبادتهم اليوم وغدا وبعد غد .. فيما لو بقي على قيد الحياة .. وأن كل حكام الدنيا تشد في ذلك على يديه ، وتعمل على إسقاط شعب بأكمله ، ولا أن يسقط رئيس عميل واحد ، يعمل في خدمة أولئك اللاعبين الكبار ..
واكتشف السوريون ، أن علماء الدين الذين كانوا ملء السمع والبصر ، قد مهروا بالتصيد باسم الدين ، واوقعوا ملايين المغفلين في شراكهم ، وكانوا جزءا من اللعبة من حيث يشعرون أو لا يشعرون .
سوريا ضاعت يا سادة ، أو على وشك أن تضيع .. وقد عمل على إيصالها إلى حافة هذا الضياع ، الصنفان اللذان إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس . العلماء والأمراء ..
ومن حق التاريخ أن يحتفظ بالحقيقة بين صفحاته .. ومن حق التاريخ أن ينقل العبرة للأجيال اللاحقة ، ليفيدوا من أخطاء من سبقوهم ..
ولكن .. هل قلت سوريا ضاعت .؟؟ أستغفر الله فسوريا لن تضيع . وإنما تمر اليوم في مخاض عسير . وسوف تولد بلاد الشام من جديد . وسوف يقف أبناؤها فوق ترابها ورؤوسهم شامخة إلى السماء ، يقولون للدنيا بأسرها : نحن أبناء الشام . الذي تكفل الله به وبأهله .. ومن كان الله كفيله ، فلن يغلب مهما تداعت عليه الأمم ، أو تكالب عليه الأعداء ..