المختصر / من حين أن بدأت الثورة السُّنِّيَةُ في العراق وذَكَرَ الإعلام دخول داعش في ثناياها وأنا متوجس شراً ماحقاً وبلاء عظيماً . لذلك آثرت عدم الكتابة في هذا الموضوع بل أوصيت بذلك في تعليقة نشرتها عبر صفحتي في توتر. وحين جاءني خبر إعلانهم الخلافة في هذا الظرف الحرج بل وقولهم بأنه لا عذر لمن لا يبايع الشريف المجهول تحقق لدي ما كنت أخشاه وأتوجس منه . قال لي أحد الإخوة : هؤلاء الخوارج مشهورون بالحمق ، وقرارهم هذا صورة من صور حمقهم ، فأجبته : كلاَّ يا صديقي ، فالشباب الغوغائي المخدوع المنضوي في هذه الجماعة ليس له يد في هذا القرار ، لكن حماقتهم وصبيانيتهم جعلتهم يُسَرُّون ويسعدون به لأنهم أجهل الناس بما يعملون وعواقب ما يعملون.
قرار إعلان الخلافة فيما يبدو لي أعلنه عناصر الباسيج الإيراني الذين يتزيون بزي القادة الداعشيين ويلعبون بعقول من معهم من قادتها الصوريين وعقول من تحتهم من الأتباع المغفلين . المستفيد الأوحد من هذا القرار الأحمق هو إيران التي صُنًع القرار لخدمتها ، ومن ثَمَّ حزب الدعوة ودولة القانون والسيستاني في تزيين صورته وتحسين موقفه وكل القوى الشيعية المرتبطة بإيران ، الذين جاء هذا القرار على قلوبهم مثل الماء البارد على الكبد العطشى . المتوقع من هذا القرار أن ينهي حالة التذبذب والمفاجأة التي انتابت الولايات المتحدة ويجعلها تحسم قرارها في دعم دولة القانون وغض الطرف عن أي جرائم يرتكبها المالكي بطيرانه في المناطق السنية . كما ينتظر منه أن يعطي جواز عبور دولي للقوات الإيرانية التي أعلنت استعدادها لدعم المالكي . كما أنه قرار منتظر منه إضعاف موقف السعودية التي دعمت الثورة العراقية وبادرت بالضغط على الولايات المتحدة كي تقف موقفاً محايداً. ومن شرور هذا القرار أنه سيشتت كلمة الثوار ويوقع الخلاف بينهم وتكرر به داعش ما فعلته في سوريا من إضعاف الثورة السورية وتراجعها. وسوف تكرر فيه داعش ما فعلته في اعتصام أعل الأنبار السلمي الذي تعب فيه الأنباريون عاماً كاملاً ، حتى إذا كاد أن يؤتي أُكله ويُطيح بعرش المالكي ومن يجلس معه عليه ، وإذا بداعش تأتي في الوقت المناسب للمالكي ومن وراءه فتقوض الاعتصام وتقضي على كل الجهود ، ثم بعد ذلك تذوب كمثل الملح وتترك الصفويين ينكلون بأهل السنة ويسومونهم ما سامع فرعون لقوم موسى . وتعيد داعش أيضا تجربتها في العراق حين كان اسمها دولة العراق الإسلامية ، إذ تولت نيابة عن الصفويين قتال المقاومة العراقية وتصفيتها حتى سلمت العراق صافيا لعملاء إيران . القاعدة وما انبثق عنها ومنهم داعش شر مستطير محض ، وما دخلوا في قضية للمسلمين إلا أفسدوها ، وكما أوقعوا المسلمين طيلة ٢٣ عاماً في مواقف صعبة للغاية هاهم يوقعون ثورة العشائر السنية في العراق في موقف لا يحسدون عليه . فهذه العشائر إما أن تسكت عن نزق الداعشيين وتمضي في طريقها وبذلك ستضع نفسها في مواجهة مباشرة أو بالإنابة مع أمريكا . وإما أن تُعلن عن رفضها للمشروع الداعشي فتضع نفسها في مواجهة مع داعش نفسها التي قالت : لا عذر لمن يتخلف عن مبايعة أبي بكر المجهول المنتظر ، وسوف تقوم إيران بإمداد داعش بكل ما تتمناه من الأسلحة لمواجهة سائر فصائل الثورة ، وقد اعترف العدناني المتحدث باسم داعش في خطابه الموجه لأيمن الظواهري بعلاقتهم وعلاقة القاعدة بإيران كمَعْبَرٍ للإمدا دات ، ويقيناً فإن إيران سوف تستمر في بذل خدماتها تلك دون مقابل . الثورة العراقية التي تفاءل بها الكثيرون ورأوا أنها ستعيد الحق إلى نصابه وسوف تصحح ما أفسده الاحتلالان الأمريكي والإيراني ، هذه الثورة الآن في أكثر أوقاتها حرجاً. وكذلك هي في هذه اللحظات وليس اللحظات القادمة أحوج ما تكون إلى وحدة القرار والصف والقيادة والإعلان عن نفسها كمكون سياسي عظيم له انتصاراته التي ينطلق منها في الميدان والإعلان عن أنفسهم كمجلس عسكري له قيلدته التي تتحدث باسمه وتفاوض الجميع بشأن ثورته ، ولا أرى بديلاً عن إعلان موقفهم من داعش ، وتوضيح حجم كتائبها الحقيقي في الثورة ، والتواصل المباشر مع المحيط الإقليمي والدولي لإيضاح مبادئهم . أعان الله أهل العراق وكشف عنهم غمتهم ووحد كلمتهم ورأب صدعهم وسائر بلاد المسلمين .
المصدر: المصريون