أفكار مضيئة (24) بعيدا عن التشاؤم في محطات  :
25 / 6 / 2014
أبو ياسر السوري
- المحطة الخامسة – مصير العرب بين لحظتي غباء وذكاء
 كانت لحظة غباء بكل المقاييس ، تلك التي عمدنا فيها - نحن العرب - إلى مداواة الخطأ بخطأ أكبر منه ، وأسقطنا الخلافة العثمانية ، التي قامت الدول الكبرى بـ 121 محاولة لإسقاطها فلم تفلح ، إلا بعد أن وضعنا أيدينا في أيديهم ، وساعدناهم على تحقيق مرادهم ، فقمنا بإسقاطها ، وتخريب بيوتنا بأيدينا وأيدي المتآمرين ، وهدمنا أمجادنا بمعاولنا ومعاول الآخرين ..
 ففي أواخر العهد العثماني ، تبنى بعض الأتراك الطورانيين فكرة العنصرية ، ومارسوا سياسة التمييز العنصري التركي على العرب ، أسوة بألمانيا المتبنية فكرة تمييز العنصر الآري على ما عداه في العالم .. وكان يمكن إصلاح هذا الخطأ وتسويته بدون فرط عقد الخلافة الإسلامية، التي كانت مهابة في العالم كله، وكان يحسب لسطوتها ألف حساب.
 فلما كانت الحرب العالمية الأولى ، انضمت تركيا في هذه الحرب إلى ألمانيا ، ونكاية بالأتراك انضم العرب إلى الحلفاء ، الذين وعدوهم بالاستقلال عن تركيا بعد الانتصار على ألمانيا وتركيا ، ومَنَّوهُمْ بإقامة دولة عربية كبرى من المحيط إلى الخليج .. وفعلا انتهت الحرب العالمية الأولى بخسارة ألمانيا وتركيا ، وانتصر الحلفاء والعرب .. ولكنْ لم يَفِ الحلفاءُ بوعودهم للعرب ، ولم يمكنوهم من إقامة دولتهم الموعودة ، وإنما كافؤوهم بتقسيم بلادهم بمؤامرة ( سايكس – بيكو ) إلى 22 كيان عربي .. ورسموا لهم السياسة التي تبقيهم في دائرة الفرقة والتمزق إلى أجل غير مسمى . وضمانا لعدم فشل مخططاتهم الاستعمارية مستقبلا ، فقد عملوا على إبقاء الأمة العربية ضعيفة ممزقة ، فعمدوا إلى نصح قادة العرب ببعض الإجراءات ، التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب ..
فنصحوا بإنشاء منظمة عربية ، على غرار منظمة الأمم المتحدة ، واقترحوا أن تسمى ( جامعة الدول العربية ) مصرين على إثبات كلمة ( الدول ) ) ليبقى العرب ( دولا ) متعددة ، وكيانات متفرقة .. ثم عمد الغرب إلى تشجيع الحكم الدكتاتوري ، لإيجاد شرخ بين الحاكم والمحكوم ..
وفعلا لقد كان الأمر كما خطط له الحلفاء وقدروا .. فلم يجتمع حكام العرب من يومها إلا على قهر شعوبهم وإذلالهم، حتى صار العربي يتمنى لو لم يكن عربيا .
ولو هدي القادة العرب إلى تحقيق مصالحهم  ، لصالحوا شعوبهم ، واتحدوا فيما بينهم ، وشكلوا قوة تضاهي قوة أوربا أو أمريكا .. فإنه لا يحول بينهم وبين بلوغ هذه الغاية إلا الأثرة والأنانية .. وثقوا تماما لو اتحد العرب ، لكان لهم في الحياة ما أرادوا من عز وتمكين ...
وتعالوا نتصور لو أتحد 400 مليون عربي، فلن تبقى دولة في العالم إلا وتخطب ودهم لألف غاية وغاية . وأضرب مثلا بسيطا على صواب هذه الفكرة .. لنتصور أن العرب يومها قاطعوا منتوجات بلد ما ، فقرار كهذا كفيل بتدمير ذلك البلد اقتصاديا والحكم عليه بالانهيار ... 
فهل الوحدة العربية من المحالات العقلية .؟ طبعا ، لا . ليست الوحدة مستحيلة، وإنما هي جائزة عقلا ، ويمكن تحقيقها في أية لحظة عقلانية .. وكما أضعنا الخلافة الإسلامية بلحظة غباء ، يمكن أن نعيد الوحدة العربية بلحظة ذكاء .. ومتى اتحدنا عربيا أمكن أن نتحد إسلاميا .. وإذا لم يحدث هذا فيما مضى ، فقد يجعل الله من هذا الربيع العربي ، خطوة في هذا الاتجاه الصحيح .. وإذا اراد الله أمرا هيأ له اسبابه ، وما ذلك على الله بعزيز ..