( حكاية منقولة ) حدثت في حلب :
ملاحظة : سبق نشر هذه الحكاية منذ تسعة اشهر . وهي لطرافتها وأثرها في النفس تستحق أن تعاد المرة بعد المرة .. ولعمري ما كل معاد مملول .. فقد ذكر المبرد في الكامل حكاية عن المغني عمر الوادي والعبد الأسود ، دارت حول بيتين من الشعر زعم فيها العبد أن لديه بيتين من الشعر ، إن غنى بهما وكان جائعا شبع ، أو كان كسلان نشط ، أو كان عطشان روي .. وهما :
وكنت إذا ما زرت ليلى بأرضها : أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ود جليسها : إذا ما انقـضت أحـدوثـة ، لو تعـيدها   
 ( حكاية منقولة ) حدثت في حلب : BrTRwk
وحكاية هذا الطفل عندي أولى بالإعادة من هذين البيتين .. :
 كان الطفل يحمل الخبز ويضمّه إلى صدره ، ويمشي . فوقف الرجل ينظر إليه ويتأمله .. ويتساءل :
- كم ساعة وقف هذا الصغير في انتظار دوره للحصول على الخبز ؟
- كم ستكفي هذه الأرغفة القليلة عائلة كاملة ؟
- كم فرداً بقي من عائلته يا ترى ؟
- أليس له إخوة أكبر منه يقفون على طابور الخبز بدلاً عنه ؟
- كم طفلاً بعمره يقفون مثله الآن على الطوابير في هذا البرد الشديد .؟

- يا الله .. هل كانت الثورة تستحق كل هذه المعاناة .؟ لم ينتبه الرجل إلى أن نظره كان طوال هذا الوقت مسمّراً على الطفل ، وكان الطفل يسترق النظرات وجلاً من تركيز الرجل عليه ، حتى تجاوزه بخطوات ..
فأشاح الرجل نظره عنه ، وغطى وجهه بكلتا يديه من شدة الهم الذي ألمَّ به ، ولم يشعر إلا بالطفل قد عاد أدراجه ووقف
أمامه ، وقال له ببراءة مطلقة : عمو، بدك خبز ؟ إذا جوعان كتير بعطيك هدول وبرجع بوقف عالدور ، معلش أهلي بيستنوا ، أخوي أخد ربطة قبلي وسبقني ..!!
فانهار الرجل وسقط على ركبتيه ، وضمّ الطفل إلى صدره ، وأجهش بالبكاء كالمجنون ، وليس بينه وبين صدر الصغير .. إلا رغيفُ خبز !