الشهيدة البطلة الممرّضة هناء يوسف عيوش
بمشرطها شقت للحرية نافذةً للنور، وبإبرتها المعكوفة خاطت جراحات الوطن المنكوءة، وبيديها عقمت ضمائر ملطخةً بالذل والعار، وبهمتها العالية شجعت الرجال في زمن التخاذل على الاستمرار في المطالبة بالحق المشروع، وببسالتها ضربت أروع نموذج للمرأة الحرة الأبية، وبابتسامتها زرعت الدروب ياسميناً عطراً، وببياض قلبها سجلت على صفحات التاريخ السوداء قصة بطولةٍ أبديةٍ.
في القصير التابعة لمدينة حمص العدية نشأت أم عمار، هذه الإنسانة الريفية البسيطة، النابض قلبها بالحب والرحمة، واختارت التمريض مهنةً لها، وأصبحت ماهرةً في مجالها، وفي الثورة السورية كان لها دور عظيم، وأضحى لها شأن كبير، فغدت علماً في التضحية والبذل، فقد قضت عامين تعمل ليل نهار دون انقطاع حيث أسهمت في إسعاف الجرحى، وبذلت كل ما لديها من خبرةٍ ودرايةٍ؛ لتنقذ أبناء بلدتها من الموت، فخاطت الجراح، وجبّرت الكسور، فمنهم من ودع الروح بين يديها، ومنهم من تعافى بسبب اهتمامها بعد الله عز وجل. لم تكتفِ بذلك بل كانت تبحث عن المرضى والجرحى، وتذهب إليهم أينما كانوا، ولم تفرق بين رجلٍ وإمرأةٍ وطفلٍ، أو مدني ومقاتلٍ، أو كبيرٍ وصغيرٍ، في شحٍ شديدٍ للمواد والأدوات الطبية؛ حتى في أشد الظروف صعوبةً وفي العراء؛ سقفهم السماء وبساطهم الأرض، تداويهم وترفع معنوياتهم وتحثهم على الصبر والثبات، كما قامت بلم الأشلاء المقطعة، وجملت المناظر المريعة، وسمحت للأحباب بالوداع، وصبرت قلوبهم، وآزرتهم في محنتهم، تفانيها لم يكن له حدود، ولنفسها لم يعد هناك متسع، اشترت جنة عرضها السماوات والأرض، وباعت دنيا فانية لا قرار فيها. انتقلت إلى منطقة البساتين، ثم استقرت في المشفى الميداني في القصير، وفي يومها الأخير اشتد الكرب، وتضاعف القصف، ودارت معارك طاحنة لم تكن عادلة، استخدم فيها النظام الغاشم وقوات حزب الله كل ما لديهم من قوةٍ عسكريةٍ وصبوا جام غضبهم؛ مما دفع الجيش الحر إلى إخراج أكثر من 10 آلاف مدني محاصرٍ بين جدران ما تبقى من أبنيةٍ؛ خوفاً على حياتهم, وبينما كانت أم عمار تساعد في إجلاء الجرحى يوم الجمعة: 7/6/2013، استهدفها أحد عناصر حزب الله فاستشهدت رحمها الله وغفر لها؛ تاركةً لنساء الأرض قصة إمرأةٍ حرةٍ أبيةٍ تذكرنا بعهد الصحابيات رضي الله عنهن. اللهم اغفر لها وارحمها، وعافها واعف عنها، وأكرم نزلها، ووسع مدخلها، واغسلها بالماء والثلج والبرد، ونقّها من الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدلها داراً خيراً من دارها، وأهلاً خيراً من أهلها، وأدخلها الفردوس الأعلى بغير حساب، ونجها من عذاب النار، واجمعنا بها في جنات النعيم.

الشهيدة البطلة الممرّضة"  هناء يوسف عيوش" 10488364_10154432938415727_4196022386674168248_n