(مقال منقول): إعادة إعمار جدار الخوف في سورية بمباركة أممية :
د . عبد القادر المنلا
4/6/2014
بتكلفة تقدر بنحو مليون سوري ما بين شهيد وجريح ومعوق ومعتقل، ونحو عشرة ملايين ما بين نازح ومهجر، وما لا يقل عن سبعة ملايين رهينة داخل أسوار السجن المركزي الكبير الذي يحيط سورية من أقصاها إلى أقصاها، يتم الآن وضع حجر الأساس لإعادة إعمار وبناء جدار الخوف الذي تصدع وتآكل بفعل صرخات الحرية التي انطلقت منذ أكثر من ثلاث سنوات وظن السوريون أنه انتهى إلى لا عودة قبل أن نكتشف أن كل المافيات المحلية والعالمية والعصابات الإجرامية سواء من جزاري نظام الأسد أو شركائهم من العرب والروس والإيرانيين التي كانت متوارية خلف ذلك الجدار قد انكشفت وتضررت مصالحها لتبدأ العمل بكل ما أوتيت من قوة على إعادة إعمار ذلك الجدار وبنائه بشكل أمتن وأقوى وأكثر صلابة عله يقف حائلاً ليس فقط أمام السوريين وحلمهم بالتحرر من العبودية بل أيضاً لجعله عبرة لكل شعب تسول له نفسه التفكير في الحرية من تلك الشعوب الطامحة للعدالة والباحثة عن الكرامة ..
منذ الفيتو الروسي الصيني الأول الذي استخدم ضد مشروع قرار في مجلس الأمن لإدانة جرائم النظام السوري، دشنت روسيا وتابعتها الصين مشروع جدار الخوف الجديد في سورية ووضعتا لبنته الأولى والأساسية قبل أن تبدأ الورش بالعمل الفعلي الجاد والذي تسارع بعد مباركة من المجتمع الدولي متمثلاً في الأمم المتحدة ذاتها التي ضربت بعرض الحائط كل مجازر النظام المتواترة والموثقة بالصوت والصورة والشخوص، والتي كانت كل واحدة منها كافية لتشكيل تحالف أممي للتخلص من مجرم دولي لا يمكن قبوله في المجتمع الإنساني وبشكل لا يقبل التلكؤ أو الذرائع أياً كانت، حيث إن أحداً لم يكن يتوقع أن يصمت العالم على تلك الجرائم ناهيك عن القبول باستمرار الأسد كرئيس أو حتى كشخص بعد الإدانات الموثقة بالدلائل الكاملة والدامغة لما في ذلك من عار وخزي يلحق بالعالم وبالإنسانية جمعاء، ولكن بدلاً من ذلك سارع العالم إلى خلط الأوراق وخلط المفاهيم وأحيل الملف السوري بقرار أممي إلى بند "وجهات النظر" ليتم التراجع عن التعهدات بمناصرة الشعب السوري من خلال توصيف ما يحدث على أنه حرب أهلية تارة، إلى وصف المعارضة المسلحة بالإرهاب تارة أخرى، إلى مواقف وتصريحات دولية وغربية متباينة ومتبدلة يومياً، إلى اصطفاف بعض الدول العربية مع النظام على أساس الأكذوبة المضحكة المرتبطة بمقولة الممانعة والمقاومة ومعاداة إسرائيل، أو بذرائع أخرى كالنموذج العراقي بعد الإطاحة بصدام حسين وما إلى ذلك، وفيما تتواتر آلة القتل وتتزايد وتزداد وحشية النظام كان المجتمع الدولي يكتفي بالاستنكار والقلق والتصريحات الكلامية التي جعلت النظام يطمئن إلى أن العالم رفع يده عن الشعب السوري تماماً -خاصة بعد امتحان الكيماوي- وتركه في مواجهة مصيره، واكتفى بالوقوف عند مخلفات الأزمة لا جوهرها مثل تركيزه على مساعد اللاجئين أو إيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين في الداخل رغم فشله حتى في ذلك ..
هاهنا تأكد الشعب السوري في الداخل أن الكثير من القوى العالمية بمن فيها من تدعي نصرته موافقة تماماً على إبادته بكل أنواع الموت وطرقه أو على الأقل غير معترضة على ذلك، ناهيك عن القوى الداعمة لتلك الإبادة، وأن الأسد أصبح أكثر شراسة ووحشية وحيوانية وأنه لو استمر بالقتل حتى القضاء على آخر سوري وتدمير آخر معلم عمراني فلن يسعى العالم إلى إيقافه أو مساءلته إلاّ من خلال تصريح هنا وإدانة لفظية بائسة هناك، فيما السوريون في الداخل محاصرون بدبابات النظام وصواريخه وبجميع أنواع أسلحته بما فيها التجويع والتعطيش والاغتصاب، وبمخبريه ومخابراته وعملائه ومرتزقته المتوحشين الذين لا يترددون للحظة في القتل، وبجموع القوى غير السورية وغير العربية المساندة له، وإذا كان المواطن السوري يستطيع تجنب بطش النظام سابقاً من خلال إعلان الولاء فقد أصبح اليوم مطالباً بما هو أكثر من ذلك بكثير لتجنب فتك النظام به وبأهله وأقربائه حيث لا بد أن يقدم مساهمة فاعلة ومباشرة كتجنيد نفسه مخبراً أو حمل السلاح ضد من لا يركع لبشار الأسد أو أي فعل عملي يتأكد النظام من خلاله من ولائه الحقيقي، والموت بالمرصاد لكل من يشتبه بتعاطفه مع الثورة أو حتى مع شهدائها، أما في الخارج فكل الأبواب موصدة أمام السوري بما فيها أبواب الكثير من البلدان العربية التي تدعي دعم الثورة ولا تسمح للسوريين بدخول أراضيها، كما أن مخيمات اللجوء أصبحت أمراً واقعاً وطويل الأجل، وكل ذلك أدى إلى حالة من اليأس والإحباط والإحساس بالعجز التام مما يؤهل السوري سواء في الداخل أو الخارج للاستعداد تلقائياً لإعادة ترميم جدار الخوف في داخله، قبل أن تأتي تمثيلية الانتخابات الرئاسية التي يرفضها العالم لفظاً دون أن يفعل شيئاً حقيقياً يؤثر على جذر المشكلة، وذلك كله جعل الأسد مطمئناً إلى إمكانية تدشين مشروعه الخاص بإعادة بناء جدار الخوف مراعياً هذه المرة أن يكون قادراً على الصمود في وجه أي زلزال بشري أو فيضان روحي للشعب السوري خاصة بعد تجريبه للسلاح النوعي الجديد وهو سلاح الوثائق الذي يهدد بتحويل السوريين إلى "بدون" ليواجهوا أنواعاً جديدة من الذل والمهانة .
جدار الخوف هذه المرة يبنى على أنقاض التخاذل الدولي وبحجارة الصمت والتغاضي والتواطؤ، وإن نجح، لن يستطيع أحد لوم السوري في الداخل لا على صمته ولا حتى على تأييده، ولا يلام السوري في الخارج وتحديداً من هم في المخيمات أو من أولئك الهائمين على وجوههم في مشارق الأرض ومغاربها إن تحولوا إلى إرهابيين فعلاً أو إلى انتحاريين، بل يتحمل وزر ذلك كل القوى العالمية التي مارست خديعتها وانسحبت فاسحة المجال لمن تعترف بإجرامه أن يستمر دون أن يهدده عقاب أو تطاله يد العدالة ..
هل يعي العالم ذلك الجرح السوري العميق، وهل يقص المجرم الشريط الحريري لمشروع الجدار عما قريب؟! وهل يمكن أن يواصل المجتمع الدولي رضاه عن النزف المتواصل؟! ذلك سؤال رهن أحرار العالم جميعاً ..