الخلاف والتشظي بين الإسلاميين هو الأصل :
بقلم : أبو ياسر السوري
فهل هذه ظاهرة صحية أم مرض اجتماعي خاص بالإسلاميين .؟ لا جائز أن يكون الخلاف ظاهرة صحية .؟ ولا أحب هنا أن نفلسف القضية ، بدعوى : ( أن الخلاف مغاير للاختلاف .. وأن الخلاف مذموم لقوله تعالى " ولا أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه " وأن الاختلاف قضية فطرية لا بد من وجودها لقوله تعالى " ولا يزالون مختلفين" ) .
ومن كان في ريب مما أقول ، فليلتفتْ يمينا وشمالا ، ليجد الصوفية تخالف السلفية .. والإخوان يخطئونهما ويأخذون منهما معا .. وحزب التحرير يغلِّط الجميع ويحتكر لنفسه صواب المنهج ..و.. و.
ثم انظر كيف تشظت الصوفية إلى : نقشبندية ورفاعية وقادرية ...
وكيف تشظت السلفية إلى : سلفية علمية وسلفية جهادية ...
وكيف تشظى الإخوان المسلمون إلى إصلاحيين وطليعة مقاتلة ...
وإنه لجائز أن نجمع ما بين الثلج والنار ، ولن نستطيع التوفيق بين فصيلين من هؤلاء الإسلاميين على أمر جامع .. لأن كلا منهم يزعم أنه الحق وما سواه الباطل .. وليس بعد الحق إلا الضلال ..
جرب تخالف أحد المشايخ في قضية ما ، لترمى بكل نقيصة ، وتتهم بقلة الدين ومحاربة الله ورسوله والمؤمنين .. ولماذا نذهب بعيدا .؟ لقد ناقشت أحدهم في قضية الثورة السورية ، وسألته قائلا : أليس الثوار على حق في مطالبتهم بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة .؟ فلماذا تعارضهم ، وتقف ضدهم .؟ فقال لي : لأنهم حين ثاروا لم يستشيروا في ثورتهم أهل الحل والعقد .. والله تعالى يقول " وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً " .. قلت : وهل هذه المخالفة منهم ، تجيز لك خذلانهم وإسلامهم إلى القتل والإبادة بعد أن ثاروا ، والله تعالى يقول " وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ " .؟ قال : لا أنصر من خرج على رأي أولي الحل والعقد .. قلت : ولكن أهل درعا استشاروا شيخهم وهو من أهل الحل والعقد ، فأشار عليهم بالثورة والمطالبة بحقوقهم .. فقال : كان ينبغي أن يستشيروا كل أهل الحل والعقد وأن لا يكتفوا بمشورة واحد منهم فقط .. قلت : ولو استشاروك مثلا .. فسوف يقوم شخص آخر ، ويقول : وأنا من أهل الحل والعقد ولم يستشيروني ... لذلك هم عصاة ومخالفون للقرآن ... ولن ننتهي في هذه القضية إلى حل .!؟ قال : على نفسها جنت براقش .. وانتهى النقاش بيننا إلى غير ثمرة مفيدة .. وما زال صاحبي رغم كل هذه المآسي التي حلت بالسوريين ، ما زال على موقفه في تأييد النظام ، وتخطئة الثوار .. الذين أتوا - في نظر هذا الشيخ وأمثاله - بذنب لا تسعه مغفرة ، ولا تكفره توبة ...
والجدير بالذكر ، أن هذه الآية التي استدل بها الشيخ في تجريم الثوار ، ليست نصا في وجوب طاعة العلماء والفقهاء .. وإنما هو قول ظاهر .. لأن هنالك من قال : أن " أولي الأمر " في هذه الآية الكريمة هم الأمراء وليسوا الفقهاء .. يعني إن هذه الآية لا تصلح دليلا قاطعا لمولانا الذي يفتي بجواز إبادة السوريين لأنهم لم يستشيروه هو في الخروج على بشار الأسد ، وإنما هي دليل محتمل للخطأ والصواب ، ومع ذلك بنى عليه أخطر موقف ، وهو تأييد الحاكم الظالم المجرم الكافر ، في إبادته لمئات الآلاف من الثائرين عليه من المواطنين السوريين .!!!!!!
هذه صورة عملية من صور "الخلاف " أو إن شئت فقل "الاختلاف" بين الإسلاميين ..
ومن هذا القبيل أيضا ، أن داعش تُكفّرُ هذا الشيخ وأمثاله ، وتُكفّرُ السوريين كلهم ، وتجيز قتل الكبير والصغير والرجل والمرأة منهم ، بينما هي لا تكفر بشار الأسد ولا تقاتله ، ولا تقتل طائفته النصيرية .. لماذا لست أدري ..!؟؟ فهنالك اعتبارات داعشية لا يعلمها إلا الداعشيون..!!!