إلى شركائنا في الوطن ، الذين يلوموننا على عسكرة الثورة :
بقلم : ابو ياسر السوري
لكيلا يؤول كلامي تأويلا سيئا مغلوطا ، أسارع إلى القول بأنني غير مُنْتَمٍ إلى أية جهة ، وليس لدي حزب أدافع عنه ، ولا جماعة أنتسب إليها ، وإنما أنا مواطن سوري ، ديني الإسلام ، وشأني في ذلك شأن أي مواطن مسلم وضعته الأقدار فوق هذه الرقعة من العالم ، التي اصطلح على تسميتها دوليا باسم ( سوريا ) . أومنُ بالوحدة الوطنية ، وأعتقد أن الوطن الذي كنا نستظل جميعنا بظله قبل الحكم الأسدي الطائفي ، كان يمكن أن يعود فيه الشعب السوري بكافة أطيافه ، فيستأنف الحياة الوطنية المشتركة ، دون تفرقة ولا تمييز بين مكوناته الاجتماعية المتآلفة المتآخية ، على أحسن ما يكون التآلف والإخاء ..
فلو استجاب النظام الطائفي الأسدي إلى مطالب الشعب ، لعادت نسيجه الشعبي لاستئناف حياته السعيدة الرغيدة الآمنة المطمئنة الحرة الكريمة ، تحت المظلة الوطنية ، التي تتسع للجميع ، وتسعد الجميع .. ولكن الأنانية الطائفية ، والحقارة الأسدية ، أبت إلا الاستئثار بالسلطة ، وفرض سياسة الاستبداد والفساد على السوريين إلى ما لا نهاية .. ورفضت أن تصغي لصوت العقل والضمير ، وأصرت على قمع الشعب وإسكاته بالحديد والنار ..
لقد صبر السوريون المضطهدون 40 عاما على هذا الحكم الطائفي ، ثم شاءت الأقدار أن تقوم الثورة ، فتنطلق سلميا من درعا ، فقابلها النظام بالقمع الوحشي من أول لحظة ، ووجه الرصاص إلى صدور المطالبين بالإصلاح .. واستمرت الثورة متمسكة بسلميتها سبعة أشهر وعشرين يوما ، لم تطلق فيها طلقة واحدة من الثوار باتجاه النظام ، وعلى مدى ثمانية أشهر تقريبا ..
ولما تأكد للثوار أن النظام سوف يستمر في القتل والإبادة إلى ما لا نهاية ، وأنه لن يسلم السلطة إلا بالقوة ، وأنه سوف يرتكب كل الموبقات من قتل واغتصاب واعتداء على الشرف والعرض .. عندها لم يعد للثوار خيار آخر ، إلا حمل السلاح ، وخوض المعركة ، وهم يعلمون أنها ستكون معركة باهظة التكاليف ، ولكنه لا مفر منها ، لأن التراجع عن الثورة ، ليس له سوى معنى واحد ، ألا وهو الانتحار الكامل ، والقضاء على كل سوري ، هتف يوما ما لإسقاط هذا النظام ...
ومع كل هذه المعطيات ، ذهب أغلب العلمانيين والقوميين والمقاومين والممانعين ، وبعض الإسلاميين من أمثال جودت سعيد .. إلى أن عسكرة الثورة خطأ قاتل ، وذنب كبير ، لن يغفر التاريخ لمرتكبيه ..
ولو سألناهم : ما هو البديل للعسكرة .؟ فسيقولون : البديل هو الاستمرار في التظاهر إلى ما لا نهاية .. والالتزام بالنضال السلمي وسياسة اللاعنف كوسيلة للوصول الى المطالب المشروعة .. يعني هم يتبنون طريقة غاندي من قبل في مقاومة الإنجليز في الهند .. التي نجح بها ، وأجبر المستعمر على الرحيل ..
والحقيقة ، إنه ليس بالضرورة أن تنجح هذه السياسة في كل زمان ومكان .. فغاندي استمر في مقاومته السلمية أكثر من 50 سنة ، وساعده على الاستمرار طوال هذه الفترة ، أربعة عوامل قوية ، لا نملك نحن السوريين منها شيئا ..
أولها : اعتماده على الهندوسية كدين يعتنقه أكثر من 400 مليون هندوسي فكانت عقيدتهم تحملهم على الصبر والمصابرة ، والوقوف صفا واحدا في مواجهة عدو خارجي .
ثانيا : أن عدد أتباع غاندي كانوا من الكثرة بحيث يعجز المستبد عن القضاء عليهم وإزالتهم من الوجود .
ثالثا : إن اتساع رقعة الهند يجعلها أشبه بقارة ، فيها البحر والجبال والأودية والسهول والغابات والمجاهيل ، مما يمنح شعبها قدرة فائقة على البقاء ، ومقاومة المستبد ، و، عدم تمكينه من حسم المعركة .
رابعا : وهو الأهم من كل سبق ، فإن غاندي كان يفترض في خصمه التحلي بشيء من القيم الإنسانية . وكان يرى أن هذا الخصم سوف يرضخ أخيرا لإرادة الشعب الهندي ، ويمنحه مطالبه كلها ... وهذا ما كان بالفعل ..
وتعالوا بنا نفكر بهدوء في هذه النقاط الأربع ، ونقارن بينها وبين الوضع في سوريا ، نجد الآتي :
1 – التف الهندوس حول غاندي كالسوار في المعصم ، وكل منهم يفديه بروحه ، ولو اغتالته بريطانيا آنذاك لحصل ما لا يسرها . وثورتنا ليس لها رأس يقودها ، ولا شعب يدين بنفس عقيدة هذا القائد ، ويتبنى رأيه في النضال ضد المستبد . فنحن حتى الآن منقسمون على أنفسنا حيال مقاومة هذا النظام وطريقة الخلاص منه .
2 – كثرة السكان في الهند يقابلها قلة عدد السوريين المعارضين . أضف إلى ذلك ، فإنه خلال خمسين سنة من نضال غاندي لم يقتل من ابناء الهند سوى بضعة آلاف .. بينما في غضون ثلاث سنوات من ثورتنا في سوريا زاد عدد القتلى على المليون إنسان .. وتم تهجير نصف الشعب السوري .. ولو استمر الحال على ما هو عليه فسوف تفرغ سوريا من المعارضين تماما خلال 3 سنوات أخرى فقط .
3 – مساحة سوريا تعتبر خاضعة لسيطرة الطيران الأسدي الحربي ، وصواريخ أرض .. أرض . خلافا لشبه القارة الهندية الواسعة ، والتي لم يستخدم فيها الإنجليز سلاح الجو ضد الهندوس هناك . وحتى لو استخدمه فلن يجديه فتيلا ، ولن يتمكن به من قمع العصيان المدني في الهند .
4 – كان البريطانيون يتمتعون بالحد الأدنى من القيم الإنسانية ، لذلك استجابوا أخيرا لمطالب الهندوس ، وأجلوا عن بلادهم .. أما النظام السوري ، فقد أثبتت الأيام أنه لا يتمتع بأي قدر من الأخلاق . وليس لديه أي مانع من إبادة كل الشعب السوري ، وأن يستبدل بنا شعبا آخر يأتي به من شيعة إيران ، ونصيرية لواء إسكندرون .. وقد وضح الآن أن هذا ما كان يخطط له منذ 40 سنة ، ويسعى إلى تحقيقه على الأرض الآن .. لذلك لا بد من القول أخيرا : إنه لمن الحماقة تصور رحيل هذا النظام عنا سلميا .. كيف يمكن ذلك وهو لم يرد على مطالبنا حتى الآن ، إلا بالطائرة الحربية، والدبابة، والراجمات، والصواريخ الحملة بالرؤوس الكيمياوية ، وبراميل الموت العمياء .؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟