عزمي بشارة ليس صديقا للثورة بل صديق للأسد سابقا ولاحقا :
بقلم : ابو ياسر السوري
13 / 5 / 2014
حقا يهولك الأمر حين تجد أن أنصار هذا النظام لا يكادون يُحصَون كثرة ، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول .!! وحتى على مستوى الصحف العالمية المشهورة ، وكذلك القنوات الفضائية ، عربيها وغربيها وشرقيها .. فعلى مستوى الأفراد ، ولن أتحدث هنا عن الأشخاص العاديين من عوام الناس ، وإنما أتحدث عن أشخاص كان لهم حضور واسع في الساحة العربية والدولية ، من أمثال : الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل ، ورئيس الوزراء اللبناني سليم الحص ، ووزير العدل الأردني السابق حسين مجلي . والمفكر العربي عضو الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة .. فكل واحد من هؤلاء أبلى بلاء حسنا في الدفاع عن بشار الأسد ونظامه . فقد دونوا في نصرته المقالات الصحفية ، وأطلقوا التصريحات عبر القنوات الفضائية . وما زلت أذكر ظهور هيكل على قناة الجزيرة ، بعد ما تجاوز عدد الشهداء ستة آلاف ، وبلغ عدد المعتقلين 200 ألف ، وكان هيكل يصر يومها على إنكار أن يكون الحراك السوري ثورة ، ويؤكد ادعاء النظام بأنها مؤامرة ينفذها جماعة قليلة من المندسين ، مستدلا على صحة قوله بسكوت حلب ودمشق ، مدعياً أن المندسين قادمون من الخارج ، وأن تسللهم إلى تخريب سوريا كان من الأطراف ، من جهة تلكلخ ، ودير الزور ، وجسر الشغور .. وكان يصر هيكل على أن ما يجري ما هو سوى عمل تخريبي محكوم عليه بخيانة القصد ، وأن النظام العربي المقاوم سوف يتمكن من القضاء عليه في زمن يسير .
وما زلت أذكر يوم تزعم حسين مجلي تظاهرة الحقوقيين المؤيدين لبشار الأسد في الأردن ، والتي انتهت بمجيء وفد عن المحامين الأردنيين لمقابلة الرئيس المقاوم في قصره على سفح قاسيون ، وإهدائه عباءة العروبة ، ووضعها على كتفيه في حضور إعلامي مشهود ، يراه العالم أجمع .
لقد كان لهيكل تأثيره الكبير على موقف الجامعة العربية ، الذي بات معاندا للشعب ، مساندا لبشار . وكذلك كان لوزير العدل الأردني حسين مجلي وأشياعه تأثيرهم على موقف القصر والحكومة من الحراك السوري ، فكان من ثمرات حنقهم على الثورة السورية ، ذلك المخيم في الزعتري ، الذي سمي لاحقا " مخيم الموت " والذي أقيم ليكون وسيلة ضغط على السوريين ، لإعادتهم إلى حظيرة الطاعة الأسدية .
وقد أطلنا في هذه المقدمة نوعا ما ، ليكون القارئ أمام صورة متكاملة لما يجري ، وليعلم أن المؤامرة الكونية لم تكن ضد النظام ، وإنما كانت ضد الشعب السوري الثائر على الفساد والاستبداد ..
ارجعوا بالذاكرة قليلا إلى الوراء ، لتروا أن خمسة إعلاميات من المشهورات ومعهم غسان بن جدو أعلنوا استقالتهم دفعة واحدة من قناة الجزيرة ، احتجاجا على تغطيتها النزيهة للأحداث في سوريا آنذاك . وكان هؤلاء الإعلاميون والإعلاميات يريدون أن لا تنقل الجزيرة صور القتل الممنهج ، ولا صور الإهانة والإذلال التي يتعرض لها السوريون المطالبون بالحرية والكرامة ..
ولنتذكر أيضا تلك الحلقات المتتالية ، التي أجرتها الجزيرة مع المفكر العربي عزمي بشارة .. والتي كان القصد منها إظهاره بمظهر المتحدث المنصف ، الذي لا يقر النظام السوري على ظلم .. ونظرا لما أوتي عزمي بشارة من المنطق واللسن ، فقد كان من السهل عليه دس السم في الدسم ، وتشويه الحقائق الواضحة بطريقة ذكية ، يوهمك بها أنه مع الثورة ، وهو يعاديها .على أن استضافته في قناة الجزيرة لم تكن عن عبث ولا من فراغ ، فهو معروف بصداقته الحميمة لحافظ الأسد ولابنه بشار ، ومعروف أنه كان عضواً لامعاً في الكنيست الإسرائيلي ، وأنه استدعي إلى قطر منذ عام 2010 ليكون مديرا لمركز أقيم فيها باسم ( المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ) لإقامة المؤتمرات والندوات ، وإصدار الكتب والدوريات ، وتقديم الدراسات باللغتين العربية والإنجليزية ، في المواضيع المتعلقة بالأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، التي يعاني منها المواطن العربي ..
ولما قامت الثورة السورية ، بدا وكأن عزمي بشارة مؤيدا لها ، فتقمص دور المنشق عن صحبة الأسد ، وأعطي – فيما يبدو - هامشا واسعا لنقد النظام ، وتوجيه الملامة له في أكثر من نقطة ، لينال بذلك قبولا عند المؤيدين للثورة . ولعل عزمي بشارة يعتبر أخطر على الثورة السورية من هيكل ، لأنه يتحرك مؤسساتيا ، بينما هيكل يعمل كفرد مستقل ذاتيا . ولا شك أن المؤسسات أقوى من الأفراد على تحقيق المراد.
أعطى عزمي بشارة عن نفسة صورة المؤيد للثورات العربية ، والداعي إلى التغيير عن طريق خطوات إصلاحية جادة وحقيقية .. ولام النظام السوري الذي لم يستجب لمطالب شعبه ، ولكنه تبنى في أحاديثه كلها أن يمرر عددا من الأفكار ، التي تطعن الثورة في الصميم ، دون عجيج ولا ضجيج .. وإليكم عرضا سريعا لهذه الأفكار :
1 – يتبنى عزمي بشارة مهمة التيئيس ، وزرع الإحباط في نفوس الثائرين على الأنظمة ، وإقناعهم بعدم إمكان إسقاط الأنظمة بالقوة ، وتصوير الحراك الثوري عليها بوعلٍ ينطح جبلا ، لا بد أن يجيء يوم تتحطم فيه قرون الوعل ، ويبقى الجبل ... ولهذا شدد بشارة على إبراز تخلي الجامعة العربية عن الشعب السوري ، ثم اعتذر لتخليها بالظروف الدولية غير المواتية ، وفلسف الأمور بطريقة ترضي الجميع ، فهو يعذر الجامعة في موقفها المتخاذل .. وحين يتحدث عن موقف روسيا يبين أنها تدعم الأسد لتحقق لنفسها مصالح لا يستهان بها.. ويعذر المجتمع الدولي في موقفه غير الفاعل بسبب الفيتو الروسي والصيني المعطل . ويخرج من كل مقال أو لقاء بنتيجة سوداوية واحدة ، يضع المتابع السوري في نفق مظلم ، لا يرى من خلاله أي بصيص من نور .. وكأنه يقول : إنه لا حل لهذه الأزمة المعضلة البتة .. وإنها قد تطول إلى ما لا يعلمه إلا الله .. وقد يترتب عليها حروب أهلية ، لا تنتهي إلا بتقسيم سوريا إلى عدة كيانات ، أقلها إقامة دولة للعلويين لإنهاء الصراع في نهاية المطاف ..
وطبعا ، إن إدارة الحديث على هذا المنوال ، محبطة ، وتولد شعورا باليأس من الخلاص .. وهذا ما يريده النظام , ويسوق له عزمي كما لو كان أحد أبواق إعلامه ، أو جزءا من جهاز مخابراته .
2 – يتعمد عزمي بشارة أن يتحدث عن الشأن السوري ، بصورة اللف والدوران حول الفكرة ، وتحت شعار الدراسة والتوثيق والتحليل ، وإيهام القارئ أو السامع بأنه يحيط علما بما لا يحيط به الآخرون . ويعلم من الأسرار ما لا يعلمون . ثم يفاجئك بمعلومة من اختراعه ، تخالف كل ما علمه الناس .. فمثلا : من المسلمات البدهية أن أطفال درعا هم الذين أطلقوا شرارة الثورة .. والسيد عزمي بشارة يشكك في هذه المعلومة ويراها من اختراع المعارضة .. وإليك شاهدا آخر ، أكثر وضوحا ، وهو أن الثورة بدأت سلمية ، واستمرت كذلك سبعة أشهر .. ولكن عزمي بشارة يرى أن السلاح قد استخدم في درعا وحمص وبانياس مبكراً ومن الأيام الأولى ، دون إعلام ولا إعلان .. وهذه فرية ثانية ، يعطي بها النظام تبريرا لاستخدامه السلاح ، وإفراطه في هذا الاستخدام ... وأسوق إليك شاهدا ثالثا ، لتعلم سوء طوية هذا الإنسان . فهو يلعب على وتر التطرف والإرهاب الديني ، ويمثل له بالنصرة وداعش والألوية الإسلامية ، كأحرار الشام ولواء الفاروق ولواء الإسلام .. وهو يعلم أن شيئا من ذلك لم يكن في بداية الثورة ، وإنما كانت تنطلق المظاهرات من مساجد المسلمين ، وكان يشارك فيها مسيحيون وعلويون ، شارك في بعضها المسيحي ميشيل كيلو ، والعلوي رياض سيف ، ولم يكن هنالك لا سلفيون ولا إرهابيون ..والنظام هو الذي أتى بداعش ، وهو الذي زرع بذور التطرف والإرهاب .. بل هو الذي مارس إرهاب الدولة على الشعب . والسيد عزمي لا يتطرق لإرهاب الدولة ، وإنما يركز فقط على إرهاب النصرة والكتائب الإسلامية التي تدافع عن المظلوم .
3 – ولعل أخطر ما يتبناه عزمي بشارة في كل ما يكتب أو يقول ، أنه يتعمد في مناسبة وغير مناسبة ، أن يبرئ ساحة إسرائيل من أي التدخل في الشأن السوري ، ويصورها على أنها لم تتخط دائرة المراقب للأحداث من بعيد .. وهو يعلم في قرارة نفسه أن هذا الكلام غير صحيح .. لأنه يعلم كما يعلم كل من عايش الأحداث ، أن الثورة السورية لقيت تأييدا غربيا لا بأس به في بداية الحراك .. وأن الساسة الغربيين قد صرحوا تصريحات قوية ضد بشار الأسد .. ثم حدث أمر خفيٌّ عمل على تغيير المواقف الغربية رأسا على عقب .. فقد تحركت إسرائيل يومها حركة مريبة ، فقام رئيس وزرائها " ناتنياهو " بجولة حول العالم ، مر فيها بكل الدول المؤثرة في القرار ، كأمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين .. ثم لم تلبث المواقف الدولية بعد عودته من جولته مباشرة أن تغيرت 180 درجة عما كانت عليه . لأن إسرائيل أرادت استمرار الأزمة ، وتدمير سوريا ، عملا بـ " وديعة رابين " التي تقضي بأنه إذا تعرض النظام السوري للسقوط ، فالأسد المقبور كان قد وعد وعداً قاطعاً بأن لا يسلم الحكم لأحد في سوريا إلا بعد تدميرها تدميرا كاملا ، ثم تتكفل له إسرائيل بمساعدته على إقامة دولة علوية ، لتنقذه بها من المساءلة عن جرائمه بخراب سوريا ..
وعزمي بشارة يعلم بالوثيقة التي أسمتها صحيفة معاريف الإسرائيلية بـ " وديعة رابين " ويعلم أن إسرائيل هي من وراء الفيتو الروسي والصيني .. ويعلم أن أمريكا أشد عداء للثورة السورية من روسيا والصين ، لأنها مقتنعة بأن التغيير في سوريا ليس لصالح إسرائيل ، ولكن عزمي بشارة يصر على الكذب والتمويه والتدجيل ، إخفاء للاتفاقات السرية بين صديقه الأسد وإسرائيل .
أما بعد أيها السادة :
لست أدري لماذا ينشر لهذا الشخص المتآمر على ثورتنا مقال على صفحة الثورة ؟ ولست أدري لماذا يحاول البعض تلميع هذا المدعو عزمي بشارة بالإصرار على وصفه بالمفكر العربي الكبير .!؟؟ ولعمر الحق ، ليس كبيرا من يتجنب الصدق ، ويتآمر على الخلق .