وداعا ... يا حمص
بقلم : أبو ياسر السوري
5/ 5 / 2014
وداعا يا عاصمة الثورة السورية .
وداعا يا رمز البطولة والرجولة والصمود والثبات .
وداعا يا مدينة ابن الوليد ..
وتحية لكم يا أحفاد خالد ..
تحية لكم يا من صبرتم وصابرتم ، وكنتم أصدق من الذين حدثوكم عن الصبر ولم يصبروا .. وكلموكم عن الجهاد ولم يجاهدوا .. وعلموكم أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام ولم يعملوا ..
سلام عليك يا حمص .. سلام عليك يا من كنت الأجود في تقديم الشهداء .. والأسبق إلى التضحية والفداء ..
سلام عليك من قلوب أحبتك وعشقت أحجارك السوداء .. سلام عليك من عيون لا يسعدها إلا مغانيك الغناء .. سلام عليك من ذاكرة لا تفارقها صورتك الحسناء .. ففيك مسجد سيدي سيف الله خالد بن الوليد .. تحف به الخالدية محظية بقربه ، ناعمة بجواره ..
سلام عليك يا من كان فيك أول اعتصام في ساحة الساعة .. وكان فيك أول وأكبر مجزرة حصلت في سوريا ، حيث قتل في تلك الساحة قرابة الألف ، وجرح معهم الآلاف .. فعمد النظام المجرم إلى تجريف القتلى والجرحى بالتركسات ، وألقيت أجسادهم الطاهرة في سيارات الزبالة ، ونقلت إلى أماكن لا يعلمها أحد من ذويهم ، فواروهم في حفر جمعت بين الأحياء منهم والأموات .. فلن ننسى ذلك الرعيل الأول من الشهداء .. ولن ننسى كذلك أحبابنا الذين قضوا تحت الأنقاض .. لن ننسى من ذبح من صغارنا بالسكاكين .. لن ننسى من مات منهم جوعا تحت الحصار ...
لئن أخرجنا منك يا حمص .. فثقتنا بالله أن يمن علينا بالرجوع .. لقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج من بلده مكة ، فعز عليه الخروج منها ، وهي بلدة ولد فيها ، ودرج على ترابها ، وشب بين ربوعها .. وأنس ببيت بناه جده إبراهيم الخليل فيها .. فعز عليه فراقها ، فالتفت يخاطبها ويقول : والله إنك لأحب بلاد الله إليَّ ، ولو لا أن قومك أخرجوني منك لما خرجت .. فنزل عليه جبريل يزف إليه البشرى بأن الله تعالى سيعيده إليها فاتحا منتصرا ، فتلا عليه جبريل قوله تعالى ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) فكان وعداً من الله ، وفاه له ربه يوم فتح مكة ، فدخلها صلى الله عليه وسلم وهو يقول ، الحمد لله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، لا شيء قبله ولا شيء بعده . وقل جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا ..
دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام ، فصلى فيه ركعتين سنة الفتح ، والتفت إلى أهل مكة وقد مثلوا بين يديه أذلاء صاغرين ، فقال لهم : يا أهل مكة ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم .. قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ...
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما أعظمك وما أكرمك وما أحلمك ..
وعز وجهك يا الله .. لا عزَّ إلا لمن رفعته ، ولا نصر إلا لمن أيدته ، مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء وتذل من تشاء ، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ..
فيا أهل حمص :
فيا أهل حمص :
إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد مر – كما ترون - بمثل هذا الظرف الذي تمرون به الآن ، وعانى من مثل ما تعانون منه اليوم .. ولكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة . فاسألوا الله الذي نصر نبيه أن ينصركم ، واسالوا الله الذي رده إلى بلده فاتحا منتصرا بعدما أخرج منها مهاجرا ، أن يردكم إلى حمص مؤيدين منصورين .
يا أهل حمص إن كل أخ لكم في سوريا مدينٌ لكم بوقفتكم المشرفة ، وصمودكم الأسطوري في وجه هذا النظام المجرم ، سيذكر التاريخ لكم تضحياتكم الكبيرة ، التي لولاها لماتت الثورة في مهدها .. إننا نحتفظ لكم بكل الحب والولاء والتكريم .. وندرك اليوم أن فراقكم لبلدكم أشبه بفراق الروح للجسد ، قال تعالى ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ) فقد قرن سبحانه وتعالى الخروج من الديار بالخروج من الحياة .. فلكُمُ الله يا أهل حمص .. لكُمُ الله يا أبطال حمص ، لكُنَّ الله يا حرائر حمص .. لَكُمُ الله يا أطفال حمص .. لَكُمُ الله في حلكم وترحالكم .
يا أهل حمص أنتم أبناء خالد بن الوليد .. وخالد رضي الله عنه ما كان يعرف اليأس إلى نفسه سبيلا ، لذلك لم ينهزم في أي معركة خاضها قط ، لا في جاهلية ولا إسلام .. لقد خاض أكثر من مائة معركة ، فانتصر فيها جميعا .. انتصر فيها خالد رضي الله عنه بإصراره على معاودة القتال ، ومصاولة الرجال ، وتصميمه على انتزاع النصر من أعدائه طوعا أو كرها ..
فاجعلوا من خروجكم هذا انتقالاً من ميدان إلى ميدان .. وأعدوا العدة وعودوا إلى قتال أعدائكم .. اقتلوهم حيث ثقفتموهم ، وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ، والفتنة أشد من القتل ..
يا أهل حمص اختاروا لأولادكم ونسائكم ملاذا يأوون إليه .. والتحقوا بإخوانكم في جبهة الساحل .. اضربوا أعداءكم هناك .. وأخرجوا نساءهم وأطفالهم من ديارهم كما أخرجوكم .. واسقوهم من نفس الكأس الذي سقوكم .. ولا تيأسوا من روح الله واصبروا إن الله مع الصابرين ..
اللهم احفظ إخواننا أهل حمص .. اللهم انصر مقاتليهم .. واحفظهم في أهليهم وذراريهم .. اللهم ارحم شهداءهم .. واشف جرحاهم . وآو مشرديهم ، وأطعم جائعيهم ، وأمن خائفيهم .. رب كل شيء ومليكه .. ربنا رب العالمين ..