ما السر في تقديس النصيري للحذاء العسكري :
بقلم : أبو ياسر السوري
2 / 5 / 2014
من المعتاد ، أن الرأس هو أعلى ما في الإنسان ، وهو رمز الرفعة والعزة والشموخ والكرامة ، فيقال : فلان رأس قومه أي أعلاهم منزلة والمقدم فيهم . ويقال فلان شامخ الرأس ، كناية عن عزته وعنفوانه . وإذا قلت : فلان على رأسي .. فهذا كناية عن مبالغتك في تكريمه .. وإذا أرادوا أن يستهينوا بقدر الضربة قالوا ، سلامات يا رأس .. يعنون بذلك أنها ضربة بسيطة لأنها لم تصب الرأس . ذلك لما للرأس من أهمية قصوى للإنسان ، ففيه أهم حواسه السمع والبصر والشم والذوق . وفيه الدماغ ومركز الذاكرة والتفكير ، ومركز توجيه الجملة العصبية .. وفيه .. وفيه .
واللافت للنظر ، أن الشبيحة يضعون الحذاء العسكري على رؤوسهم ، وفي مقدمة مدنهم على أبوابها الخارجية ، بل ويرفعونه على هيئة نصب تذكارية وطنية في ساحاتهم العامة ، في سياق احتفالات ومراسم يحضرها محافظو المدن السورية .. فيقفون أمام الحذاء العسكري بخشوع وخضوع واحترام .. ويتساءل المرء بينه وبين نفسه لماذا يفعل الشبيحة ذلك ؟ ولا يجد جوابا مقنعا لهذه الظاهرة ، لأن سببها باطني .!؟
قد يكون من الممكن تفهم وجهة نظر الهندي الذي يعبد البقر ، ويتبارك ببولها وروثها ، حين يقول لنا : إنه يعبد البقرة لأنها هي رمز الخير ، فهي تثير الأرض ، وتسقي الحرث ، وتمده بالحليب والزبد والجلود وعلى ولاداتها لصغار البقر يتوقف بقاء النوع لهذا الفصيل من تلك الحيوانات ...
ولكن ماذا يمكن أن يقول الشبيحة عن سبب تقديسهم للحذاء العسكري، وانحنائهم له، وخضوعهم أمامه ؟ بكل تأكيد ، إنهم لن يبوحوا لأحد بهذا السر ، ولكني سأبوح به نيابة عنهم ، محتسبا أجري على الله .
السر يا سادة ، في رفع الشبيحة للحذاء العسكري فوق رؤوسهم ، والافتخار بذلك ، يعود إلى أنه بهذا البوط تمكن النصيريون من حكم سوريا أكثر من نصف قرن من الزمان . فقد مر عليهم حين من الدهر ، كانوا فيه أميين متخلفين فقراء لا يجدون ما يأكلون ، وكان كثير منهم يرسل بناته يعملن خادمات في المدن ، ليكسبن لأهلهن لقمة الخبز ، وخرقة الكساء ...
وقد بدأت الحكاية ، من يوم وقعت فيه سوريا تحت الاحتلال الفرنسي ، واعتمدت على أبناء هذه الطائفة اعتمادا كليا ، وجندتهم عسكريين في جيشها ، ومخبرين لدى مؤسستها الأمنية . ومنذ ذلك الحين عرف النصيريون أن الخدمة في السلك العسكري أمان من الجوع .. فلما جلت فرنسا عن سوريا ، كان النصيريون يشكلون أغلبية في جيش الشرق ، الذي أشرفت فرنسا على إنشائه ، ليكون نواة الجيش العربي السوري ... وكان أبناء السنة من أزهد الناس في الجيش والأمن ..
ويبدو أن النصيرية كان لهم حظ كبير من عناية فرنسا بهم ، واحتضانها لهم ، حتى إنه ليرجح لدينا الظن ، بأن فرنسا قد أعطتهم وعدا بحكم سوريا ، على غرار الوعد الذي أعطاه رئيس الوزراء البريطاني بلفور لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، تحت مسمى " دولة إسرائيل " ... وللأمانة العلمية ، ليست هذه الفكرة من عندي ، أعني فكرة " وعد بلفور الفرنسي للنصيرية " وإنما أفدتها من مقال قرأته للكاتب " طريف يوسف آغا " بعنوان
(أين الرد الفرنسي على وثيقة الأسد الجد .؟ وهل هناك وعد بلفور فرنسي .؟ )
وسواء أكان هنالك وعد فرنسي للنصيرية بحكم سوريا أم لم يكن ، فإن الحذاء العسكري مكنهم من حكم سوريا ، فلم يمض على جلاء فرنسا عن سوريا سوى 15 عاما ، حتى صارت سوريا بعد انقلاب الثامن من آذار سنة 1963جمهورية نصيرية بامتياز .
أفلا يحق للنصيريين بعد هذا أن يقدسوا هذا الحذاء ، ويقيموا له عشرات النصب التذكارية في المدن .؟ أفلا يحق لهم أن يجعلوه رمز قوتهم وعزتهم ويضعوه فوق هاماتهم بفخر واعتزاز .؟؟
إذن ، لا تظنوا أن هذه الظاهرة أمرا مرتجلا ليس له معنى .؟؟ فإنما هو إجراء له ما وراءه .. فهذه الطائفة تقول ببسطارها العسكري : نحن توصلنا إلى الحكم بهذا البسطار ، وسنبقى حكام هذا البلد ما دمنا أصحاب المؤسسة العسكرية فيه .!!