حوار ثوري بدأت أولى فقراته قبل 12 سنة .. ثم اكتمل الآن :
بقلم : أبو ياسر السوري
29 / 4 / 2014
" الدرج ما بينشطف من تحت لفوق .. بينشطف من فوق لتحت "
إنها حكاية مفيدة جدا ، وقصة هي غاية في التأثير ، فهي درس بليغ من دروس النضال ، في سبيل الحرية والعزة والكرامة . كان ينبغي قراءته قبل عقود من الزمن .. ولكن القدر أخره ليكتمل اليوم ، ويقرأه المعنيون بالشأن . كيلا يلدغوا من جحر واحد مرتين ...
مشهد الحوار :
" في داخل سيارة ركابٍ " ميكرو " للنقل الداخلي في مدينة حلب ، دار حوار بين رجل مسن ، وعدد من الركاب ، كان منهم أخ بيننا يكتب تحت الاسم المستعار " حلبي حر" فكان الحوار على الشكل التالي:
- الرجل المسن : " يا ابني , الدرج ما بينشطف من تحت لفوق , بينشطف من فوق لتحت "
- سائق الميكرو يقول له : " يا حجّي ضب لسانك ما ناقصنا ، بدنا نرجع لبيتنا ، مو لبيت خالتنا " ..
- شاب في العشرينيات من عمره : " يا عمّو اسكوت , الحيطان الها أدانين , هيك بقولولنا أهلي ..
- الرجل المسن : " بما أنك فهمت عليّ فقد قطعت ربع الطريق ، وبدأت بصعود الدرج لشطفو .. يا ابني نحن راحت علينا ، وما عرفنا نتصرّف ، وراح زمانّا ، و هلّأ صار زمانكون ، بس متل ما قلتلّك :
" الدرج ما بينشطف من تحت لفوق بينشطف من فوق لتحت " .
تلك واقعة تحدث عنها صاحبها منذ ساعات قلائل ، فالسند عالٍ - كما يقول رواة الحديث - إذ ليس بيني وبين راويها الأول سوى صفحة الإنترنيت .. صحيح أنه مضى على هذه الحكاية 12 عاما ، ولكنه زمن ليس بالمديد .. وربما يكون الركاب الذين ضمهم ذلك الميكرو ، ما زالوا على قيد الحياة حتى الآن .. وإن كان ذلك الرجل المسن حيا بيننا اليوم ، فلا علينا أن نقول له عبر الإنترنيت : صدقت أيها العمُّ الحكيم ، ونصحت ، وكنت بليغا فيما قلت فأوجزت .. وإن كان هذا الرجل قد صار إلى الله ، فنقول له : لقد وجدنا ما قلته لنا حقا ، وصدقا .. وعشناه واقعا .. ولكننا لم نُمكَّن من صعود الدرج إلى أعلاه ، لنقوم بمهمة التنظيف كما أردت .. فقد اعترضنا يا عمُّ قطاع الطريق الشطار ، وأنصار القذارة الأشرار .. وما تركوا شيئا يرمى من علٍ إلا وقذفونا به .. وما تركوا شيئا مميتا إلا ورمونا به .. حتى قطعوا علينا الماء .. وسمموا الهواء .. لقد تأخرنا يا سيدي بعملية التنظيف ، تأخرنا حتى غلبنا القذرون .. وحالوا بيننا وبين صعود الدرج .. بل إنهم هدموا الدرج والبناء معا ..
وكأني بك يا عمُّ ، لو كنت حيا بيننا الآن لقلت : لو سمعتم كلامي قبل اثني عشر عاما ، لوفرتم كل هذه التضحيات ، وأرحتم أنفسكم من كل هذه المعاناة ، ولكنكم تقاعستم ، وتباطأتم ، وتخاذلتم ، وتركتم خصومكم حتى استمر مريرهم ، وكثر ناصرهم ، وباعوا البلد وما فيه ، في سبيل بقائهم فوقكم كراسيهم قاهرين ، وفي رقابكم متحكمين ، وصار المجتمع الدولي كله ردءا لهم وسندا . وصار اقتلاعهم من جذورهم أكثر من عسير ..
أما وقد بدأتم السير على الطريق الصحيح ، فإياكم وإيا التراجع عن ثورتكم . فنصف الثورة انتحار ودمار وعار ... يا بني لقد ابتليتم بأقذر المخلوقات البشرية ، وأحقرها ، وألأمها ، وأحقدها .. ولو ظفروا بكم هذه المرة ، فسوف تترحمون على أحداث الثمانينيات من القرن الماضي .. وإذا كانت هذه العصابة القذرة ، قد ارتكبت قديما مجزرة حماة ، فقد ارتكبت اليوم أكبر منها بعشرات المرات .. لقد أصبحت مجازرهم الإجرامية لا تعد ولا تحصى .. وإذا صفَّى النظامُ مئات الآلاف على مدار عشر سنوات مضت آنذاك .. فقد بلغ عدد ضحاياه سبعة اضعاف ذلك العدد خلال هذه السنوات الثلاث .. وإذا كان قبع في السجون يومها عشرات الالاف .. فليكونن أضعاف العدد لو ظفر بكم هؤلاء الأشرار .. وإذا كان لا يزال بعض أولئك المساجين تحت الأرض منذ ثلاثين عاما ، فليكونن منكم من لا يخرج من السجن إلا إلى المقابر .. فارحموا أنفسكم .. واصبروا لحرب عدوكم ..
وإذا فاتكم أن تشطفوا الدرج من الأعلى ، وتتخلصوا من رأس النظام في الماضي ، فلعل الخير فيما اختاره الله ، بل إن اختيار الله هو أكثر بركة لكم من اختياركم لأنفسكم . فلو تمكنتم من جزِّ رأس النظام وقتل كبار قادته قبل عشرين عاما ، وشطفتم الدرج من الأعلى كما أشرت عليكم .. فقد كان من الممكن أن تسرق الثورة منكم ، ويتسلق إلى كرسي الحكم فاسدون آخرون . وتعودوا إلى المعاناة من جديد .. ولهذا اختار الله لكم أن تشطفوا الدرج بالعكس ، لئلا يبقى من القذرين أحد ، وتطهر الأرض منهم فلا يبقى من شبيحتهم لا صغير ولا كبير ..
يا بني ، أعود وأكرر لكم ، إن اختيار الله أكثر بركة من اختياركم لأنفسكم .. لقد تعلمنا ذلك من سيرة النبي وأصحابه .. ففي يوم بدر كان الأحب إلى أصحاب النبي أن يظفروا بالعير والغنائم .. فاختار الله لهم النفير ولقاء الجيش .. فأظفر من مات منهم بالجنة تحت ظلال السيوف .. ونصر من بقي منهم نصرا سماه الله فرقانا .. ولم تقم بعده للمشركين قائمة ..
أخي ( الحلبي الحر ) لو كان ذلك الرجل المسن ، صاحبك بالأمس بيننا الآن، لختم كلامه بقوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* ) .