صراع اجيال
المعضلة التي تواجهها ثورة مصر وتونس، وكذلك ثورة ليبيا واليمن وسوريا، هي أنها تقاتل بثقافات وشعارات وأدوات القرن الحادي والعشرين أنظمة تنتمي إلى أواسط القرن الماضي. هو اشبه بصراع أجيال يفصل بينها عمر يقارب الخمسين سنة. الجيل القديم يرفض التسليم بأن أسلحته للبقاء في الحكم قد استنفدت، والجيل الجديد يضغط من أجل استرداد حقوقه الطبيعية، متسلحاً بوعي متقدم لكنه يفتقر الى القيادة والتنظيم والجدول الزمني. والنتيجة هي تلك الحالة من الفوضى التي تعم مختلف البلدان العربية، وتوحي بأن الدولة العصرية الحديثة لا تزال بعيدة المنال.
الفوضى المصرية مثيرة للقلق، لكنها ليست مخيفة أبداً. هي ناجمة عن فراغ هائل يسود بين الجيلين، جيل الحكم الانتقالي الموروث من حقبة حسني مبارك، والمستند أساساً الى شخصيات يزيد عمرها على السبعين سنة، تقيس الاستقرار بمقاييس قديمة وتخشى من أي تظاهرة في الشارع ولا تدرك ان التظاهرات، مهما كانت مطالبها وأياً كان منظموها، هي جوهر الأمان في أي مجتمع، وهي عنوان التطور في أي دولة، وهي البديل المثالي الوحيد عن العمل السري الذي يمكن ان يلجأ اليه النظام او الجمهور، ويقود الى كوارث.
ما يجري في الشارع المصري هذه الأيام يعبر عن وجود هوة سحيقة بين المجلس العسكري الحاكم وبين الشبان والشابات الذين تتراوح أعمارهم حول العشرين سنة، والذين صنعوا الثورة ثم غادروا الشارع بعد انتصارها، فإذا هم يشعرون بأن المتحدثين باسمهم أو المدّعين لتمثيلهم في الغرف المغلقة او في المؤتمرات المفتوحة، لم يفهموهم تماماً، بل إن بعضهم يتواطأ عليهم ويطعنهم في الظهر.. من دون ان يكون لدى الجيل الجديد الهياكل التنظيمية او البرامج التنفيذية او حتى الرموز القيادية لإكمال المهمة، التي يبدو انها ستحتاج الى وقت طويل قبل ان تنجز.
هذه التجربة المصرية تعكس بدقة متناهية واقع الحال في تونس كما في ليبيا واليمن وسوريا، حيث سقط الحاكم أو يوشك على السقوط، لكن الأنظار تتجه على الفور الى المعارضات التقليدية الهرمة ايضاً، التي انتجتها أنظمة تلك البلدان، سواء بالقمع او بالتواطوء، لكي تسد الفراغ وتقدم النموذج البديل، في الوقت الذي يجري إهمال الجيل الشاب التونسي والليبي واليمني والسوري الذي يقود الثورة وينظم الشارع ويحمي الجمهور، والذي يعبر عن موقف لا لبس فيه لا تعوزه سوى مؤسسة تنقله من حالة الصراخ الى حالة التغيير والبناء، من دون المرور عبر معارضين مشبوهين يمارسون التقية، بادّعائهم أنهم خلف الشارع وخارج النظام!
لا خوف على مصر أو تونس، لأن الحكم الانتقالي في البلدين يناور ويراوغ، لكنه يعرف الشارع جيداً ويدرك تماماً قوة الجيل الشاب، وهو لذلك يسلم ضمناً بأن هناك حاجة لمزيد من الانتظار كي يفرز ذلك الجيل قياداته وبرامجه وأحزابه.. وهي فرصة لا يحظى بها شباب بقية الدول العربية الذين ما زالوا يكافحون لانتزاع الاعتراف بأنهم هم الثورة، التي لا تقبل في صفوفها متآمرين مع النظام او مع الخارج.
نقلا عن (السفير) اللبنانية