أكدت
مصادر مطلعة في دمشق أن زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي إلى
مدينة حماة يومي الخميس والجمعة كانت "بتنسيق كامل مع قيادة الجيش
والمخابرات العسكرية" في سوريا. وقالت هذه المصادر إن الملحق العسكري
الأميركي في دمشق الليفتينانت كولونيل روبرت فريدنبيرغ اتصل شخصيا برئيس
الأركان العماد داود راجحة وبرئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء عبد
الفتاح قدسية، اللذين يحتفظ بخط ساخن مباشر معهما ، وطلب منهما إذنا لزيارة
حماة بصحبة السفير روبرت فورد . وهو ما قامت به السفارة الفرنسية أيضا .
وأكدت هذه المصادر أن راجحة وقدسية أبديا موافقتهما على الزيارة ، لكنهما
طلبا من الملحق العسكري الاتصال مباشرة بمكتب نائب القائد العام وزير
الدفاع العماد علي حبيب لأنه "المرجعية المناسبة في الظرف الحالي لنشاط من
هذا النوع" ، وفق ما نقله المصدر عن ضابطة أمن السفارة "آسيّة أشرف ـ ميلر"
و رئيسة القسم السياسي فيها "آمي تاشكو" ، اللتين كانتا تتابعان مباشرة
التواصل بين الكولونيل فريدنبيرغ و الجهات العسكرية السورية المشار إليها.
وبحسب هذه المصادر ، فإن العماد حبيب هو شخصيا من أعطى إذنا بالزيارة ،
وأوعز لرئيس الأركان ورئيس شعبة المخابرات ( راجحة و قدسية) للقيام بما
يلزم لتأمينها. وعندها أعطى المذكوران توجيهاتهما للجهات العسكرية والأمنية
المعنية في المنطقة ، التي تقيم حواجز التفتيش على مدخل حماة ، لتأمين
وصول البعثتين وتسهيل تحركهما . وقالت هذه المصادر " إن العماد حبيب يحتفظ
بقنوات اتصال مع جهات عسكرية أميركية منذ أن كان قائدا للقوات السورية
التي شاركت في حرب تحرير الكويت في العام 1991 إلى جانب معاونه آنذاك
العميد في القوات الخاصة يحي نيوف ، اللذين حصلا بعد الحرب على ميداليات
وهدايا تذكارية من وزارة الدفاع الأميركية على دورهما فيها"!

يشار
في هذا الخصوص إلى أنه كان أمرا لافتا ما أكدته الناطقة باسم الخارجية
الأميركية أول أمس لجهة أن الملحق العسكري الأميركي " أبلغ السلطات السورية
مسبقا بالزيارة " ، و بأن " السفير عبر نقطة تفتيش عسكرية واحدة على الأقل
قبل وصوله إلى حماة"!؟ كما أنه كان لافتا عدم قيام السفير ، رئيس البعثة ،
بالاتصال بوزارة الخارجية ( كما يفترض في هكذا حالات) وإيكال الأمر إلى
ملحقه العسكري!؟

وبحسب
مصادر "الحقيقة" ، فإن ما جرى يضع علامة استفهام كبيرة حول الضجة التي
أثارتها السلطة بشأن الزيارة واستدعاء السفيرين اليوم لإبلاغهما "احتجاجا
شديدا" على تصرفهما. وطبقا لتلك المصادر ، فإن هناك تفسرين لا ثالث لهما لـ
"سوء التفاهم " الحاصل . فإما أن السفارتين ، وبالتالي الدولتين اللتين
تمثلانها ، أرادتا تجاوز "المستوى السياسي والديبلوماسي" السوري الرسمي
لعلمهما بأن "المستوى العسكري" ، بشقيه الميداني والأمني ، هو الذي يمسك
بمقاليد الأمور وبالأرض ويدير "المعركة" ، وبالتالي هو "قيادة الأمر
الواقع" في سوريا حاليا ، أو أن اللغط السوري الرسمي " كان لمجرد الاستهلاك
الإعلامي لحفظ ماء وجه النظام ، وبالتنسيق بين الأطراف المعنية ، السورية
والأميركية والفرنسية ". ولم تستبعد هذه المصادر أن يكون الأميركيون أرادوا
أيضا إرسال إشارة مزدوجة ، ولكن ذات وجهين مختلفين ، إلى المستويين
السياسي والعسكري، في حال صح التفسير الأول. ومفاد هذه الإشارة أن واشنطن
وباريس " تعولان على الجيش وتثقان به كحام ورافعة للمخرج من الأزمة في
مواجهة الطغمة الأمنية التي يمثلها ماهر الأسد وفريقه إذا استمر هذا الفريق
في لعبته الدموية "!؟