قدر ناشط حقوقي عدد المعتقلين السوريين منذ بداية الاحتجاجات في سوريا،
منتصف شهر آذار (مارس) الماضي، بما يفوق 11 ألف معتقل، إلا أنه قال إن 60
ألف سوري تعرضوا لتجربة الاعتقال لفترة قصيرة قبل أن يطلق سراحهم. وقال
المعارض السوري ياسين حاج صالح، الذي اعتقل لفترة كبيرة منذ عام 1980 وحتى
عام 1996، إن ما يقارب 60 ألف سوري تعرضوا لتجربة الاعتقال منذ بداية
الأحداث، وقال حاج صالح لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، إن عدد من تم
احتجازهم “وصل إلى 11 ألف شخص، بشكل عشوائي”، وأضاف أن السلطات تقوم بذلك
لإرسال “رسالة إرهاب للشعب”.
وأضاف حاج صالح لـ”الشرق الأوسط”: “إذا جمعنا عدد كل من اعتقلوا في
سوريا في الشهور الأربعة الأخيرة، وقضوا وقتا في فروع المخابرات، فالعدد
يتجاوز 60 ألفا حسب تقديرات”.
وأوضح حاج صالح أن معظم المعتقلين يتم اعتقالهم لمدة قصيرة لا تتجاوز
الأسبوع، ثم يطلق سراحهم ليحل محلهم آخرون لا ذنب لهم ولا تهمة عليهم.
وأضاف: “النظام السوري يستخدم سياسة الباب الدوار في اعتقال السوريين، يفرج
عن عشرات ليعتقل مئات، ثم يفرج عن مئات ليعتقل آلافا”. وأشار حاج صالح،
الذي فضل أن يتوارى عن الأنظار منذ الثلاثين من آذار (مارس) الماضي، إلى أن
السجون السورية تمتلئ عن آخرها الآن، وهو ما يجعل مدة الاعتقال قصيرة بهذا
الشكل.
وكشف حاج صالح أن “مستودعات كبيرة لرجال أعمال موالين للنظام السوري
تستخدم كساحات اعتقال بحق آلاف المعتقلين الجدد، الذين لا تسعهم المعتقلات
التقليدية، ناهيك عن استخدام الملاعب الرياضية كمعتقلات”.
وقد اعتقلت السلطات الأمنية أخيرا أشقاء حاج صالح، حيث تم اعتقال أخيه
خليل، مدرس فلسفة في ثانويات الرقة في 26 حزيران (يونيو)، وتم اتهامه
بالمشاركة في المظاهرات المناهضة للنظام، وحين قررت السلطات الإفراج عن
خليل، طبق على أسرتهم مبدأ الباب الدوار؛ حيث تم اعتقال أخيهم فراس، وهو أب
لمولود عمره عشرون يوما فقط، في الثالث من تموز (يوليو)، لمشاركته في
اعتصام يومي للمطالبة بالإفراج عن خليل وزملائه الآخرين.
والآن تضع الاستخبارات أخاهم أحمد، المدرس والأب لأربعة أطفال، على
قوائم الاعتقال، لسبب يقول عنه ياسين حاج صالح: “لا أعرفه ولا يعرفه أحمد،
فالتهمة الجاهزة هي مشاركته في اعتصام أو تظاهرة”. واستبعد ياسين أن يكون
للاعتقالات المتزايدة بحق أسرته أي علاقة به، حيث يقول: “الاعتقال يطال
الجميع”.
ومنذ بداية الأحداث، تعرض عشرات الناشطين الحقوقيين والسياسيين للاعتقال
أو الاختفاء القسري، بعضهم لم يستدل أبدا حتى اللحظة عن أماكنهم، مثل
الناشط وائل حمادة، زوج الناشطة الحقوقية، رزان زيتونة، الذي اختفى عن
الأنظار تماما منذ فترة ولم يستدل على مكانه حتى الآن، على عكس الناشط
الحقوقي نجاة طيارة (65 عاما)، الذي اعتقل على خلفية انتقاده لاستخدام
السلطات للعنف في مواجهة المظاهرات على الفضائيات، وهو ما كلفه الاعتقال،
وقد أودع طيارة سجن حمص.
ويتداول الناشطون الكثير من الحكايات عن التعذيب الذي يحدث في حق
المعتقلين، خاصة الذين يقضون فترات طويلة، حيث يقول حاج صالح: «التعذيب في
المعتقلات السورية أمر روتيني بحت، والأمن الجوي هو الأكثر شراسة في ممارسة
التعذيب».
وقال ناشط حقوقي لـ”الشرق الأوسط” عبر الإنترنت من حمص، اشترط عدم الكشف
عن اسمه، إن “التعذيب والاعتقال رسالة لنا كي نتراجع عن مطالبنا، هم
يعتقلون الأطفال والشباب ويتركون على أجسادهم علامات التعذيب لهم ولذويهم
ولكل الشعب السوري”. ويعتقد حاج صالح أن قلائل هم الذين يتم اعتقالهم دون
التعرض للتعذيب.
ومن جانبه، شكك كاتب السيناريو المستقل سامر رضوان في جدوى الحوار، وكتب
على صفحته “من بدأ كضارب طبل في بداية الأزمة لن ينتهي كعازف كمان. فلا
تتعب نفسك بالحوار مع العصا (…) سيتمكنون من المراوغة حتى لو أخرجت لهم
مصحفا على شكل أغنية ووردة. ومن برر القتل مرة سيبرره ألف مرة (…) وكل تحت
ذريعة تريح ضميره غير الموجود أصلا”.
وفي الوقت الذي تجرى فيه التحضيرات لعقد اللقاء الذي دعت إليه هيئة
تنسيق مؤتمر الحوار الوطني السوري، التي يرأسها فاروق الشرع نائب رئيس
الجمهورية السورية في دمشق غدا الأحد، تتوالى تأكيدات أطياف المعارضة
السورية أنها لن تحضر اللقاء، بسبب تصعيد عمليات القمع التي تمارسها قوات
الامن الموالية للرئيس بشار الأسد ضد المحتجين.
وقال الكاتب والمعارض لؤي حسين، أحد منظمي اللقاء التشاوري للمثقفين
السوريين المستقلين الذي عقد في دمشق نهاية حزيران (يونيو) الماضي إن لجنة
متابعة أعمال اللقاء لن تشارك في لقاء الأحد، لأن “السلطة لا تبدو أنها
جادة في هذا الحوار”.
وقال حسين في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) اليوم الجمعة إن
السلطة تريد أن تعقد اللقاء لكي “ترسل رسالة إلى الخارج، وليس لحل المشكلة
العميقة التي تمر بها البلاد منذ أربعة أشهر”.
وأضاف حسين، الذي كان التقى نائب الرئيس السوري فاروق الشرع ومستشارة
الرئيس السوري للشؤون السياسية والإعلامية بثينة شعبان عدة مرات، إن
“المعارضة السورية لا تزال تعتقد بأهمية الحوار كمخرج سليم من الأزمة
السورية” ولكنه أضاف “إننا لن نذهب إلى الحوار بالشروط التي تفرضها السلطة
علينا”.
تتفق معظم أطياف المعارضة السورية على أن الحوار لا يمكن أن يبدأ قبل وقف
القمع الأمني والسماح بالتظاهر السلمي وإطلاق سراح جميع المعتقلين
السياسيين وإيقاف الدعاية الإعلامية ضد المحتجين السوريين والسماح للإعلام
الخارجي بتغطية الأحداث السورية بحرية.
وبينما لم توجه الدعوة إلى تيار “اعلان دمشق” المعارض، قالت مصادر كردية
مطلعة لـ (د ب أ) إن الأحزاب الكردية لن تشارك في الحوار أيضا.
تنضوي غالبية الأحزاب الكردية تحت تيار “إعلان دمشق”.
وجهت السلطات دعوات لنحو 150 شخص من المعارضة السورية، بينهم المحاميان
هيثم المالح وأنور البني، والكاتب أكرم البني، والمفكر طيب تيزيني، وشخصيات
منضوية في هيئات تشكلت قبل أيام، مثل اللقاء التشاوري وهيئة التنسيق لقوى
التغيير الديموراطي، إضافة إلى عدد من الشخصيات من خارج البلاد، مثل الناشط
الحقوقي هيثم مناع والباحث الاقتصادي ورئيس تحرير صحيفة “لوموند
ديبلوماتيك” العربية، سمير عطية المقيمي في فرنسا.
غير انه معظم هؤلاء أعلنوا اعتذارهم عن المشاركة.
وقال سمير عطية إنه اعتذر عن عدم حضور المؤتمر لعدة أسباب، بينها أن
“الدعوة نفسها لم تكن مقنعة، فهي بدون توقيع، إضافة إلى أن مناخ الحوار ليس
مناخا ملائما لحوار بناء ومجد”.
وقال لؤي حسين انه يتعين على السلطة أن “تأتي إلى طاولة حوارنا، بمعنى أن
عليها أن تخلق الظروف الصحية لبدء حوار مجد ومثمر ومفيد لسورية وللشعب
السوري قبل أن يكون مفيدا لأي من الأطراف”.
وبدورها، رفضت “هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي” التي يرأسها
المحامي حسن عبد العظيم، حضور اللقاء، مبررة ذلك بأن الحكومة ” لم تلتفت
إلى ضرورة توفير ظروف ملائمة للحوار”.
وقالت مصادر من داخل الهيئة لوكالة الأنباء الألمانية انه من المستحيل
تلبية الدعوة في ظل “استمرار قمع المتظاهرين وقتلهم والزج بالمزيد منهم في
السجون”.
وأضافت المصادر أن الهيئة “تصر على تلبية الشروط التي وضعتها الأسبوع
الفائت والتي تتلخص بضرورة وقف الحل الأمني وإطلاق سراح المعتقلين
السياسيين والسماح بالتظاهر السلمي”.
في المقابل، تواصل “هيئة تنسيق مؤتمر الحوار الوطني” الإعداد للقاء الأحد،
ومن المتوقع أن يحضر اللقاء برلمانيون مثل الدكتور محمد حبش، وأساتذة جامعة
وفنانون ورياضيون.
كان نائب رئيس الجمهورية ورئيس هيئة الحوار الوطني فاروق الشرع قال لصحيفة ”
الحياة” التي تصدر في لندن، إن هدف الحوار الوطني المزمع عقده غدا الاحد
هو ” تغيير المناخ وتطوير البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن
الوطن الموحد القوي الآمن الديمقراطي التعددي، وطن الجميع” مبينا أن
لقاءات تمهيدية غير معلنة، جرت بين هيئة الحوار الوطني، وشخصيات معارضة
“ولا توجد شروط مسبقة من قبل أي طرف”.