قصة بعنوان : " طعام الواحد يكفي الاثنين " :
بقلم : ابو ياسر السوري
استيقظت مبكرا فأديت صلاة الفجر في منزلي ، لأن المسجد الذي بجوارنا نزل عليه برميل أسدي منذ شهور ، فحوله إلى ركام من الأحجار ومخلفات البناء من إسمنت وقضبان حديد وتراب .. طبعا لم يكن هنالك قهوة الصباح ، التي كانت أم أحمد تقدمها لي في زمان الخير ، ولم يكن هنالك شاي مع طعام الإفطار .. والأدق في التعبير ، إنه لم يكن هنالك إفطار أصلا ، فنحن لم نعرف طعم الخبز منذ ما لا أذكر من الشهور .. ولم نعرف طعم الجبنة ، ولا الزيت والزعتر ، ولا ( الشنكليش ) ... منذ شهور وشهور .. حتى صارت هذه المسميات من بعض الذكريات ...
خرجت من المنزل ، وجلست على الرصيف أستدفئ بشمس الخريف ... هل جرى على لساني كلمة " الرصيف " ؟؟ .. أستغفر الله .. فليس هنالك رصيف لقد حطمته جنازير الدبابات ، التي كانت تخوض " معركة العالم كله " ضد الشعب السوري .!! لماذا تستغربون لهذه العبارة .!؟ والله العظيم هذه هي الحقيقة ، فإن العالم كله يشارك في قتلنا منذ 31 شهرا و23 يوما .. فروسيا تقدم للأسد السلاح وإيران تقدم له المال والرجال والسلاح .. وأمريكا وحلفاؤها في الدول الأوربية والعربية يدعمونه سرا بالمال .. وكل دول العالم تساعد وتساند وتجاهد لإبقاء هذا المجرم القاتل على كرسيه ..!! أليس غريبا هذا الذي يجري .؟ ( يا أبا أحمد ) سؤال طرحته على نفسي بنفسي .؟؟
وفي هذه الأثناء رأيت جارنا أبا سمير ، وهو يدلف باتجاهي من زاوية الشارع ، حاملا في يده كيسا وسخا .. توقف أبو سمير قريبا مني وقال : السلام عليكم .؟ فقلت له وعليكم السلام .. وجاري هذا مثقف مطلع على أحوال الدنيا .. فهو مدرس متقاعد ، وممن يقرأ الجرائد ، ويتتبع أخبار العالم عبر الراديو والتلفزيون .. نعم التلفزيون ، الذي كان يعمل أيام زمان .. قبل انقطاع الكهرباء ، والعودة بالبلد إلى أيام العصور الوسطى .. أي وسطى يا رجل ، لنقل : إلى العصر الحجري .. قسما بالله ، رأيت بعض الناس ، يقدحون حجرا بشظية من الفولاذ ، لإحداث شرارة ، وإشعال نار يستدفئون بها في فصل الشتاء .. لم يكن هنالك دكان يبيع أعواد الثقاب ، ولا قداحات .. أو ما يسمونها بالولاعات ..!! يا رجل في العصر الحجري كان لديهم أشجار المرخ والعفار ، فإذا حكوا هذا بهذا ، فسرعان ما تشتعل بينهما نار ، ومن هنا قالت العرب " استمجد المرخ والعفار " ..لقد كانت لديهم أشجار ، بعضها ينفع لقدح شرارة النار ، وبعضها ينفع ليكون وقودا لها ... وها نحن لا نجد ما نشعل به النار ، ولا نجد ما نستدفئ به إلا بحرق أبواب منازلنا الخشبية ، لنعيش بعدها بدون أبواب ، وتبقى بيوتنا مشرعة أمام اللصوص والشبيحة والقتلة والمجرمين ...
ما لنا في هذه السيرة .. توقف أبو سمير بعد السلام ، ينظر إلي وفي فمه كلام .؟ قلت مالك .؟ قال : مستغرب من جلوسك هنا .!! قلت : وفيم الغرابة .؟ قال : ألا تخشى أن يمر بك بعض الشبيحة فيشحطوك .؟ قلت له : والله أتمنى أن يحدث ذلك ، فلعله أن ينبض فيَّ عرق من الرجولة ، فأشتمهم ، فيطلقون علي النار ، ويريحوني من هذا العذاب .!؟
فتح أبو سمير عينيه الجاحظتين ، فزاد جحوظهما ، وقال : يا رجل ، هون عليك .؟ ما لك .؟ قلت : منذ ثلاثة أيام لم نجد ما نأكله ، وقد نام الصغار أمس باكين ، يتضورون جوعا .. الموت أهون عندي من أن أسمع أحد صغاري يقول " بابا .. جوعان " والدموع تترقرق في عينيه ..!!
حسبل أبو سمير .. وحوقل .. واستغفر .. ورجَّع .. ثم أدخل يده في الكيس الذي يحمله ، فاستخرج منه كسرات من الخبز اليابس ، الذي ضربه العفن .. فأفردها على حجر من بقايا " الرصيف " ... فقسمها نصفين .. وقال : خذ يا أبا أحمد ، فأطعم الصغار .. فطعام الواحد يكفي الاثنين ..
================
[size=undefined]
شرح المفردات :
حسبل : قال " حسبي الله ونعم الوكيل "
حوقل : قال " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "
رجَّعَ : قال : " إنا لله وإنا إليه راجعون "
[/size]
عدل سابقا من قبل أبو ياسر السوري في الخميس نوفمبر 07, 2013 11:21 pm عدل 2 مرات
بقلم : ابو ياسر السوري
استيقظت مبكرا فأديت صلاة الفجر في منزلي ، لأن المسجد الذي بجوارنا نزل عليه برميل أسدي منذ شهور ، فحوله إلى ركام من الأحجار ومخلفات البناء من إسمنت وقضبان حديد وتراب .. طبعا لم يكن هنالك قهوة الصباح ، التي كانت أم أحمد تقدمها لي في زمان الخير ، ولم يكن هنالك شاي مع طعام الإفطار .. والأدق في التعبير ، إنه لم يكن هنالك إفطار أصلا ، فنحن لم نعرف طعم الخبز منذ ما لا أذكر من الشهور .. ولم نعرف طعم الجبنة ، ولا الزيت والزعتر ، ولا ( الشنكليش ) ... منذ شهور وشهور .. حتى صارت هذه المسميات من بعض الذكريات ...
خرجت من المنزل ، وجلست على الرصيف أستدفئ بشمس الخريف ... هل جرى على لساني كلمة " الرصيف " ؟؟ .. أستغفر الله .. فليس هنالك رصيف لقد حطمته جنازير الدبابات ، التي كانت تخوض " معركة العالم كله " ضد الشعب السوري .!! لماذا تستغربون لهذه العبارة .!؟ والله العظيم هذه هي الحقيقة ، فإن العالم كله يشارك في قتلنا منذ 31 شهرا و23 يوما .. فروسيا تقدم للأسد السلاح وإيران تقدم له المال والرجال والسلاح .. وأمريكا وحلفاؤها في الدول الأوربية والعربية يدعمونه سرا بالمال .. وكل دول العالم تساعد وتساند وتجاهد لإبقاء هذا المجرم القاتل على كرسيه ..!! أليس غريبا هذا الذي يجري .؟ ( يا أبا أحمد ) سؤال طرحته على نفسي بنفسي .؟؟
وفي هذه الأثناء رأيت جارنا أبا سمير ، وهو يدلف باتجاهي من زاوية الشارع ، حاملا في يده كيسا وسخا .. توقف أبو سمير قريبا مني وقال : السلام عليكم .؟ فقلت له وعليكم السلام .. وجاري هذا مثقف مطلع على أحوال الدنيا .. فهو مدرس متقاعد ، وممن يقرأ الجرائد ، ويتتبع أخبار العالم عبر الراديو والتلفزيون .. نعم التلفزيون ، الذي كان يعمل أيام زمان .. قبل انقطاع الكهرباء ، والعودة بالبلد إلى أيام العصور الوسطى .. أي وسطى يا رجل ، لنقل : إلى العصر الحجري .. قسما بالله ، رأيت بعض الناس ، يقدحون حجرا بشظية من الفولاذ ، لإحداث شرارة ، وإشعال نار يستدفئون بها في فصل الشتاء .. لم يكن هنالك دكان يبيع أعواد الثقاب ، ولا قداحات .. أو ما يسمونها بالولاعات ..!! يا رجل في العصر الحجري كان لديهم أشجار المرخ والعفار ، فإذا حكوا هذا بهذا ، فسرعان ما تشتعل بينهما نار ، ومن هنا قالت العرب " استمجد المرخ والعفار " ..لقد كانت لديهم أشجار ، بعضها ينفع لقدح شرارة النار ، وبعضها ينفع ليكون وقودا لها ... وها نحن لا نجد ما نشعل به النار ، ولا نجد ما نستدفئ به إلا بحرق أبواب منازلنا الخشبية ، لنعيش بعدها بدون أبواب ، وتبقى بيوتنا مشرعة أمام اللصوص والشبيحة والقتلة والمجرمين ...
ما لنا في هذه السيرة .. توقف أبو سمير بعد السلام ، ينظر إلي وفي فمه كلام .؟ قلت مالك .؟ قال : مستغرب من جلوسك هنا .!! قلت : وفيم الغرابة .؟ قال : ألا تخشى أن يمر بك بعض الشبيحة فيشحطوك .؟ قلت له : والله أتمنى أن يحدث ذلك ، فلعله أن ينبض فيَّ عرق من الرجولة ، فأشتمهم ، فيطلقون علي النار ، ويريحوني من هذا العذاب .!؟
فتح أبو سمير عينيه الجاحظتين ، فزاد جحوظهما ، وقال : يا رجل ، هون عليك .؟ ما لك .؟ قلت : منذ ثلاثة أيام لم نجد ما نأكله ، وقد نام الصغار أمس باكين ، يتضورون جوعا .. الموت أهون عندي من أن أسمع أحد صغاري يقول " بابا .. جوعان " والدموع تترقرق في عينيه ..!!
حسبل أبو سمير .. وحوقل .. واستغفر .. ورجَّع .. ثم أدخل يده في الكيس الذي يحمله ، فاستخرج منه كسرات من الخبز اليابس ، الذي ضربه العفن .. فأفردها على حجر من بقايا " الرصيف " ... فقسمها نصفين .. وقال : خذ يا أبا أحمد ، فأطعم الصغار .. فطعام الواحد يكفي الاثنين ..
================
[size=undefined]
شرح المفردات :
حسبل : قال " حسبي الله ونعم الوكيل "
حوقل : قال " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "
رجَّعَ : قال : " إنا لله وإنا إليه راجعون "
[/size]
عدل سابقا من قبل أبو ياسر السوري في الخميس نوفمبر 07, 2013 11:21 pm عدل 2 مرات