مقالة :: حقيقة الموقف التركي و كيفية تغييره تاريخ 6-7-2011 ::
ورد في الاخبار أن وزير الخارجية التركي داود أوغلو سوف يقوم بجولة تشمل سوريا و إيران و السعودية. هذا يعني أنه سوف يصافح بشار الاسد و باقي المجرمين في نظام الاسد و يبتسم في وجوههم الشلحة.
إن السياسي الذي يصافح سياسي آخر يده ملطخة بالدماء يفقد احترام الشرفاء و يتبين ب...انه دبلوماسي انتهازي و ليس انساناً محترماً... ويصبح شريكاً للمجرم الذي يصافحه لانه يعطيه الشرعية.
عندما قتلت عصابة القاعدة ٢٩٠٠ مواطن أمريكي لم يكن داود أوغلو ليجرؤ على ان يصافح بن لادن أو أي عنصر في القاعدة. فلماذا هذا الاستهتار و اللامبالاة من قبل تركيا بالدم السوري؟؟؟
و اذا كانت أمريكا قد بررت لنفسها غزو أفغانستان و العراق بسبب أن عصابة القاعدة قتلت٢٩٠٠ أمريكي، فإننا إذا استعملنا نفس المنطق فإنه يحق للشعب السوري أن يعادي الدول التي تساعد عصابة بشار الاسد و تدعمها شرعياً لاستمرار قتل الشعب السوري.
في الحقيقة لم تكن تركيا و لا أي دولة أخري في العالم ترغب في ان تحدث ثورة في سوريا لاسباب كثيرة. تركيا كانت تتمنى و لا تزال استمرار حكم الاسد الضعيف الى الأبد. و التفسير لهذا التباطؤ في التحرك التركي لاتخاذ موقف واضح من المجازر في سوريا و من النظام السوري هو بسبب النظرة السابقة التي تكنها تركيا لسوريا.
تركيا تعتبر سوريا دولة صغيرة فقيرة، و لكن فيها العدد الكبير من السكان و بعض الإمكانيات.
تركيا تريد ان تبقى سوريا عبارة عن سوق لتصريف المنتجات التركية، حتى تُبقي على تبعية سوريا الاقتصادية لتركيا، و إغراق السوق السوري بالبضائع التركية لقتل أي روح تطور عند السوريين، لهذا نرى التحالف فيما بين تركيا و بعض النخبة من التجار الدمشقيين و الحلبيين، و هذا يقتل الصناعة السورية المحلية لمصلحة الجشعين.
تركيا تريد لسوريا ان تكون دويلة خاضعه لها تحت جناحها من الناحية السياسية و الاقتصادية و تأتمر بأمرها و تستعملها كورقة.
تركيا تريد ان تصبح المركز الاول لسياحة السوريين حتى تشلحهم ما في جيوبهم، ثم يعودون لسوريا ليحضروا المزيد.
و لا بأس أيضاً بان يدرس الطلبة السوريين في تركيا، لان هذا يرفع من قيمة تركيا العلمية و الاقتصادية أيضاً.
أعتقد ان تركيا لا ترغب بوجود دولة سورية قوية ديمقراطية حرة منظمة و حديثة على حدودها. لان هذا سوف ينافسها على مركزها في المنطقة في كل المجالات، مركزها الاقتصادي و التجاري و العلمي و السياسي.
و لان احتمال تكامل مستقبلي سوري عراقي لبناني اردني يشكل خطراً استراتيجياً على تركيا و ايران و اسرائيل و يشكل تحدياً للنظرة التاريخية العنصرية و العدوانية الموجودة في مركز الوعي و اللاوعي الدماغي في العقلية السائدة لدول إيران و تركيا و اسرائيل. و لذلك هذه الزيارة لاوغلو لهذه الدول. برأيي هذه الزيارة هي للتآمر على الثورة السورية و لحشد الدعم للأسد و اعادة استصلاحه. تركيا كانت تدعم بشار الاسد لعشر سنين و لاتزال تدعمه حتى اللحظة.
لقد قال أردوغان خلال الاشهر الماضية كلاماً أعجب السوريين فأخذوه على محمل الجد و لكن أردوغان لم يطبق منه شيئاً. مثلاً لقد تبجح أردوغان و قال ان مايحدث في سوريا هو شأن داخلي تركي، فقام بشار الاسد وقتل الآلاف من السوريين المسالمين و سجن عشرات الآلاف و هجر عشرات الألاف و لم نرَ أردوغان العظيم يفعل شيئاً.
ثم تبجح أردوغان ثانية و قال بانه لن يسمح بمجزرة حماة ثانية و لن يسمح بمجزرة جسر شغور ثانية كالتي حدثت في الثمانينات. و بعد أسبوعين فقط قام بشار الاسد بعملية عسكرية في إدلب و جسر الشغور فاقت في وحشيتها ما فعله حافظ الاسد في الشغور في الثمانينات، من ناحية عدد الشهداء السوريين في تلك المنطقة، وقام الجيش السوري و الأمن و الشبيحة بتمشيط القرى الحدودية المجاورة لتركيا و ارتكب الفظائع التي نعرف بعضها فقط و لم يحرك اردوغان شيئاً. و أُذكّر السوريين بانه لم يهاجر خمس عشر الف سوري الى تركيا في مجزرة الثمانينات، و لم يحدث كل هذا في جسر الشغور في الثمانينات، و الان يدخل الجيش السوري و الامن و الشبيحة الى مدينة حماة ليكرروا مافعلوه في درعا و حمص و تلكلخ و بانياس و ادلب و جسر الشغور و غيرها، و لا أظن أن أردوغان سوف يفعل شيئاً حقيقياً للضغط على سوريا، غير الكلام الرخيص، و تكرار نفس الشجب و الادانات التي لاتسمن و لاتغني من جوع. فأين أقوال أردوغان من أفعاله الحقيقية على أرض الواقع. هذا يدل على ان ما يقوله اردوغان هو مواقف مسرحية لا أكثر لكسب شعبية لتركيا في سوريا و في العالم العربي. تماماً كالحركة المسرحية التي فعلها أثناء حرب غزة، ظنها الشعب العربي الطيب و البسيط انه فعلها لسواد عيون العرب، و هي في حقيقتها إثبات موجودية لاشعار اسرائيل و إيران بان هناك دولة عظمى أخرى في الشرق الاوسط ينبغي ان يحسب حسابها أيضاً.
و شاهدنا منذ اسبوعين ان القادة الاتراك قاموا بمصافحة المبعوث السوري لتركيا اللواء حسن تركماني في الوقت الذي كان فيه خمس عشر الف سوري مهجر في تركيا في الخيام.
و الان يريد أوغلو أن يزور سوريا ليصافح أيد بشار الاسد و عصابته الملطخة بدماء السوريين، لعمري إن هذا غير مقبول أبداً. تركيا تحاول اعادة استصلاح بشار الاسد مجدداً حتى تستمر مكاسبها السابقة كما كانت. و ليس لديها مانع في ان يكون بشار الاسد أضعف من السابق لان هذا يزيد من سيطرتها عليه و على نظامه و يزيد من مكاسبها في سوريا، لأن الاسد و نظامه يصبح مديناً لها ببقائه. إن الحقيقة التي لا يريد السوريون الاعتراف بها هي أن تركيا متواطئة ضد الشعب السوري بالتعاون مع إيران و إسرائيل و الدول الكبرى و بعض الدول العربية باستثناء قطر و البرلمان الكويتي. و ليعلم السوريون أنهم و الله أضيعُ من الأيتام في مأدبة اللئام. اللئام خارج سوريا من هذه الدول المنافقة و اللئام داخل سوريا من عصابة الاسد و كلابه المسعورة و من المنافقين في الداخل الذين يستجدون الحوار مع النظام لإجهاض الثورة.
بصراحة أنا لم أرَ من داعٍ لرفع العلم التركي في المظاهرات في السابق. أما الان فانه ليس من الحكمة رفع أي علم غير العلم السوري اطلاقاً و خاصة العلم التركي. إن رفع العلم التركي قد أعطى الحكومة التركية إحساساً بالامان بان الشعب السوري راضٍ عن الموقف التركي البائس حتى الان على أحسن التقادير، فأصبح همّ الاتراك الوحيد الان هو خطب ود نظام الاسد بعد أن اطمأنوا الى موقف الشعب السوري منهم، و أنه قد تم خداع الشعب السوري.
يقول البعض ان تركيا قد ساعدت السوريين لانها زودت اللاجئين السوريين الى تركيا بالخيام. أقول ان مساعدة اللاجئين من الحروب هو واجب دولي تحتمه القوانين الدولية، و ليس به منة لأحدٍ على أحد. و هاهم اللاجؤون السوريون في تركيا يعلنون إضرابهم عن الطعام احتجاجاً على سوء أوضاعهم المعاشية و الطبية. ثم ان تركيا لم تسمح لوسائل الاعلام بمقابلتهم حتى لا تنكشف للعالم كل جرائم نظام الاسد. أعتقد أن تضييق تركيا على اللاجئين السوريين متقصد، غايته إجبارهم على أن يختاروا بأنفسهم العودة الى سوريا، و هكذا تستطيع تركيا الخروج من هذا المأزق الاخلاقي الذي أجبرت عليه بوجود المهجرين السوريين في أراضيها، و هي ان نجحت في جعل المهاجرين السوريين يختارون العودة طوعاً الى سوريا تكون بذلك قد خففت من الضغط الدولي عن نظام صديقها بشار الاسد.
ثم ان سوريا على صغر مساحتها و قلة ذات اليد قد احتضنت في السابق و اللاحق الملايين من اللاجئين من الأرمن والشركس و الألبان و الفلسطينيين و اللبنانيين و العراقيين، و عملهم الشعب تلسوري منذ اللحظة الاولى كمواطنين ،لا بل إن الكثيرين من هؤلاء اللاجئين قد حصلوا على الجنسية السورية و تبوؤا مناصب عالية في الدولة.
و اذا كنت قد نسيت أفضالاً أخرى لتركيا على الشعب السوري أو لم أسمع بها فأرجوا تذكيري.
و أنا لا أعتبر السماح بانعقاد مؤتمري اسطنبول و أنطاليا فضلاً، لان أي دولة ديمقراطية لا تتدخل في تجمعات الافراد السلمية، و كان من الممكن انعقادهما في أي دولة أوربية. ثم انه كان في انعقادهما فائدة إقتصادية و سياسية لتركيا، و ربما أيضاً أرادت تركيا استعمالهما كورقة ضاغطة على نظام الاسد لابتزاز بعض التنازلات، فالدول مصالح فقط لاغير و لا مكان للاخلاق و القيم و سواد العيون في حسابات الدول.
و أنا بصراحة لا أرى أن تركيا قد فعلت أي شئ كبير لدعم الشعب السوري.
أما ما هو المتوقع و المطلوب من أردوغان و تركيا فهو أن على تركيا أن تسقط الشرعية الدولية عن بشار الاسد و نظامه. أن تقول علناً أن الاسد هو رئيس غير شرعي و متهم بجرائم ضد الانسانية و توقف كل أشكال التعامل الدبلوماسي مع نظامه. هذا الموقف من تركيا قد يشجع باق الدول على ان تحذو حذوها.
و لكن الشئ الوحيد المؤكد في الوقت الحالي هو ان تركيا لن تنفذ أي شئ من هذه المطالب و ذلك لنفس السبب الذي يعلمه الجميع و هو ان الدول و الحكومات هي مصالح فقط (بما فيها تركيا و أردوغان، و ان كان البعض لسبب لا أعلمه يتوقع غير ذلك)، و ان الدول و الحكومات ليست جمعيات خيرية تبحث ليل نهار عن سبل تقديم العون و بذل الخير للمحتاجين من دون مقابل. و ببساطة في الوقت الحالي تعتبر تركيا أن مصلحتها مع نظام الاسد.
إن إرسال الرسائل للمسؤولين الاتراك و باق الحكومات و لقاء موفدين من المعارضة مع هذه الحكومات مهم من حيث أنه يعطي السياسيين فكرة عن توجه الرأي العام السوري، و لكن هذا لايكفي. الكل يعلم بأن السياسيين بعد ان يتم انتخابهم لمنصبهم لا يبالوا حتى بالذين صوتوا لهم و أوصلوهم لمراكزهم من مواطنيهم، هم قطعاً لن يبالوا كثيراً برأي مواطنين في دول أخرى.
الحكومات لا تتحرك الا اذا كان لها مصلحة. الدول لا تحترم الا الاقوياء و لا تحترم الضعفاء و السذج. و لذلك على السوريين أن يفكروا بمصادر القوة لديهم التي تستطيع إقناع تركيا بتنفيذ مايريده الشعب السوري.
و لذلك فانني أقترح مثلاً:
- أن تبدأ المظاهرات في سوريا بحمل لافتات و شعارات تدعو الشعب السوري و الشعوب العربية و من يتعاطف معنا من شعوب العالم بالتلويح لتركيا بان هناك امكانية و احتمال مقاطعة البضائع التركية من الان و حتى إشعار آخر، اذا لم تستجب تركيا لمطالب الشعب السوري.
- التلويح بامكانية اطلاق حملة عربية و عالمية للترويج لمقاطعة السياحة في تركيا مالم تعلن تركيا سقوط شرعية الاسد و نظامه و تتوقف تركيا عن دعمها لنظام الاسد.
و في حال لم تتم الاستجابة يتم الترويج لحملات المقاطعة عن طريق الفيسبوك و غيرها من وسائل الاعلام و التواصل، و بشكل مستمر و مكثف و يومي.
- التلويح بامكانية مقاطعة كل تاجر يتعامل مع تركيا ما دامت تركيا تمشي بسياسة ضد الشعب السوري و التواطؤ مع نظام الاسد.
- اعلام تركيا بانه اذا انتصرت الثورة فلن يكون لها أي دور اقتصادي في سوريا المستقبلية مالم تتحرك الان.
و ان تعطى تركيا مدة اسبوع أو اثنان للاستجابة لهذه المطالب.
- و طبعاً يجب أن يختفي العلم التركي من المظاهرات السورية و الى الأبد. لان الذي يحرر سوريا هو الشعب السوري البطل و ليس تركيا و لا أردوغان الذين يعملون لمصلحتهم فقط. على الشعب السوري أن يفخر بنفسه، و لسنا بحاجة الى عقد النقص تجاه تركيا أو الخواجات، فما فعله السوريون منذ ١٥ آذار حتى الان لم تفعله أمة في التاريخ، و لا تركيا و لا غيرها، و حُقّ للشعب السوري أن يطأ بأخمصه الثريا.
ان حياة انسان سوري واحد يجب أن تكون عند أي سوري أفضل من تركيا كلها، لا بل هي أشرف من الكعبة نفسها. و لا أدري مصدر هذا الحب من طرف واحد الذي يحمله البعض لتركيا. لا يبدو ان هذا الحب متبادل على الاطلاق.
أنا لا أدعو الى معاداة أي دولة مجاورة أو بعيدة ، و ينبغي حفظ علاقات مودة و احترام منبادل و حسن جوار مع الجميع، و لكن بالنسبة للسوريين ينبغي أن تكون مصلحة سوريا هي في المقام الاول. لقد قطعت تركيا مياه الفرات و دجلة عن سوريا و العراق حتى تبني سدودها و بكل أنانية، و لم يهمها لا علاقات جوار و لا روابط تاريخية و لا حياة بشر و لا دواب. و لقد شفطت تركيا من سوريا كيليكيا و لواء اسكندرون و لم يهمها شئ.
آن الأوان أن يستفيق الشعب السوري الى مصالحه الحقيقية. ليس هناك أي مبرر لاستمرار تركيا في دعمها لعصابة تقتل الشعب السوري بدون مسائلة، و ليس هناك مبرر لاستمرار تركيا في تمسكها بشرعية الاسد و دعمها لنظامه و لمشاريعه الإصلاحية الوهمية. على تركيا أن تختار بين أن تكون صديقة للشعب السوري أو صديقة لقتلة الشعب السوري، و أن تبرهن على صداقتها بالأفعال و ليس بمعسول الكلام و النفاق من الأقوال.
لمن ينتظر موقفاً قوياً حقيقياً من تركيا بدون ضغط قوي يطبقه الشعب السوري عليها أعتقد أنه سوف يطول انتظاره كثيراً. لم تعترف تركيا بالمجلس الانتقالي الليبي حتى البارحة، رغم ان القاصي و الداني يعلم بان القذافي قد انتهى، و رغم البعد الجغرافي بين ليبيا و تركيا و ليس باستطاعة القذافي ان يؤثر كثيراً على تركيا. اذا تُرِكت تركيا بدون ضغط فلربما تعترف بسقوط بشار الاسد بعد أن يسقط بسنة كاملة و بعد أن يصبح في قفص الاتهام في لاهاي.
طبعاً للسياسيين حساباتهم الخاصة، و لكنها كثيراً ما تكون خاطئة. و كما يقول المثل : إن حساب الكرايا لن ينطبق على حساب السرايا، فهذا الشعب السوري البطل قد خرجت ملايينه لمقارعة الظلم و القهر و الاستعباد، هذه الملايين لن تعود الى بيوتها بدون نصر أو شهادة، وعلى تركيا و غيرها أن يعلموا هذا.
و سوف يثبت الشعب السوري لكل هؤلاء السياسيين كم هم قاصروا النظر و أغبياء...
و ليعلم السوريون انه ليس لهم الا الله و عزيمتهم التي تفل الحديد.
و إن موعدهم الصبح... أليس الصبح بقريب...
د. بشار لطفي
طبيب اعصاب
أمريكا
ورد في الاخبار أن وزير الخارجية التركي داود أوغلو سوف يقوم بجولة تشمل سوريا و إيران و السعودية. هذا يعني أنه سوف يصافح بشار الاسد و باقي المجرمين في نظام الاسد و يبتسم في وجوههم الشلحة.
إن السياسي الذي يصافح سياسي آخر يده ملطخة بالدماء يفقد احترام الشرفاء و يتبين ب...انه دبلوماسي انتهازي و ليس انساناً محترماً... ويصبح شريكاً للمجرم الذي يصافحه لانه يعطيه الشرعية.
عندما قتلت عصابة القاعدة ٢٩٠٠ مواطن أمريكي لم يكن داود أوغلو ليجرؤ على ان يصافح بن لادن أو أي عنصر في القاعدة. فلماذا هذا الاستهتار و اللامبالاة من قبل تركيا بالدم السوري؟؟؟
و اذا كانت أمريكا قد بررت لنفسها غزو أفغانستان و العراق بسبب أن عصابة القاعدة قتلت٢٩٠٠ أمريكي، فإننا إذا استعملنا نفس المنطق فإنه يحق للشعب السوري أن يعادي الدول التي تساعد عصابة بشار الاسد و تدعمها شرعياً لاستمرار قتل الشعب السوري.
في الحقيقة لم تكن تركيا و لا أي دولة أخري في العالم ترغب في ان تحدث ثورة في سوريا لاسباب كثيرة. تركيا كانت تتمنى و لا تزال استمرار حكم الاسد الضعيف الى الأبد. و التفسير لهذا التباطؤ في التحرك التركي لاتخاذ موقف واضح من المجازر في سوريا و من النظام السوري هو بسبب النظرة السابقة التي تكنها تركيا لسوريا.
تركيا تعتبر سوريا دولة صغيرة فقيرة، و لكن فيها العدد الكبير من السكان و بعض الإمكانيات.
تركيا تريد ان تبقى سوريا عبارة عن سوق لتصريف المنتجات التركية، حتى تُبقي على تبعية سوريا الاقتصادية لتركيا، و إغراق السوق السوري بالبضائع التركية لقتل أي روح تطور عند السوريين، لهذا نرى التحالف فيما بين تركيا و بعض النخبة من التجار الدمشقيين و الحلبيين، و هذا يقتل الصناعة السورية المحلية لمصلحة الجشعين.
تركيا تريد لسوريا ان تكون دويلة خاضعه لها تحت جناحها من الناحية السياسية و الاقتصادية و تأتمر بأمرها و تستعملها كورقة.
تركيا تريد ان تصبح المركز الاول لسياحة السوريين حتى تشلحهم ما في جيوبهم، ثم يعودون لسوريا ليحضروا المزيد.
و لا بأس أيضاً بان يدرس الطلبة السوريين في تركيا، لان هذا يرفع من قيمة تركيا العلمية و الاقتصادية أيضاً.
أعتقد ان تركيا لا ترغب بوجود دولة سورية قوية ديمقراطية حرة منظمة و حديثة على حدودها. لان هذا سوف ينافسها على مركزها في المنطقة في كل المجالات، مركزها الاقتصادي و التجاري و العلمي و السياسي.
و لان احتمال تكامل مستقبلي سوري عراقي لبناني اردني يشكل خطراً استراتيجياً على تركيا و ايران و اسرائيل و يشكل تحدياً للنظرة التاريخية العنصرية و العدوانية الموجودة في مركز الوعي و اللاوعي الدماغي في العقلية السائدة لدول إيران و تركيا و اسرائيل. و لذلك هذه الزيارة لاوغلو لهذه الدول. برأيي هذه الزيارة هي للتآمر على الثورة السورية و لحشد الدعم للأسد و اعادة استصلاحه. تركيا كانت تدعم بشار الاسد لعشر سنين و لاتزال تدعمه حتى اللحظة.
لقد قال أردوغان خلال الاشهر الماضية كلاماً أعجب السوريين فأخذوه على محمل الجد و لكن أردوغان لم يطبق منه شيئاً. مثلاً لقد تبجح أردوغان و قال ان مايحدث في سوريا هو شأن داخلي تركي، فقام بشار الاسد وقتل الآلاف من السوريين المسالمين و سجن عشرات الآلاف و هجر عشرات الألاف و لم نرَ أردوغان العظيم يفعل شيئاً.
ثم تبجح أردوغان ثانية و قال بانه لن يسمح بمجزرة حماة ثانية و لن يسمح بمجزرة جسر شغور ثانية كالتي حدثت في الثمانينات. و بعد أسبوعين فقط قام بشار الاسد بعملية عسكرية في إدلب و جسر الشغور فاقت في وحشيتها ما فعله حافظ الاسد في الشغور في الثمانينات، من ناحية عدد الشهداء السوريين في تلك المنطقة، وقام الجيش السوري و الأمن و الشبيحة بتمشيط القرى الحدودية المجاورة لتركيا و ارتكب الفظائع التي نعرف بعضها فقط و لم يحرك اردوغان شيئاً. و أُذكّر السوريين بانه لم يهاجر خمس عشر الف سوري الى تركيا في مجزرة الثمانينات، و لم يحدث كل هذا في جسر الشغور في الثمانينات، و الان يدخل الجيش السوري و الامن و الشبيحة الى مدينة حماة ليكرروا مافعلوه في درعا و حمص و تلكلخ و بانياس و ادلب و جسر الشغور و غيرها، و لا أظن أن أردوغان سوف يفعل شيئاً حقيقياً للضغط على سوريا، غير الكلام الرخيص، و تكرار نفس الشجب و الادانات التي لاتسمن و لاتغني من جوع. فأين أقوال أردوغان من أفعاله الحقيقية على أرض الواقع. هذا يدل على ان ما يقوله اردوغان هو مواقف مسرحية لا أكثر لكسب شعبية لتركيا في سوريا و في العالم العربي. تماماً كالحركة المسرحية التي فعلها أثناء حرب غزة، ظنها الشعب العربي الطيب و البسيط انه فعلها لسواد عيون العرب، و هي في حقيقتها إثبات موجودية لاشعار اسرائيل و إيران بان هناك دولة عظمى أخرى في الشرق الاوسط ينبغي ان يحسب حسابها أيضاً.
و شاهدنا منذ اسبوعين ان القادة الاتراك قاموا بمصافحة المبعوث السوري لتركيا اللواء حسن تركماني في الوقت الذي كان فيه خمس عشر الف سوري مهجر في تركيا في الخيام.
و الان يريد أوغلو أن يزور سوريا ليصافح أيد بشار الاسد و عصابته الملطخة بدماء السوريين، لعمري إن هذا غير مقبول أبداً. تركيا تحاول اعادة استصلاح بشار الاسد مجدداً حتى تستمر مكاسبها السابقة كما كانت. و ليس لديها مانع في ان يكون بشار الاسد أضعف من السابق لان هذا يزيد من سيطرتها عليه و على نظامه و يزيد من مكاسبها في سوريا، لأن الاسد و نظامه يصبح مديناً لها ببقائه. إن الحقيقة التي لا يريد السوريون الاعتراف بها هي أن تركيا متواطئة ضد الشعب السوري بالتعاون مع إيران و إسرائيل و الدول الكبرى و بعض الدول العربية باستثناء قطر و البرلمان الكويتي. و ليعلم السوريون أنهم و الله أضيعُ من الأيتام في مأدبة اللئام. اللئام خارج سوريا من هذه الدول المنافقة و اللئام داخل سوريا من عصابة الاسد و كلابه المسعورة و من المنافقين في الداخل الذين يستجدون الحوار مع النظام لإجهاض الثورة.
بصراحة أنا لم أرَ من داعٍ لرفع العلم التركي في المظاهرات في السابق. أما الان فانه ليس من الحكمة رفع أي علم غير العلم السوري اطلاقاً و خاصة العلم التركي. إن رفع العلم التركي قد أعطى الحكومة التركية إحساساً بالامان بان الشعب السوري راضٍ عن الموقف التركي البائس حتى الان على أحسن التقادير، فأصبح همّ الاتراك الوحيد الان هو خطب ود نظام الاسد بعد أن اطمأنوا الى موقف الشعب السوري منهم، و أنه قد تم خداع الشعب السوري.
يقول البعض ان تركيا قد ساعدت السوريين لانها زودت اللاجئين السوريين الى تركيا بالخيام. أقول ان مساعدة اللاجئين من الحروب هو واجب دولي تحتمه القوانين الدولية، و ليس به منة لأحدٍ على أحد. و هاهم اللاجؤون السوريون في تركيا يعلنون إضرابهم عن الطعام احتجاجاً على سوء أوضاعهم المعاشية و الطبية. ثم ان تركيا لم تسمح لوسائل الاعلام بمقابلتهم حتى لا تنكشف للعالم كل جرائم نظام الاسد. أعتقد أن تضييق تركيا على اللاجئين السوريين متقصد، غايته إجبارهم على أن يختاروا بأنفسهم العودة الى سوريا، و هكذا تستطيع تركيا الخروج من هذا المأزق الاخلاقي الذي أجبرت عليه بوجود المهجرين السوريين في أراضيها، و هي ان نجحت في جعل المهاجرين السوريين يختارون العودة طوعاً الى سوريا تكون بذلك قد خففت من الضغط الدولي عن نظام صديقها بشار الاسد.
ثم ان سوريا على صغر مساحتها و قلة ذات اليد قد احتضنت في السابق و اللاحق الملايين من اللاجئين من الأرمن والشركس و الألبان و الفلسطينيين و اللبنانيين و العراقيين، و عملهم الشعب تلسوري منذ اللحظة الاولى كمواطنين ،لا بل إن الكثيرين من هؤلاء اللاجئين قد حصلوا على الجنسية السورية و تبوؤا مناصب عالية في الدولة.
و اذا كنت قد نسيت أفضالاً أخرى لتركيا على الشعب السوري أو لم أسمع بها فأرجوا تذكيري.
و أنا لا أعتبر السماح بانعقاد مؤتمري اسطنبول و أنطاليا فضلاً، لان أي دولة ديمقراطية لا تتدخل في تجمعات الافراد السلمية، و كان من الممكن انعقادهما في أي دولة أوربية. ثم انه كان في انعقادهما فائدة إقتصادية و سياسية لتركيا، و ربما أيضاً أرادت تركيا استعمالهما كورقة ضاغطة على نظام الاسد لابتزاز بعض التنازلات، فالدول مصالح فقط لاغير و لا مكان للاخلاق و القيم و سواد العيون في حسابات الدول.
و أنا بصراحة لا أرى أن تركيا قد فعلت أي شئ كبير لدعم الشعب السوري.
أما ما هو المتوقع و المطلوب من أردوغان و تركيا فهو أن على تركيا أن تسقط الشرعية الدولية عن بشار الاسد و نظامه. أن تقول علناً أن الاسد هو رئيس غير شرعي و متهم بجرائم ضد الانسانية و توقف كل أشكال التعامل الدبلوماسي مع نظامه. هذا الموقف من تركيا قد يشجع باق الدول على ان تحذو حذوها.
و لكن الشئ الوحيد المؤكد في الوقت الحالي هو ان تركيا لن تنفذ أي شئ من هذه المطالب و ذلك لنفس السبب الذي يعلمه الجميع و هو ان الدول و الحكومات هي مصالح فقط (بما فيها تركيا و أردوغان، و ان كان البعض لسبب لا أعلمه يتوقع غير ذلك)، و ان الدول و الحكومات ليست جمعيات خيرية تبحث ليل نهار عن سبل تقديم العون و بذل الخير للمحتاجين من دون مقابل. و ببساطة في الوقت الحالي تعتبر تركيا أن مصلحتها مع نظام الاسد.
إن إرسال الرسائل للمسؤولين الاتراك و باق الحكومات و لقاء موفدين من المعارضة مع هذه الحكومات مهم من حيث أنه يعطي السياسيين فكرة عن توجه الرأي العام السوري، و لكن هذا لايكفي. الكل يعلم بأن السياسيين بعد ان يتم انتخابهم لمنصبهم لا يبالوا حتى بالذين صوتوا لهم و أوصلوهم لمراكزهم من مواطنيهم، هم قطعاً لن يبالوا كثيراً برأي مواطنين في دول أخرى.
الحكومات لا تتحرك الا اذا كان لها مصلحة. الدول لا تحترم الا الاقوياء و لا تحترم الضعفاء و السذج. و لذلك على السوريين أن يفكروا بمصادر القوة لديهم التي تستطيع إقناع تركيا بتنفيذ مايريده الشعب السوري.
و لذلك فانني أقترح مثلاً:
- أن تبدأ المظاهرات في سوريا بحمل لافتات و شعارات تدعو الشعب السوري و الشعوب العربية و من يتعاطف معنا من شعوب العالم بالتلويح لتركيا بان هناك امكانية و احتمال مقاطعة البضائع التركية من الان و حتى إشعار آخر، اذا لم تستجب تركيا لمطالب الشعب السوري.
- التلويح بامكانية اطلاق حملة عربية و عالمية للترويج لمقاطعة السياحة في تركيا مالم تعلن تركيا سقوط شرعية الاسد و نظامه و تتوقف تركيا عن دعمها لنظام الاسد.
و في حال لم تتم الاستجابة يتم الترويج لحملات المقاطعة عن طريق الفيسبوك و غيرها من وسائل الاعلام و التواصل، و بشكل مستمر و مكثف و يومي.
- التلويح بامكانية مقاطعة كل تاجر يتعامل مع تركيا ما دامت تركيا تمشي بسياسة ضد الشعب السوري و التواطؤ مع نظام الاسد.
- اعلام تركيا بانه اذا انتصرت الثورة فلن يكون لها أي دور اقتصادي في سوريا المستقبلية مالم تتحرك الان.
و ان تعطى تركيا مدة اسبوع أو اثنان للاستجابة لهذه المطالب.
- و طبعاً يجب أن يختفي العلم التركي من المظاهرات السورية و الى الأبد. لان الذي يحرر سوريا هو الشعب السوري البطل و ليس تركيا و لا أردوغان الذين يعملون لمصلحتهم فقط. على الشعب السوري أن يفخر بنفسه، و لسنا بحاجة الى عقد النقص تجاه تركيا أو الخواجات، فما فعله السوريون منذ ١٥ آذار حتى الان لم تفعله أمة في التاريخ، و لا تركيا و لا غيرها، و حُقّ للشعب السوري أن يطأ بأخمصه الثريا.
ان حياة انسان سوري واحد يجب أن تكون عند أي سوري أفضل من تركيا كلها، لا بل هي أشرف من الكعبة نفسها. و لا أدري مصدر هذا الحب من طرف واحد الذي يحمله البعض لتركيا. لا يبدو ان هذا الحب متبادل على الاطلاق.
أنا لا أدعو الى معاداة أي دولة مجاورة أو بعيدة ، و ينبغي حفظ علاقات مودة و احترام منبادل و حسن جوار مع الجميع، و لكن بالنسبة للسوريين ينبغي أن تكون مصلحة سوريا هي في المقام الاول. لقد قطعت تركيا مياه الفرات و دجلة عن سوريا و العراق حتى تبني سدودها و بكل أنانية، و لم يهمها لا علاقات جوار و لا روابط تاريخية و لا حياة بشر و لا دواب. و لقد شفطت تركيا من سوريا كيليكيا و لواء اسكندرون و لم يهمها شئ.
آن الأوان أن يستفيق الشعب السوري الى مصالحه الحقيقية. ليس هناك أي مبرر لاستمرار تركيا في دعمها لعصابة تقتل الشعب السوري بدون مسائلة، و ليس هناك مبرر لاستمرار تركيا في تمسكها بشرعية الاسد و دعمها لنظامه و لمشاريعه الإصلاحية الوهمية. على تركيا أن تختار بين أن تكون صديقة للشعب السوري أو صديقة لقتلة الشعب السوري، و أن تبرهن على صداقتها بالأفعال و ليس بمعسول الكلام و النفاق من الأقوال.
لمن ينتظر موقفاً قوياً حقيقياً من تركيا بدون ضغط قوي يطبقه الشعب السوري عليها أعتقد أنه سوف يطول انتظاره كثيراً. لم تعترف تركيا بالمجلس الانتقالي الليبي حتى البارحة، رغم ان القاصي و الداني يعلم بان القذافي قد انتهى، و رغم البعد الجغرافي بين ليبيا و تركيا و ليس باستطاعة القذافي ان يؤثر كثيراً على تركيا. اذا تُرِكت تركيا بدون ضغط فلربما تعترف بسقوط بشار الاسد بعد أن يسقط بسنة كاملة و بعد أن يصبح في قفص الاتهام في لاهاي.
طبعاً للسياسيين حساباتهم الخاصة، و لكنها كثيراً ما تكون خاطئة. و كما يقول المثل : إن حساب الكرايا لن ينطبق على حساب السرايا، فهذا الشعب السوري البطل قد خرجت ملايينه لمقارعة الظلم و القهر و الاستعباد، هذه الملايين لن تعود الى بيوتها بدون نصر أو شهادة، وعلى تركيا و غيرها أن يعلموا هذا.
و سوف يثبت الشعب السوري لكل هؤلاء السياسيين كم هم قاصروا النظر و أغبياء...
و ليعلم السوريون انه ليس لهم الا الله و عزيمتهم التي تفل الحديد.
و إن موعدهم الصبح... أليس الصبح بقريب...
د. بشار لطفي
طبيب اعصاب
أمريكا