عمر الحكيم مشروع الامة /1/
لقد طالت مقدمات الربيع السوري واستهلكت من المواطن والوطن السوري رحيق عمره واستنفذت جل طاقاته وغرست مفاهيم جديدة لم تكن يوما في تصور هذا الشعب لما يحلم به من مستقبل .. فيما مضى وقبل بدايات الثورة السورية كنت اعتقد ان حكم الاستبداد في سوريا هو وحش من ورق وبناؤه بناء من ملح وانه سينهار مع اول نسمة ريح تحمل بين طياتها ملامح الحرية . لكن سرعان ما تبخر هذا الاعتقاد ليس لكون نظام الاحتلال الطائفي لبلادنا قويا او صلبا وانما لعدم ادراكي لمدى الضرر والتلف الذي احدثه فينا هذا الاحتلال .
النظام الاسدي هو بالفعل وحش من ورق يمارس سلطانه على ظل باهت لشعب ادمن الاستبداد واستمرء الخنوع واعتاد السخرة وما افراط الاسد وجماعته في الجريمة الا نتيجة ذهول وعدم ايقان بأن هذا الشعب طرح جانبا ادمانه وخنوعه وهجر حياة القبور. فعندما تغيرت مواصفات الشعب المحكوم بنير الاستبداد اصبح عصيا على الفهم من قبل حاكمه المجرم الذي اعتمد الافراط الاعمى في الجريمة كوسيلة علاج لداء التطلع الى الحرية .
لقد وقع الشعب السوري بين مطرقة نظام فاسد ومجرم ليست لديه اية محرمات وسندان نخب معارضة لاتملك ماتقدمه لهذا الشعب سوى البيانات الفارغة وشبهات الفساد ومشاريع سياسية فضفاضة . على الدوام كانت هذه النخب تذهلنا بتبعثرها واستهلاكها لوقت يذبحنا من الوريد الى الوريد .
الفرنسيون احتاجوا الى قرابة الثمانية عشر عاما حتى استطاعوا بلورة مشروع نهضتهم وتجاوز ازمات ثورتهم  ولكن كان ذلك في ظل زمن لايختصر الوقت ويفتقد الى التجربة المقارنة  في حين ان ثورة شعبنا تحدث الان في ظل عصر السرعة المتناهية للمعلومة والذي يضع كل تجارب الاخرين بين يديك بكبسة زر  ومع ذلك نحن نسير بثورتنا بسرعة قرون مضت مع حذف كل تجارب الاخرين من قاموسنا فنحن نصر على استهلاك طاقات ثورتنا في تجارب سبقنا اليها غيرنا واستخلص عبرها ولا مبرر سياسي واخلاقي لاعادة تكرار تجارب الاخرين .
ان الاصرار على رفع شعار اسقاط الاسد دون تقديم البديل السياسي لمنظومة حكم الاسد يجعل المواطن والوطن السوري في متاهة التخمينات الامر الذي سيعيق بالضرورة اسقاط الاسد وسيدعم حججه للبقاء وسيرفع من تكاليف اسقاطه ويطيل عمره الى مدى غير منظور وهنا تبرز حاجة قوى الثورة لتقديم مشروع الثورة بمبادئ عامة يجد فيها كل سوري مصلحة له فيها وبغض النظر عن دين هذا السوري او عرقه او انتماءه .
الان ويعد قرابة ال30شهر من عمر الثورة وفي ظل غياب منهجية العمل الثوري في الاتجاهين اسقاط الاسد عسكريا وتقديم المشروع السياسي ووضوح بعض المسلمات التي من العبث تجاهلها ومنها سراب دعم الاخرين لثورتنا او مد يد العون لها لانتفاء المصلحة وسراب امكانية اسقاط الاسد دون تغيير جذري في طريقة فهمنا لاسلوب العمل العسكري الذي يوصلنا الى اسقاط الاسد ومنظومة حكمه وسراب اننا يمكن ان نحقق النصر باتباع اسلوب عمل سياسي وعسكري استعملناه خلال الفترة المنقضية من عمر الثورة وثبت فشله وغيرها الكثير من المراهنات الساقطة حكما ....الا تبرز الحاجة الى مراجعة عميقة وجريئة لكل عملنا ....

عمر الحكيم مشروع الامة /2/
المراجعة الدقيقة والعميقة لمجريات الثورة السورية وخاصة اخطاؤها هي سبيل تصحيح المسار وتعميق الايجابيات والاصرار عليها... هناك بديهيات اصبحت الان وراء ظهورنا يمكن تلخيصها بالاتي
1/ عبثية انتظار دعم القوى الدولية لثورتنا لانتفاء المصلحة
2/فشل النخب السياسية في تجسيد روح الامة وتحقيق ماتصبو اليه وبالتالي سقوط كل التنظيمات السياسية التي اعقبت اعلان الثورة
3/ انعكاس تشتت النخب السياسية للثورة على النخب العسكرية فكنا بجيش حر واصبحنا بجيوش حرة وكتائب منفصلة تستعد مستقبلا للتناحرفيما بينها  وقبل سقوط الاسد
4/ الاقرار بان الصامتين من السوريون هم نسبة كبيرة رافضون للاسد ويريدون ازاحة ظله الثقيل عن بلادنا وهم في الوقت نفسه رافضون للمعارضة السياسية والعسكرية لعجزها وتشتتها
5/الايمان بان العمل المسلح هو الطريق الوحيد لانهاء معاناة السوريين ولكن ليس بالاسلوب والطريقة السائدة منذ اختير هذا العمل كطريق خلاص
6/ الاقرار الضمني عند كل السوريين ان ما تعانيه سوريا ليس بسبب نظام حكم استبدادي وانما نتيجة احتلال طائفي فريد وقذر وهذا يعني بالضرورة اننا لسنا بصدد تغيير نظام حكم وانما بصدد حرب تحرير وطنية فالصراع هنا صراع وجود ونحن نحارب من اجل احقية ابنائنا بالحياة والوجود
7/ الايمان المطلق بعدالة قضيتنا وقدرتنا الى النصر معتمدين على الله ثم انفسنا وان حريتنا تنتزع ولا تمنح
ماسبق ان كان صحيحا ماذا يبنى عليه.؟؟؟؟

عمر الحكيم  سبق وان ذكرت ان الاصرار على رفع شعار اسقاط الاسد دون تقديم البديل السياسي لمنظومة حكم الاسد يجعل المواطن والوطن السوري في متاهة التخمينات الامر الذي سيعيق بالضرورة اسقاط الاسد وسيدعم حججه للبقاء وسيرفع من تكاليف اسقاطه ويطيل عمره الى مدى غير منظور وهنا تبرز حاجة قوى الثورة لتقديم مشروع الثورة بمبادئ عامة يجد فيها كل سوري مصلحة له فيها  لتغدو جزأ حاسما من ايمانه وغاية حلمه وامله المستقبلي ،وبغض النظر عن دين هذا السوري او عرقه او انتماءه . وتحدثنا عن البديهيات والمسلمات التي اصبح من المستحيل القفز عنها والتي لابد من البناء عليها في أي عمل قادم .
مشروع الامة اذن هو نقطة يلتقي عليها الجميع توحد ولاتفرق تبني ولاتهدم ...تضع اللبنات الاولى لبناء نهضتنا والتي تطرح جانبا كل الشعارات والعناوين مسبقة الصنع ولايملك ازاءها أي سوري سوى الموافقة عليها والقبول بها بمحبة واصرار لانها نقطة تحقيق وجوده .
لطالما كان الوطن هو هو الشعار الزائف الذي يختبئ وراءه كل سماسرة الدم وناهبي العباد ومختلسي الحياة حتى ضاع المواطن في متاهة الوطن واصبح من يبني الوطن ليس الا شبح مواطن هزيل ومنهك ...مسروق حتى في احلامه وانعكس ذلك على الوطن نفسه الذي كان نتاجا فاسدا التخلف والجهل والفساد طابعه وطبعه كما مواطنه والا كيف نفسر احراق شعب بأكمله من اجل لص استولى على الحكم تحت شعار الوطن اولا ومع ذلك نرى الصامتين والمترددين والمؤيدين والمتخاذلين ...نرى الاسفاف في استهلاك دماءنا ومازلنا مصرين على تشتيت الجهد والتباعد واختلافات الهوى  .
لقد غاب السوري قسرا اوغيب عن سابق اصرار وتصميم من كل تطورات الزمن واصبح منتوجا بشريا مشوها يلبي حاجة المستبد برضى يحفظ دوام المستبد واستقرر حكمه .
التعريف القانوني للدولة يقول انها شعب يمارس سيادته على بقعة جغرافية ما  وبالتالي حتى يكون لك دولة لابد من توافر ثلاثة شروط او اركان مرتبطة ارتباط وجود وانتفاء احدها ينسف وجود الدولة بأكله ومن التعريف السابق يمكن ان نستنتج سبب هزائمنا وهو ان بلداننا هي قطع جغرافية تفتقد شعوبا تمارس سيادتها على ارضها فنحن شعب بلاوطن او وطن بلا شعب ومن هنا انطلاقتنا ان اردنا الانطلاقة ..لابد من  ان نستعيد انساننا ...قيمته ...صحته ...فكره.وتعليمه .... لابد من العودة لاساس وجودنا الجماعي وهو الانسان السوري وما لم يكن السوري هو منطلق الثورة وغايتها وهدفها النهائي فأن هذه الثورة ستفشل وستتحول الى مجرد انتفاضة فاشلة سواء اسقطت الحاكم الجائر او لم تسقطه لا فرق . ويقدر ماتكون هذه الثورة شديدة الالتصاق بالسوري بقدر ما سيكون هو شديد الالتصاق بها وهنا يصعب كسرها لانها اصبحت تمثل الارادة الجماعية للامة .

عمر الحكيم كتب:
مشروع الامة /4/
مما سبق يتضح ان مشروع الامة في فحواه هو كلمة سواء تتفق عليها الامة ممثلة بشخص مفردها الا وهو انسانها .هذا الانسان الذي يتمتع بحس المقارنة العالي مع غيره من افراد الشعوب الاخرى التي وجدت مشروعها وارتقت بانسانها واصبحت تحارب العالم بهذا الانسان . فالسوري لايجد في نفسه نقصا يبرر تخلفه وفقره وابتعاده عن ركب الحضارة وبغض النظر عن ثقافة هذا السوري ومستوى تعليمه فالامور هنا بالفطرة المجردة نتيجة ارثه الحضاري .
الثورة ان لم تكن طريقا لتحقيق الطموحات المشتركة للسوريين ستفشل وكما سبق وذكرت ستتحول الى مجرد انتفاضة على حاكم جائر وتصبح نتيجة هذه الانتفاضة حدث عارض لايقدم ولا يؤخر ولايفيد في صياعة المستقبل ويصبح الترحم على الماضي الاستبدادي واقعا معاشا  كما في مصر وليبيا واليمن الحزين .
ان بلورة هدف الثورة وطرق الوصول الى هذا الهدف هو عمل اكاديمي يخص النخب المتخصصة وضمان التأييد الشعبي لهذا الهدف لايكون الا بعمل مضني وشاق بعيد عن العواطف والعبارات المستهلكة ومن هنا لن ينخرط كافة السوريين في الثورة مالم تتحقق عدة عوامل .....1/ عمل النخب الاكاديمية المتخصصة على صياغة اهداف عامة للثورة يجد فيها كل سوري انها اهدافه الخاصة
              2/ عمل النخب الاكاديمية المتخصصة على صياغة طرق الوصول الى اهداف الثورة وتفهم معوقات الوصول لهذه الاهداف وايجاد الحلول العلمية لها
             3/ عمل اعلامي ممنهج بعيد عن الحماسة الفارغة يضمن وصول افكار الثورة لكافة السوريين بطريقة سليمة بعيدة عن التأويل
             4/ ادارة الثورة وانتاج قائدها وفق مبادئ دستورية مؤقتة توضح للسوريين الاختصاصات والمهام الموكلة مقترنة ببرامج زمنية محددة .
مالم تتحقق هذه العوامل بكاملها لن نستطيع جمع شمل الكتائب المسلحة تحت راية واحدة ولن نستطيع اسقاط الاسد بمفردنا وسيطول زمن العبث بارواح السوريين وستزداد بلادنا خرابا
السؤال كيف نبدأ بتحقيق او تجسيد هذه العوامل ؟؟
هناك نقطة مشجعة يمكن البدء منها وهي تتجسد بقوة الناشطين الاعلاميين للثورة فهم الى الان ناجحون في فرض عناوين جمع الثورة ويلقون التأييد المنقطع النظير في ذلك واعتقد جازما انهم يستطيعون جمع التأييد اللازم لادارة الثورة وتقديم قائدها بعد ان يضعوا مسودة دستورية ثورية مؤقتة تلتزم بها الادارة العتيدة وبمعنى اخر ان يقدم الناشطون للعلن وثيقة دستورية ثورية مؤقته على اساسها يتم اختيار ادارة الثورة وقائدها وتكون هذه الادارة اول الملتزمين بالمبادئ الدستورية الثورية...قد يقول قائل ان هذا كلام انشائي غير قابل للتطبيق نظرا للظروف الصعبة التي نعيشها واقول ان المحاولة تغني عن أي تصريح


يمكنكم تصفح  جميع سلسلة مقالات  ( مشروع الامة ) 
من خلال هذه الروابط الخاصة بها..
مشروع الامة /1/  
مشروع الامة /2/ 
مشروع الامة /3/ 

مشروع الامة /4/ 
وكل الشكر والتقدير لكاتبها الفاضل الاستاذ " عمر الحكيم "